الموضوع: الطاعون .
عرض مشاركة واحدة
قديم 25-12-2008, 01:25 PM   #4
qaswara
عضـو مُـبـدع


الصورة الرمزية qaswara
qaswara غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 10666
 تاريخ التسجيل :  11 2005
 أخر زيارة : 11-04-2024 (01:35 AM)
 المشاركات : 484 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


.../ ...
وجد (حسين) أنّ كلّ شيءٍ قد تغيّر و تبدّل .. حتى أفكار الخلق و عقلياتهم تغيرت أو أصابها النسيان ... نسيان الماضي ... فثلاثة عقودٍ من الأعوام كانت كفيلة بمحو الماضي بحلوه و مره ..
أصابت (حسين ) خيبة املٍ ، و اجترار يأسٍ ..
و لم يكن (حسين) يدري أن أراضي العائلة قد صودرت ، ولمّا علم جنّ جنونه ، و أظلمت الدنيا في عينيه ، و طرق كل الأبواب ، و لكن عبثاً كان يحاول .
و الذي حز في نفسه أن أراضيه و جدها قد صودرت لا من أجل المنفعة العامة ... و إنما أخذها رجال لهم باعٌ ، و هم من ذوي الجاه و السلطان ، أخذوها عنوة و اغتصاباً . لأنها أراضي تقع على شاطئ البحر . حيث بدؤوا يبنون عليها فيلاتهم ، و إقامة مشاريعهم السياحية عليها .
أ مكتوب على (حسين) معاشرةَ الأحزان نفساً وفكراً وجسداً، ها هي الامور تزيده بفواجع ومواجع في أرضه . كما أتت عليه سابقا في الأهل والأخلاء. ألا يكفُّ الدهر عن هذا الأسى الذي لا يتوقف، وهذه الشجون التي لا تنتهي؟... و هذه الاوجاع لِم لا تنتهي ، و لـِم لا تخالطها رأفةٌ أو رحمةٌ به، كأن بينه وبينها ضغينةٌ وبغضاء مرقومة في الأزل.
أ من العدل أن تؤخذ ارض الأجداد هكذا ؟ .. كأنها لم تكن ملكاً له ؟ .. هكذا تقوم الساعة و ترجف الراجفة ، و تطوى السماء طي السجل للكتب ، إن كانت هذه الأرض ليس ملكاً لاجداده عبر السنين و الدهور ... و لكنه الظلم و الجور .
بركانٌ من الغضب بداخله يرمي حمماً ، و نارٌ مشتعلة في صدره تاتي على الاخضر و اليابس ... و لكن ما الحيلة ؟
رفع القضية إلى القضاء ... فتحججت المحكمة بأنه لا يحمل جنسية البلد بعدُ ... و عندما تقدم بطلبٍ لذلك قوبل طلبه بالرفض ، لئلا يطالب باسترجاع أراضيه ... فتأكد (حسين ) أن وراء الكواليس اخطبوط ، و أيد تعمل في الخفاء .. و أن وراء الأكمة ما وراءها.
هاله أن عدم حصوله على الجنسية ، كمن يقول لعربي قح : لست عربيا ... أو أثبت أنك عربيٌّ..
و ركب البحر هارباً من الطاعون مرة أخرى ... و لكن هذه المرة كان الطاعون مخلوقات بشرية عجيبة لهم صفات بشرية ، ولكنهم قد تخلّوا عن آدميّتهم ..
فهل كتب عليه التيه مرة أخرى ؟ .. و رجع ثلاثتهم من حيث أتوا.
و بعد رحلةٍ بحريةٍ وصلوا ... و لكن هذه المرة لم يقلق (حسين) لأنه يعرف البلد و أهله ، فلم يحتج إلى التعود...
عاد (رابح) ليتابع دراستهِ في الطب ... فيتعرّف في الجامعة على (فرنسواز ) فتاة وحيدة والديها ، لها من الجمالِ ما لها . فأّعجبت به ، و تحول ذلك الإعجاب الى حب ... و كان (رابح) يحب (فرنسواز) في صمتٍ ... و كم من مرة حاول حاول أن يبوح لها بما في الفؤاد ، لكنّ التعبير كان يخونه ... و لكن ترى لماذا؟.. إنها نتيجة حتمية ... إنما هو الصمت الذي اعتاده ، و يحياه في منزله نظراً لعاهة أمه ... و كم كان يعود الى المنزل فرحاً مسروراً ، فيتخّل (فرنسواز) و يخاطب طيفها ، ليصرح لها بكلماتٍ لها من سحر البيان و عذب الكلام ما لها . ثم يدون ما قاله في كراس كتب على غلافه " كلمات إليها" ... كانت الام (فاطمة) لا تفهم و لا تعي ما يقول ، و لكنها تحسّ كل كلمة كان يتفوه بها . فتنتابها سعادة يراها (حسين) على ملامح وجهها فيفرح لفرحها .
في احد الأيام قرر (رابح) أن يبوح بما في الفؤاد لـ(فرنسواز) ، و انتظرها في الجامعة كالمعتاد ، لكنها لم تأتي ذلك اليوم ...و طال الانتظار ...فاستفسر الأمر ، فعلم من إحدى صديقاتها أنها فقدت أمها ... فحزن لحالها ، و تألم في أعماق نفسه ... و لما عاد إلى المنزل انهار باكيا ، فحاولت أمه استفسار عما يبكيه . فصرخ في وجهها و قال : ـ لقد ماتت أمها ... و أوصد باب غرفته و بكى بكاء مرّا ... لكنّ (فاطمة) لم تفهم شيئا ، و لكنها قلقت و احتارت ...
و عندما عاد (حسين) الى المنزل أشارت عليه أن يستطلع عن الذي ابكى فلذة كبدها ...
فدخل (حسين) غرفة ابنه و قال له : ـ أراك متعبٌ ، ما الذي يقلقكَ يا ولدي ؟..
ـ لا شيء يا أبي ... نظر (حسين) إلى ولده مليّا و قال : ـ من هي التي ترفض حبكَ لها يا عزيزي ؟... تفاجأ (رابح) ، ودون ان يشعر قال :ـ إنها لم ترفض حبي ،و لكن فقدت أمها ... و لكنه تفطن و استطرد :ـ ماذا أقول ؟ ... لا ، لا ! لم أقل شيئا ... أنسى ما قلت يا أبي!... و ساد صمت .
خرج (حسين) من غرفة ولده ، و اشار لـ (فاطمة ) ألاّ تقلق ، فولدهما يحب ... فصمت كالعادة ... و بقي (حسين ) يضرب أخماساً في أسداس ... ثم لاحت له فكرة . و اتجه نحو غرفة ولده ، و قال له : ـ هل تعرف عنوانها ؟...
ـ أظن ، فهي تسكن في (؟) و تبعد من هنا حوالي مائة كيلو متر ... و لكن لماذا هذا السؤال يا أبي ؟ ...
ـ سترى يا ولدي ، سترى ..
خرج (حسين) من المنزل ... و ما هي إلاّ نصف ساعة . حتى عاد بسيارة أجرة . فدخل على ولده و قال : ـ من الواجب علينا أن نشاطر من نحبهم أحزانهم ... قم يا عزيزي لتذهب و تقدم واجب العزاء ، فالسيارة أمام الباب . و سأكون أنا و أمك برفقتك .
حاول (رابح) أن يعترض ، و لكن والده كان حازما و حاسما ... و قال : ـ لقد قررتُ .
و ركب ثلاثتهم السيارة .

... يتبع


 

رد مع اقتباس