المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أ.محمد سليمان
أخي النسر الابيض تحية طيبة وبعد:
ان ما تطرحه في مقالك هذا هو دأب وشأن السواد الأعظم من أمتنا الحبيبة
وهو الهم السائد بين مختلف طبقات المجتمع العربي , بل زد على ذلك انه أصبح يشكل جزءا من تركيبة الفرد العربي النفسية على مختلف المستويات العلمية والثقافيه , ولكني أرى فيه فلسفة تمرد أكثر من كونه طرحا حقيقيا للخروج من واقعنا المرير , وبغض النظر عن توجهك الفكري والعقدي الا انني أحمل معك قاسما مشتركا الا وهو الهوية العربية والتاريخ والحضاره ذاتها , ومن هذا المنطلق فاننا نحمل هموما مشتركة ولكن ما هو السبيل ؟
سمعنا وشاهدنا الكثير الكثير من أصحاب الرأي والفكر والتحليل السياسي يشخصون لهذا الداء ولكن واحدا منهم لم يخرج لنا بالدواء المناسب , وأقولها بكل صدق واخلاص من واقع التجربة ومن نظرة محايدة للأمور , فأقول انه وللأسف فان كل النظريات السياسية سواء القومجيه أو الاشتراكيه أو العلمانيه قد سقطت وهوت من على سفح البيت الأبيض , وذابت وتحللت في مختبرات المخابرات الأمريكية , وذلك لان من تصدر للقيادة هم ضعفاء النفوس ومرتزقة لا هم لهم الا البقاء على الكرسي الفاني , ولكنهم نسوا أو تناسوا أن هذا المنصب لو دام لغيرهم لما وصل اليهم , ولكن سبحان الله أزلام وأوثان نصبت ولا يزحزحها الا التغير الجذري في وعي الانسان العربي لواقع الامور وفهمه لها على مراد رب العزة الذي وضع لنا أسس وقواعد الأشياء , ولكننا كفرنا بديننا وبألاهنا واشترينا ألهة لا حول لها ولا قوة , نتمسك ونبكي على فتات حريتها وديموقراطيتها الزائفة ونتشبث بأذيال ثوبها الذي يجر ورائه العار وفضائح الحرية المزيفة.
ولكني الى هذه اللحظة التي أكتب فيها كلامي لا زلت أستهجن وأستغرب ولا أفهم هذه الحالة العربية التي عجز عن استبصارها وفهمها هذا الكم الكبير من أصحاب العقول النيرة المنفتحة , بل ما نجح أكبرهم في أزاحة هذه الأوثان قيد أنملة . وأعود لأتسائل ما السبب ؟ وما السبيل؟
كثيرة هي الأفكار والخواطر والتساؤلات , ولكن الواقع يحسن أن يعبر عنا أفضل منا , ومهما تململنا وتذمرنا وتشتتنا وعبدنا أفكارا ونظريات من دون الله فلا بد لنا يوما من وقفة حقيقية صادقة مع أنفسنا , من نحن؟ ما دورنا بين الأمم ؟ وماذا قدمنا للبشرية ؟ واللبيب اللبيب هو الذي يضع يده على الجرح ويصف لنا الدواء ! وهو الذي يملك الجواب على تساؤلاتنا وما أكثرها , فنحن قوم قوم نملك أكبر رصيد حضاري وأخلاقي دون سائر الأمم , ولكن عندما هبت رياح التغيير , وكفرنا بأنفسنا وبهويتنا الحقيقية لم نلقى الا الذل والهوان والتشتت والتصارع فيما بيننا , ثم أسهبنا في البكاء والعويل والنحيب على ماضينا ورحنا ننبش ونبحث عن حبل النجاة عسى أن نخرج من مستنقع البؤس والذل ولكن هل من مجيب؟
إخوتي الأحباب : في خضم الأحداث المتسارعة ومن بين هذه المعمعة الفكرية المتشابكة , ووسط أمواج الكفر والإلحاد والعلمانية المتلاطمة , ومن خلف أسوار الظلمة الحالكة , لا بد لنا من نور نبصر به الطريق , ونكمل به الدرب .
ولكن أين يوجد هذا النور الذي لا زلنا نبحث عنه منذ عقود ؟ هل هو في البيت الأسود الذي سقطت جدران حريته الزائفه مع سقوط بغداد ؟ أم هو عند كبار الرأس ماليين الذين اتخذوا من أنفسهم مشرعين ومعلمين للانسانية فنون الحرية والعدل والمساواة الكاذبة , وما هي الا أقنعة يتخفون من ورائها للوصول الى قلوبنا وعقولنا ليسهل عليهم عندها الوصول الى أموالنا وثرواتنا !
ولكن أقول لهذه العصابة المفسدة في الأرض : اعلموا أن الجولة القادمة لنا ولديننا ولإسلامنا ونصيبكم من هذه الدنيا هو الخزي والهروب وجر أذيال الفضيحة الحضارية التي أورثتموها لأولادكم وللأجيال القادمة من الذين سيبحثون عنكم في مزبلة التاريخ ويجدون أن سنة الله قد جرت عليكم فأذهبكم بظلمكم واستبدلكم بقوم أخرين , أما سمعتم قول الله جل وعلا :"وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا " .
وأقول لهم كفاكم كذبا على الشعوب وكفاكم تضليلا , وكيف لكم أن تصفوا الدواء والعلاج للبشر وأنتم أشد الناس حاجة للدواء ؟ ولله ذر القائل:
يا أيها الرجل المعلم غيره هلا لنفسك كان ذا التعليم ؟
تصف الدواء لذي السقام وذي الضنا كيما يصح به وأنت سقيم ؟
ونراك تصلح بالرشاد عقولنا أبدا وأنت من الرشاد عديم
إبدأ بنفسك فانهها عن غيها فإذا انتهت فأنت حكيم
وهنالك يسمع ما تقول ويشتفى بالقول منك وينفع التعليم
لا تنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم!!!
فلا بد لنا من نظرة صحيحة شفافة , عارية من كل شوائب الهوى والطمع وحب الذات , ولو أن كل واحد منا بادر بالتغيير , وبدأ بنفسه فسيأتي اليوم الذي نحصد فيه ما زرعنا وإن طال الزمان !
وأخيرا أسأل الله رب العرش العظيم أن يقيض لنا أمر رشد يعز فيه أهل طاعته ويذل فيه أهل معصيته إنه ولي ذلك والقادر عليه .
|