عرض مشاركة واحدة
قديم 23-12-2008, 03:39 PM   #1
noooor
V I P


الصورة الرمزية noooor
noooor غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 5696
 تاريخ التسجيل :  02 2004
 أخر زيارة : 15-11-2010 (09:06 PM)
 المشاركات : 8,386 [ + ]
 التقييم :  87
لوني المفضل : Cadetblue
.. الفـرق بين الإبتـلاء والعقـوبة ..





بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته




الإبتلاء والمحنة ..




.. لقد شاءت إرادة الله عز وجل أن تكون حياة الإنسان فوق هذه الأرض سلسلة متواصلة لا تكاد تنتهي من الابتلاءات والمحن ، وفي هذا يقول سبحانه وتعالى: (تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً وهو العزيز الغفور )(الملك: 1-2 ) وهذا الابتلاء قد يكون بالخير أو بالشر: (كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون )(الأنبياء: 35 ) وقد يكون الابتلاء للمؤمنين في سبيل تمييز المجاهدين منهم والصابرين (ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم ) (محمد: 31) فالابتلاء يمكن أن يكون في أي شأن من شؤون الحياة ، فالله عز وجل خلق البشر ، واستخلفهم في الأرض ، ولم يتركهم يهيمون على غير هدى ، بل أرسل إليهم الرسل مبشرين ومنذرين ، فبينوا لهم سنن الهداية والرشاد ، وبشروهم بالفوز في الدنيا والآخرة ، إن هم أخذوا بها واتبعوها ، كما حذروهم من مخالفة هذه السنن ، وأنذروهم من عذاب الله إن هم ضلوا عنها ، وتنكبوا جادة الصواب .. فلم يعد إذن للناس من حجة بعد الرسل ، بل أصبحوا بعد الرسالات في غمرة الابتلاء والاختبار ، وغدوا مطالبين بتحري الصواب في شؤونهم كلها ، وإلا سقطوا في الامتحان , خسروا الدنيا والآخرة .. ويالها من خسارة !

وفي هذه الطريق الصعبة ، طريق الابتلاء تعترض الإنسان شدائد ومحن شتى فنجد أنه يتخذ حيالها أحد موقفين :

* الموقف الأول :

حين تصيب الإنسان شدة من غير قصد منه ، ولا إرادة ، ولا تدبير ، فهذا الموقف هو ما يصح أن نطلق عليه اسم ( الابتلاء ) ، والعبد المؤمن مأمور حين يبتلى على هذه الشاكلة أن يصبر على الشدة ، وألا يقنط من رحمة الله ، وأن يسأل الله تفريج كربه .. وهو مأجور بإذن الله على ذلك كله .

* الموقف الثاني:

حين تصيب الإنسان شدة نتيجة تدبير منه ، واختيار ، أو ممارسة فعلية خاطئة ، فهذا النوع من الابتلاء يصح أن نسميه مصيبة أو عقوبة ، حلت به نتيجة ما قدمت يداه .

ونضرب لهذين الموقفين مثالين من عالم الطب والصحة .. فالمرض يمكن أن يصيب الإنسان دون أن يكون قد عرض نفسه للأسباب الداعية للمرض ، بل قد يكون اتخذ الاحتياطات الوقائية ، التي يغلب على ظنه أنها تمنع المرض ، ولكنه مع هذا يصاب بالمرض .. ففي مثل هذه الحال نقول : إن الشخص تعرض للابتلاء .

وأما المثال الآخر ، فهو نقيض للأول ، ونشاهده عندما يصاب الشخص بالمرض نتيجة تفريطه في أمور صحته ، وعدم أخذه بأسباب الوقاية ، كأن يتناول طعاماً أو شراباً يضر بصحته ، أو يزني ، أو يتناول المخدرات .. فهذا الشخص يعد مفرطاً في أمر صحته ، ومن ثم يصح أن نعد ابتلاءه نوعاً من العقوبة ، التي حلت به نتيجة مخالفته لقواعد الصحة أو للسنن التي بها يمتنع المرض بإذن الله .

