02-03-2009, 10:35 PM
|
#2
|
مراقب إداري سابق
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 22257
|
تاريخ التسجيل : 12 2007
|
أخر زيارة : 24-10-2009 (08:34 PM)
|
المشاركات :
1,614 [
+
] |
التقييم : 10
|
|
لوني المفضل : Cadetblue
|
|
بأسلوب يقترب من أسلوب علماء الاجتماع الحديث. يقول ابن خلدون:"إن البدوي بطل شجاع وفاتح وهو أبي للضيم وحام للجار، ومثل هذه الصفات لا تتلاءم وصفات طلب العلم أو الصبر على الصناعة وفنون العمران.. فالإنسان في نظر ابن خلدون لا يستطيع أن يكون محارباً باسلاً وطالباً للعلم في نفس الوقت".
إن الاستنتاج الذي جاء به ابن خلدون يمكن تطبيقه على الحضارة في عصره، حيث كان من الممكن تصنيف الناس إلى صنفين متعاكسين: غالب ومغلوب. صاحب سيف وصاحب مهنة.. "أما اليوم فقد أصبح هذا التصنيف غير ممكن التطبيق بالنسبة للحضارة الغربية الراهنة، إذ إن السيف والمهنة قد أتحدا وبعبارة أخرى أصبح الغُلب والإنتاج مترادفين فلا يمكن للأمة أن تكون غالبة في المعترك الدولي إلا إذا كانت متفوقة في الميدان الصناعي والعلمي". وبعد عرض متنوع لمفاهيم الشخصية وطبيعتها، إذ تطرّق لمختلف النظريات بدءاً بالأغريق مروراً بعصر النهضة ثم النظريات الحديثة، فوصل إلى خلاصة مفادها:" أن شخصية الإنسان، بما فيها من نفس وعقل وضمير .. ليست في الغالب إلا صنيعة من صنائع المجتمع الذي تنشأ فيه. ومن الممكن القول بأن الشخصية صورة مصغرة للمجتمع، أو كما قال دوسن وكينز: إن الشخصية ممثلة للحضارة التي تنشأ فيها. ولهذا نجد الأفراد الذين ينشأون في مجتمع معين يتشابهون في بعض الخصائص التي تميزهم عن غيرهم من أبناء المجتمعات الأخرى، ورغم ما نلاحظ بين أفراد المجتمع الواحد من تباين وتفاوت، نراهم مشتركين في صفة عامة تجعلهم يختلفون عن غيرهم بفوارق شخصية واضحة .. ".
ثم نعود إلى (شخصية الفرد العراقي) فيرى "أن شخصية الفرد العراقي فيها شيء من الأزدواج، رغم أن نتيجة هذه الدراسة غير موثقه ، ولكن نجد الكثير من القرائن تؤيد فيما ذهبت إليه النتائج البحثيه ". مشيراً إلى كون الدراسة لا تعني (أن كل فرد في العراق متصف حتماً بتلك الخصائص العامة، فكثير من الأفراد يميلون إلى التمرد على ما تعودوا عليه) يحيل الوردي أسباب هذا الازدواج لثلاث نواح، هي الناحية الحضارية والاجتماعية والنفسية، فيقول (إن من غرائب الصدف حقاً أن نجد العراق واقعاً أكثر من أي بلد آخر تقريباً على هامش البداوة والمدنية معاً. فهو قد كان مهداً لمدنية من أقدم المدنيات البشرية.. ثم نجد من الناحية الأخرى أنه واقع على حافة صحراء تعج بالبدو وتمد الأقطار المجاورة بأمواج متوالية منهم.. وقد تلقى العراق من هذه الموجات البدوية أكبر نصيب.. ان هذه الحقيقة الحضارية تؤدي بنا إلى نتيجة عظيمة الأهمية، حيث نجد في العراق منذ بدء المدنية الأولى، طبقتين أو حضارتين تتصارعان: حضارة بدوية محاربة.. وحضارة زراعية خاضعة.. فنشأ بالعراق بناء على ذلك نظامان للقيم: نظام يؤمن بالقوة والبسالة وتسود فيه قيم الاباء والشجاعة.. وبجانبه نظام آخر يؤمن بالكدح والصبر ويمارس أداء الضريبة.. إن هذا الصراع الحضاري أو ما يسمى في علم الأنثربولوجيا: clash of cultures قد أثر في شخصية الفرد العراقي تأثيراً بليغاً. فالفرد العراقي أصبح مضطراً لأن يقتبس نوعين من القيم الاجتماعية، أو يقلد طبقتين من الناس: طبقة البدوي الغالب وطبقة الفلاح المغلوب .. هذا وقد ازداد هذا الازدواج وتأسس تأسيساً اجتماعياً في العهد العباسي عندما أصبحت بغداد عاصمة الامبراطورية الإسلامية. فقد نشأ في العراق آنذاك أغلب العلوم الإسلامية وَتُرجم المنطق اليوناني، ولو رجعنا نحو أولئك المفكرين الذين ساهموا في هذه الحركة العلمية الجبارة لوجدنا جلهم من أبناء الطبقة المغلوبة، إذ كانوا حضراً في الغالب ولم يكن فيهم من أبناء البداوة إلا القليل. ومعنى ذلك "إن تفكيرنا قد اصطبغ منذ ذلك الحين بصبغة المثالية الزاهدة الخاضعة، أما أعمالنا فبقيت تحت تأثير القيم البدوية لأنها كانت القيم السائدة فعلاً في الطبقات العليا. وبهذا