13-02-2009, 10:57 AM
|
#163
|
عضومجلس إدارة في نفساني
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 19648
|
تاريخ التسجيل : 03 2007
|
أخر زيارة : 10-11-2020 (02:43 AM)
|
المشاركات :
12,794 [
+
] |
التقييم : 94
|
|
لوني المفضل : Cadetblue
|
|
صوره .. من الماضى
---------------------
إن أنس ؛ لا أنسى ذلك اليوم من حياتى ..
كُنَّأ فى صيف عام 67 ؛ وكانت حرب يونيه / حزيران فى أوجها ؛ وقد حسمتها
إسرائيل أو تكاد مُنذُ الوهله الأولى عندما وجهت ضربة عسكريه حاسمه قضت
على سلاح الجو المصرى ؛ ودمرت طائراتنا وهى على الأرض فى مرابضها ؛
نتيجةًً لخطأ حربى ساذج لايُغتفر ؛ لا مجال للخوض فى الحديث عنه الآن .
أصبحت سماءنا نهباً مُستباحاً للفانتوم الإسرائيليه ؛ تجوبها جيئةً وذهاباً دون
مانعٍ أو رادع ؛ اللهم إلا الدفاعات الأرضيه التقليديه ..وسرت تحذيرات قويه
لنا بعدم إلتقاط ماعسى أن نجده فى الطريق من لُعب أطفال أو أقلام أو
ماشابه ؛ خشيةَ أن تكون " ملغومه " ألقت بها طائرات العدو لزيادة عدد
الضحايا بين صفوف المدنيين ...
فى هذا اليوم الذى أنا بصدد الحديث عنه كُنتُ أُؤدى امتحان آخر العام فى
الصف الثالث الإبتدائى ؛ وكُنَّا فى آخر يوم لهذا الإمتحان ؛ وقد انقسم يومنا
الى لجنتين ؛ انتهت أولاهُما فى حوالى العاشره صباحاً ؛ وخرج رفاقى من
الفصل نازلين الى فناء المدرسه لقضاء فترة الإستراحة بين اللجنتين ؛ وبقيتُ
بسبب إعاقتى فى الفصل ؛ والذى كان يقع فى الطابق الثالث والأخير من
المدرسه ؛ وبقى معى زميلان : عبدالرحيم ؛ والذى كان يؤدى الإمتحان وقدمه
موضوعه فى " الجبس " نتيجة كسر ألمَّ بها ؛ واحمد ؛ والذى آثر البقاء معنا
على النزول مع بقية الزملاء الى الفناء ....
أخذنا نتجاذب أطراف الحديث حول اللجنه الفائته ؛ وماذا كتبنا فى ورقة
الإجابه ؛ وانطلقت مِنَّأ الأُمنيات الطيبه بأن تأتى اللجنه القادمه بنفس السهوله
واليُسر حتى نفرغ من كابوس المُذاكرة والإمتحان ؛ ونبدأ فى اجازة نهاية العام
والتى ينتظرها دائماً كل تلميذ ..
أُفعم الفصل ــ رغم خلوه إلا من ثلاثتنا ــ بجو مرح ظريف ؛ وأحلام ورديه
لذيذه ؛ وأُمنيات طفوليه بريئه ...
وعلى حين غره ؛ انطلقت صافرة الإنذار الرهيبه ؛ مُعلنةًَ بصوتها المُخيف
عن غارة جويه قادمه .. وقبل أن تُكمل تحذيرها سُمِع صوت طائرة ( مُعاديه
طبعاً ) من بعيد ؛ أعقبها أصوات دوى وانفجارات إهتزت لها جُدران المدرسه
وتزلزلت معها قلوبنا الصغيره ؛ ورأينا بأعيننا من خلال نوافذ الفصل أشياء
مثل المصابيح الكهربائيه تنطلق فى السماء ثُم ماتلبث أن تنفجر مُحدثةً
أصوات لا تتحملها آذاننا الغضه ...
فى هذا اليوم عِشتُ الخوف حقيقةً ؛ وتسرب الى دمى الذى حمله الى
أطرافى جميعاً فجمدتُ فى مكانى لا أُبدى حراكاً ؛ اللهم إلا سداد أُذناى
بأصابعى هرباً من الصوت المُفزع ؛ وأغمضتُ عيانى حتى لا تريا هذا المنظر
المُخيف .... بينما رفيقاى لم يكونا أقل منى فزعاً ورُعباً ؛ وزاد من خوفنا
خلو الطابق من أى أحد سوانا ؛ وأحسب أن فراغه ردد صدى صرخات
الفزع التى انطلقت من قلوبنا قبل أفواهنا رغماً عنَّا ولاشك ....
لا أدرى كم دامت فترة هذه الغارة ؛ وإن شعُرتُ بزمن طويل مر بنا فى هذا
الفزع والرُعب ؛ حتى هدأ كل شىء ؛ وتلاشت الأصوات ؛ وسكن القصف ؛
وبعد بُرهه انطلقت صافرة " الأمان " مُعلنةً انتهاء الغارة الجويه ...
وهنا هرع الينا من الطابق الأرضى بعض المُدرسين الذين وصلتهم استغاثتنا
ومنعتهم الغارة من نجدتنا ؛ حملونا بين أيديهم الى أسفل وقد انهارت قوانا ؛
مُحاولين طمأتنا بكلمات وديَّة مُشجعه ؛ وأذكر جيداً أن الذى حملنى هو استاذ
عبد الرحمن مُدرس الحساب ؛ وكان فلسطينى الجنسيه ..
لكن الذى لا أذكُره حقاً كيف كيف تم إكمال الإمتحان أو الرجوع الى المنزل!!
غاية الأمر أنى انتبهتُ فوجدتُ نفسى فى بيتى راقداً فوق سريرى حولى
أُمى وأبى يحمدون الله على النجاه ؛ ويتحدثون عن طائره مُعاديه كانت
تستهدف تلك المنطقه المدنيَّه ؛ لولا تصدى الصواريخ المُضاده والدفاعات
الأرضيه لها ....
بقيتُ بعد هذا الحادث فترة ليست بالقصيره خائفاً مذعوراً إذا سمعتُ صوت
طائره أو انفجرت بجانبى " بالونه أطفال " !!!!!
نجوتُ من الموت الذى داهمنى ؛ لكنى لم أنجُ من الخوف الذى لا زمنى ...
|
|
|