لقاء فى المصيف.. قصه قصيره
أُف !!!!
ماهذا الحر الذى لا يُطاق ؟؟!!
هكذا بدا الجو للأُستاذ سعيد وهو جالسٌ الى مكتبه فى الإدارة
وقد انقطع التيار الكهربائى ؛ وتوقفت المروحه المُعلقه قُبالته ..
لم يكن العمل قد حمى وطيسه بعد فى هذا الوقت المُبكر ؛
مما أتاح له أن يُطلق لخياله العنان الى حيثُ الرحله التى ينوى
القيام بها مع اسرته السعيده ــ كما يُسميها دائماً ــ الى رأس
البر لقضاء اسبوع المصيف ..
فقد اعتاد منذ خمس سنوات أن يصطحب هذه الأُسره الصغيره
المكونه منه وزوجته حنان وتوأماه أكرم وكريم ؛ لقضاء اجازة
سنويه أُسوةً بِعِلْيَّة القوم ؛ ووقع اختياره هذا العام على
شاطىء رأس البر ؛ لما سمع عنه من مديح وثناء أغرياه
بإرتياده ؛ آملاً قضاء اسبوع من السعاده يُريحه من عناء العمل ؛
وينفض عنه غُبار الملل ..
لم تكن تسمية الأًستاذ سعيد أُسرته بالـ ( سعيده ) نابعاً من
إحساس صادق بالسعاده ؛ وإنما كان غِطاءً يُسدله على شعور
بخيبة أمل أحاطت به بعد ولادة توأميه .. فقبل مجيئهما كان
يشعُر بأنه قد تزوج فتاة أحلامه حقاً .. كانت تتفنن فى إسعاده
وصرف كل وقتها له .. كانا يجلسان فى البيت بعد عودتهما من
العمل يتسامران ؛ أو يخرجان للتنزُه البرىء ؛ أو زيارة الأقارب
والأصحاب ؛ وهى فى كل ذلك لا تنى عن إظهار الموده والحب
والحنان له ؛ فى حدبٍ واهتمام ؛ أشعراه بأنه رجُل العصور ؛
والأسد الهصور ؛ والخليفه الشرعى لجده الديناصور !!!!!!!!
ولكن بعد ولادة الغُلامين إنشغلت نونا ( كما يُناديها ) بهما ؛
وأصبحا شغلها الشاغل ومحط إهتمامها الأول ؛ وذلك طبيعى
ومنطقى نظراً لصِغر سنهما وحاجتهما الشديده إليها ؛ إلا أن
سعيداً لم يستطع تقَبُل مع هذا الوضع الجديد ؛ ولم تطب
نفسه بأن يكون فى آخر قائمة إهتمامات نونا .. فتبرم من داخله
وضجر ؛ ولكن حياءه منعه من البوح بذلك ...وكان ينتهز فرص
الأجازات مثل تلك التى نحن بصددها للعوده الى الزمن الأول
زمن الحب والغرام والحنان والإهتمام .....
حزمت الأُسره أمتعتها وانطلقت بالسياره الى رأس البر ؛
فوصلتها بعد الظُهر وإنكسار حدة الشمس الحارقه ؛ مما أغراهم
بوضع الأمتعه فى السكن الذى استأجروه لهذا الغرض ؛ ثم
الإنطلاق للشاطىء للتمتُع بكل دقيقه من هذا الأسبوع الجميل..
وما إن أقبلت الأسره على الشاطىء وتنفست هواء البحر
اللطيف المُنعش ؛ واختارت لها مكاناً تحت إحدى الشمسيات
القريبه من الماء حتى بدأت طلبات الأولاد اللذين هتفا فى صوتٍ
واحد : " بابا .. عايزين آيس كريم .."
ولما كان البائع على مسافه ليست بالقريبه منهم ؛ وخوفاً على
الصغيرين من التوهان ؛ فقد اصطحبهما سعيد لشراء ما يُريدان ..
ابتاع سعيد لإبنيه مايرغبان ؛ واستدار ليعود من حيثُ أتى ؛ فإذا
به أمامها وجهاً لوجه !!
التقت عيناهُما ؛ لم يُصدق فى بادىء الأمر ؛ ولكن ابتسامتها
العذبه الت يعرفها حق المعرفه أكدت حدسه ؛ وأنها جارته
القديمه ورفيقته فى سنوات الدراسه ؛ وأول من أوقد شرارة
قلبه الغض .. إنها جميله ؛ أو (جيمى ) كما كان يُدللها قديماً ..
كانت كعهدها الأول إسماً على مُسمى ؛ تتمتع بذلك السحر
الأُنثوى الذى ألهب خياله فترة شبابه الأولى ؛ والذى كان سبباً
فى جراح عميقه أصابته يوم ارتحلت مع اسرتها الى مدينه أُخرى
تقدم إليها مُحيياً: أهذه أنتِ ؟! ياللصُدف السعيده .. كيف حالُكِ
ياجيمى ؟
بابتسامه تسيل عذوبةً ورقه أجابته : ياااه !! انت لسه فاكر؟!
عال وبخير الحمد لله .. كيف حالك أنت ؟ أهذان ابناك ؟ أراهما
جميلين ؛ أكيد لأُمهما ...
قالتها بدلال وعشم استمدنهما من رصيد سنوات مرت ..
فبادرها : هو كذلك حقاً .. أتنزلون هنا هذا العام ؟
قالت : أيوه .. كنَّأ هنا من اسبوع ؛ وغداً يحين وقت رجوعنا ..
فقال بأسى : حظى وِحش دايماً !! كيف حال أُسرتكِ ؟ سمعتُ
أنكِ نزوجتِ .. أهذا صحيح ؟
ــ أيوه .. وأنجبت ثلاثة أبناء أصغرهم هذا الواقف عند عربة الآيس
كريم ..
ــ ربنا يخليهم لك ويسعدك ويفرحك بيهم ...
ــ ويبارك لك فى أولادك وزوجتك ..
ــ لاتنسى السلام للوالد والوالده ؛ ده أن كانوا فاكرين جارهم سعيد
ــ طبعاً أكيد ..هى العِشره تهون !!!
وهنا أقبل ابنها الصغير حاملاً مشترواته ؛ وأخذ بيدها وانصرفا
بعد أن ودعت سعيداً ؛ الذى استيقظ غرامه القديم بها ؛ وهاجت
ذكراها الخامده بأيام خلت ؛ لها فى قلبه مكان ؛ وأىُ مكان!!
عاد سعيد مع ابنيه الى حيث تجلس نونا تحت الشمسيه ؛
وكان عقله غائماً وقلبه هائماً من أثر هذه المُقابله الحبيبه ..
ولم تخف حاله على نونا التى بادرته بالسؤال : مالك؟؟!!
فانتبه لسؤالها وقال : البحر وجمالُه أثر فى نفسى حبتين ..
ح تنزلى المَيَّه دلوقت ؟
قالت : لا .. مُش النهارده ؛ مُش عامله حسابى ...
فقال : طيب .. خُدى بالك من الأولاد على ماآخد لى غُطس
ولا غُطسين قبل ما النهار يروح ..
ابتسمت قائله : إغطس وقِب زى ماانت عاوز .. بس ابعد عن
حوريات البحر !!!
وصله مغزى كلامها ؛ فابتسم بدوره ؛ ثُم انطلق الى الماء
ليغسل بين أمواجه غرامٌ مضى ....
( بقلمى )
|