أصبحنا نعيش في عالمين متناقضين، عالم الفكر المثالي من ناحية وعالم الفعل الواقعي من ناحية أخرى. فأصبح أحدنا يجادل على أساس المنطق الأرسطاطاليسي والمثالية الدينية بينما هو في الواقع من أبناء هذه الدنيا غضوب حقود. ومن العجيب حقاً أن نرى بين مثقفينا ورجال الدين فينا من يكون ازدواج الشخصية فيه واضحا: فهو تارة يحدثك عن المُثل العليا وينتقد من يخالفها، وتارة يعتدي أو يهدد بالاعتداء لأي سبب يحفزه إلى الغضب تافه أو جليل.." وبالإضافة إلى شرحه للأسباب الأخرى، فهو في الكتاب الثاني "الأخلاق" يضع يده على سبب أساسي آخر لهذه الازدواجية، فيقول:"أنَّ الحكومة العثمانية لم تكن حكومة بالمعنى الصحيح، فهي لم تكن تعنى بالمحافظة على الأمن والنظام في البلاد.. ولم يكن همها في حكم الناس إلا أن تجبي منهم الضرائب والمغانم، وليفعلوا بعد ذلك بأنفسهم ما يشاءون. وكانت سياسة الحكومة تجاه العشائر أنها تتركهم يتقاتلون ويتناهبون.. كانت تشجع فيهم هذا التقاتل والتناهب أحياناً في سبيل إضعافهم على طريقة (فرق تَسُد).. ولم يعرف العراق حتى عهد متأخر نظاماً ثابتاً لمسح الأراضي أو تسجيل الحقوق فيها، فكانت العشائر إذن تتقاتل على الأراضي الجيدة في العراق، كما كان الأسلاف يتقاتلون في الصحراء على العشب والماء.. ولي أن أقول بأن الفرد العشائري أصبح من جراء ذلك ذا وجهين، فهو أبي باسل يشعر بكرامته وعزته عندما يلتقي بأمثاله من أبناء العشائر، وتجده عند ذاك من أكثر الناس غضباً وعصبية وحرصاً على أخذ الثأر، إنما هو لا يكاد يلمح جباة الحكومة أو جلاوزتها قادمين عليه حتى يتقمص شخصية أخرى! وإزاء هذه الظروف القاهرة، فإن الازدواجية تُصبح نتيجة منطقية لها، ورغم إشارة المؤلف إلى كون الازدواجية صفة مشتركة بين البشر في كل مكان، إلا أنه يقول:"ولكني أؤكد لكم بأن الازدواج فينا مركّز ومتغلغل في أعماق نفوسنا. ان العراقي سامحه الله، أكثر من غيره هياماً بالمثل العليا ودعوة إليها في خطاباته وكتاباته ولكنه في نفس الوقت من أكثر الناس انحرافاً عن هذه المثل في واقع حياته" ثم يعود ويقول:"ان هذه الظاهرة موجودة في كل نفس بشرية، ولكنها في النفس العراقية أقوى وأوضح لأن قيم البداوة والزراعة قد ازدوجتا في العراق منذ أقدم العصور ولا تزال تصطرع في أنفسنا حتى اليوم" . وان كان هذا التوصيف واقعياً لكنه ينطوي على مبالغة واضحة، لأن الباحث الشاب (وقتها كان عمره 38 سنة) استخدم صيغة (أفعل) فقال ( العراقي أكثر انحرافاً.. أكثر من غيره.. في النفس العراقية أقوى وأوضح)!! ولكن علمياً عندما تريد استعمال صيغة أفعل، يجب أن تكون مطّلعاً على أوضاع جميع المجتمعات المعنية أولاً، لكي تقرر من هو الأكثر سلبيةً ومن هو الأقل. والسؤال هو: هل كانت تجربة علي الوردي تسمح له بمقارنة من هذا النوع، أي هل اطلع على تناقضات وأزمات وطرق حياة الشعوب الأخرى، أو هل لديه نتائج لدراسات من عدة مراكز بحوث عالمية تسمح له بالمقارنه لتأكيد رأيه بشكل حاسم؟! ومن جهة أخرى غفل الباحث عن سبب آخر يكرس الازدواجية، وهو المفارقة التاريخية والحضارية التي أدت إلى انشداد ذاكرة ووجدان العراقيين منذ انهيار الدولة العباسية، بين حالين متناقضين، هما الماضي الحضاري العريق والحاضر المنكفئ المشتت، بل وانسداد أفق الحلول أيضاً جراء الهيمنة الأجنبية والحكومات المتخلفة اللاحقة، حيث كلما تراكم بؤس الحاضر ازداد الحنين إلى الماضي. الماضي الذي لا يمضي بل يأتي مع الأيام أبداً، فـيـُنشّط الذاكرة ويداوي جروح الوجدان، ومن هنا تضخمت عقدة الحنين إلى الماضي ونشأت ثقافة الإقامة فيه عند بعض الاتجاهات السياسية.
لكن هذه الملاحظة وتلك المبالغة لا تلغي أهمية الدراسة وواقعية المشكلة وضرورة مواجهتها. ومن المفارقات الخطيرة التي فرضتها التقلبات السياسية على المجتمع العراقي، يتطرق المؤلف إلى حقبة تأسيس الدولة العراقية الحديثة 1921 وإلى من يسميهم بطبقة الأفندية حيث تضخّمت ازدواجية الشخصية في تصرفاتهم، والعادات المتخلفة التي كرسوها
|
|
التعديل الأخير تم بواسطة النسر الابيض ; 02-03-2009 الساعة 10:46 PM
|