ويظهر لنا هنا الفارق الجوهري ما بين الابتلاء والعقوبة .. ويمكن أن نسوق أمثلة كثيرة لزيادة الإيضاح ، ولا بأس أن نتناول موضوع الجهاد من هذا المنظور ، وبخاصة أنه كثر الحديث حول هذا الموضوع في أيامنا الحاضرة .. فالمؤمنون مأمورون ابتداءً بالإعداد لمواجهة أعدائهم قال تعالى: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم )(الأنفال:60 ) فبعد هذا الأمر الرباني الصريح بالإعداد لا يصح أن يغفل المؤمنون عن أخذ الأهبة ، وتجهيز ما يلزم من عتاد وعدد ، استعداداً للجهاد ، ولا يجوز لهم أن يدخلوا المعركة ضد معسكر الكفر ، إلا بعد أن يستوفوا شروط القتال ، فيخططوا للمعركة تخطيطاً دقيقاً واعياً بكل الملابسات ، ويجندوا طاقاتهم البشرية والمعنوية تجنيداً مناسباً ، حتى يغلب على ظنهم أنهم أخذوا بالأسباب ، التي تكفل لهم النصر بإذن الله .. فإن هم فعلوا هذا ، ودخلوا المعركة صابرين مقبلين غير مدبرين ، ثم لم ينتصروا ، كانت هزيمتهم حينئذ ابتلاء من الله ، لأن الهزيمة وقعت لأسباب خارجة عن إرادتهم وتدبيرهم .. والمجاهدون حينئذ مأجورون بإذن الله على جهادهم على الرغم من هزيمتهم .

وعلى النقيض من ذلك تكون حال المؤمنين ، لو أنهم دخلوا المعركة بلا إعداد ولا تخطيط ولا معرفة بأصول القتال .. لأن هزيمتهم حينئذ تكون عقوبة على ما فرطوا في أمرهم ، ولمثل هذا ألمحت الآيات الكريمات من سورة آل عمران ، والتي حملت المؤمنين مسؤولية ما أصابهم يوم ( أحد ) ، عندما قصر بعضهم ، فغادروا مواقعهم التي أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتزامها ، وذلك طمعاً منهم في الغنيمة ، فقال الله تعالى في حق هؤلاء : (أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا ، قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير )(أل عمران: 165) والمصيبة التي تشير إليها الآيات الكريمات ، هي ما أصاب المسلمين يوم أحد من قتل السبعين منهم ، وأما الإشارة في قوله تعالى: (قد أصبتم مثليها ) فتعني يوم بدر ، فقد قتلوا في ذلك اليوم سبعين رجلاً من المشركين وأسروا سبعين آخرين ، وقد أرجعت الآيات سبب المصيبة التي أصابتهم يوم أحد إليهـم هم أنفسهم (قل هو من عند أنفسكم )(آل عمران: 165) بمعنى أن هزيمتهم كانت عقوبة لهم على تفريطهم!

ولعلنا بهذه الأمثلة قد أوضحنا بما يكفي الفرق ما بين معنى الابتلاء ، ومعنى العقوبة ، إذ كثيراً ما يخلط الناس بين المعنيين ، فيظنون أن المصائب التي تنزل بهم نتيجة أخطاء يرتكبونها ، أو نتيجة مخالفة لسنة معروفة من السنن ، التي فطر الله عليها أمور الخلق . ويظنون ذلك نوعاً من الابتلاء يكرمهم الله به ، فنراهم يستبشرون بما ينزل بهم ، لاعتقادهم بأن الله اختارهم للابتلاء كرامة لهم ، حتى يجزل لهم الجزاء!!

- وكان حرياً بمثل هؤلاء أن يحسوا بالندامة على ما بدر منهم ..

- وكان الأجدر بهم أن يرجعوا إلى أنفسهم ( قل هو من عند أنفسكم ) لكي يعرفوا الخلل ، ويشمروا عن ساعد الجد ، ويبدأوا عملية التقويم ، وجبر ما انكسر ، والنهوض من السقطة !

وهذا ما يجب علينا أن نفعله عند كل شدة .. أن نعرف إن كنا في موقف ابتلاء أم في موقف عقوبة ؟ لأن الفرق ما بين الموقفين عظيم !



الشيخ : عمر عبيد حسنة


.

المصدر: نفساني



 

رد مع اقتباس