عرض مشاركة واحدة
قديم 28-01-2009, 11:38 AM   #1
qaswara
عضـو مُـبـدع


الصورة الرمزية qaswara
qaswara غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 10666
 تاريخ التسجيل :  11 2005
 أخر زيارة : 11-04-2024 (01:35 AM)
 المشاركات : 484 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
مقامة مبتورة لدواعي الضرورة.



بسم الله الرحمن الرحيم .

اخبرنا قسورة ، قال:
كانت لي جلسة مع رجل يبدو عليه الوقار ، و لكنه غريب الأطوار .. و من دون السلام ، بادرني بالكلام :
يبدو أنك من البلاد التي يسرق فيها السلطان ، ويُباع فيها الضمير بأبخس الأثمان ..لأجل ذلك صارت أوطانكم نهبة الناهبِ ، وغنيمة الغاصبِ ، و مطمع الكالبِ...لأنه ساسكم من بنى قصورًا يلهو فيها و يلعب ،و شعبه يضحى و يلغب ... و ولي أمركم من جمع الأموال ، و أذاق شعبه الوبال ، بعد أن ألبَسه الأسمال ..
كأن الشاعر يعنيكم ، حين قال فيكم :
جهلٌ ، و مرضٌ ، و ظلمٌ فادحٌ ****** و مخافةٌ ، و مجاعةٌ ، و إمامُ.
يا صاح! هؤلاء أذلّوكم و أهانوكم، و بعقولكم استخفوكم ، و رغم ما تزخر به البلاد من الخيرات أجاعوكم، و عن سواء السبيل أضلوكم .
مما يزيد في الطين بلة ، و في الداء علة ... أن يرى المرء الشعوب تخرج لهؤلاء في مسيرات مأمورة ،و صيحات " مأجورة " موزورة .. " بالروح بالدم نفديك يافلان ، ياطويل العمر؛ يا صقر يا علان "..
ما هذا ! ؟ كيف يُهتف لمن أخذ السلطة غصبًا ، و نهب الأموال نهبًا ، و أوسع الرعية شتمًا و سبّا ، و أوجع ظهورهم ضربا، و كوى منهم رأسًا و جنبا ، و باعهم بثمن بخسٍ شرقًا و غربا .
أن منهم من بقي في السلطة أمدا و دهورا ، و طال حكمه حتى ظنّ أن لن يحور .و أرتكب من الجرائم ما لا ينسيه توالي الشهور و الأعوام ، و ما لا يكفي في تدوينه المحابر و الأقلام ... ناهيك بمن أشعل المنطقة حربًا و نارا ،و أذاق أمته خزيّـًا و آرا..
و ان من هؤلاء الحكام من أهان كرامته ،و خان دينه و أمته .حين أحدث في المنطقة حربًا سَعُر أوارها ..بعد أن اشتعلت نارها..
عندما أنزل العلوج بالمنطقة صواعق فجعلوها قاعًا صفصفًا، كمن مرّ بها ريحًا زفزفًا ... و صبّوا عليها شوبًا من حميم .و جرّعوا أهلها شرب الهيم
فقلتُ يا هذا ، و اعلم إِنَّ الإِحَن لا تَجُرُّ إلاّ المِحَن .. ألم يقل الشاعر البارع ، حين قال ....:
سوى الأمير بجوده أيّامنا ****** فجميعها لجميعنا أعياد.
اما حقيقتنا فنحن عبيـده ****** لكننـا في بــره أولاد.
و أنت أراك فيهم قادحًا ، و في نقدهم و لمزهم صادحًا .
فاستشاط من كلامي منتصبًا ، و قطّب مابين حاجبيه غاضبًا .. و قال : من ذكرتهم ، كل واحد منهم أظلم من أخيه و أطغى ، و كلهم أعتى على الأمة و أبغى .. و صدق من قال :
قبحت مناظرهم حين خبرتهم ***** حسنت مناظرهم لقبح المخبر.
و انظر، فحتي في اجتماعاتهم قد تفرقوا طرائق قددا... و تمزقوا اسباطًا بددا.. و عن بعضهم لايزالون ينطوون على الاحقاد ، و يمعنون في الأبعاد.
و لو كانوا على بصيرة و بصرٍ ، أو عمق وعي و بعد نظرٍ.. لقال الواحد منهم : أي بلد إسلامي بلدي حين أكون فيه ، حتى لا أفسد وحدة مسلميه ...
و مما يسوء المرء أن في خرجاتهم ترى الواحد منهم ملوّحًا لشعبه بذراعيه ، و كأنه يتوعدهم قابضًا كفيه ...و في خطبهم لا همّ لهم سوى استعمال الثقيل من الكلمات ، و الشنيع من الصفات ..و لشعوبهم تهديدًا و تنديدًا . و لسان حالهم يقول :
فنحن المالكون لها قسرًا ******نسومهم المذلة و النكالا.
و نوردهم حياض السيف ذلاً******و ما نألوهم إلاّ خبـالا.
و كم من مرة حاولت أن أحتفظ بذاكرتي مما يقولون ،أو أن أفهم من خطبهم ؛ و عن أي الأمور هم يصولون و يجولون ، لكن دون جدوى ... حتى أتهمتُ ذاكرتي بالضعف ، و عقلي بالسخف ... و كنت أسأل البعض ليقربوا لي ما بَعُد فهمه من المعاني ، وليبسطوا لي ما أشكل عليّ من المباني ، ففي كلّ مرّةٍ أجد أصحابي " أحير من ضبّ " لفهم تلك الخطب ..
و مع هذا و ذاك أجد" علماء" فطاحل ، و جهابذة أماثل ... كان لهم الرسوخ في العلم ، و العمق في الفهم ،و لكن ليس الصدق في العزم . يخلعون على هؤلاء بعض الالقاب ، و يجدون لهؤلاء العذر بالاسباب .
و منهم يصفهم بذوي النظر البعيد ، و العقل الرشيد ، و الفكر السديد .بل الادهى و الأمرّ حين يُوصفون بحجة العصر و فريدة الدهر
و ليت يبرز من العلماء ، من يقول لهؤلاء : "أخلاقكم دقاق ، و عهدكم شقاق ، و دينكم نفاق ، و ماؤكم زعاق ".
ولكن لا أمل بادي ، و لا حياة لمن تنادي... لأنني قد علمت
أن القوم بعضهم من بعض حوبة ، و أن " كل قائب من قوبة "...
و بعد برهة تنهد ، و أطربني حين أنشد :
جار الزمان علينا في تصرفه ***** و اي دهر على الأحرار لم يجر
عندي من الدهر ما لو أن يسره ***** يلقي على الفلك الدوار لم يدر.
و قام بعد أن أذنت لحظة الفراق ، فقلتُ : فهل هناك بعد هذا من تلاق؟.. فنظر إليّ مليّــًا و قال :انهض أيها الغافل ! فقد رحلت القوافل ، و في يومٍ ما إعلم أنك راحل ..
و نهضت أمشي كاسف البال ، سيء الحال ، مغلوب الجلد و الاصطبار ، مسلوب الفكر و الإقرار .. و قلت في نفسي: أي منا غريب الاطوار؟.

المصدر: نفساني



 

رد مع اقتباس