عرض مشاركة واحدة
قديم 16-04-2009, 12:29 AM   #65
نجلاء الهاجري
الزوار


الصورة الرمزية نجلاء الهاجري

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية :
 أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
 المشاركات : n/a [ + ]
لوني المفضل : Cadetblue


الليلة السابعة والأربعين

قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن الوزير قال لزوجته :
أما تعلمين أن وراءنا عدواً يقال له المعين بن ساوي ومتى سمع بهذا الأمر تقدم إلى السلطان وقال له : إن وزيرك الذي تزعم أنه يحبك أخذ منك عشرة آلاف دينار واشترى بها جارية ما رأى أحد مثلها فلما أعجبته قال لابنه : خذها أنت أحق بها من السلطان فأخذها وأزال بكارتها وها هي الجارية عنده فيقول الملك تكذب فيقول للملك عن إذنك أهجم عليه وآتيك بها فيأذن له في ذلك فيهجم على الدار ويأخذ الجارية ويحضرها بين يدي السلطان ثم يسألها فلا تقدر أن تنكر فيقول له يا سيدي أنت تعلم أني ناصح لك ولكن ما لي عندكم حظ فيمثل بي السلطان والناس كلهم يتفرجون علي وتروح روحي .
فقالت له زوجته : لا تعلم أحد وسلم أمرك إلى الله في هذه القضية فعند ذلك سكن قلب الوزير وطاب خاطره .
هذا ما كان من أمر الوزير ، وأما ما كان من أمر علي نور الدين فإنه خاف عاقبة الأمر فكان يقضي نهاره في البساتين ولا يأتي إلا في آخر الليل لأمه فينام عندها ويقوم قبل الصبح ولا يراه أحد ، ولم يزل كذلك شهراً وهو لم ير وجه أبيه ، فقالت أمه لأبيه :
يا سيدي هل تعدم الجارية وتعدم الولد ، فإن طال هذا الأمر على الولد هج .
قال لها : وكيف العمل ?
قالت : أسهر هذه الليلة فإذا جاء فأمسكه واصطلح أنت وإياه وأعطه الجارية إنها تحبه وهو يحبها وأعطيك ثمنها .
فسهر الوزير طول الليل فلما أتى ولده أمسكه وأراد نحره فأدركته أمه وقالت له :
أي شيء تريد أن تفعل معه ?
فقال لها : أريد أن أذبحه .
فقال الولد لأبيه : هل أهون عليك ?
فتغرغرت عيناه بالدموع وقال له : يا ولدي كيف هان عليك ذهاب مالي وروحي ? فقال الصبي : اسمع يا والدي مقال الشاعر :
هبني جنيت فلم تزل أهل النهـي ........ يهبون للجاني شماحـاً شـامـلا
ماذا عسى يرجو عدوك وهو فـي ........ درك الحضيض وأنت أعلى منزلا
فعند ذلك قام الوزير من على صدر ولده وأشفق عليه وقام الصبي وقبل يد والده فقال : يا ولدي لو علمت أنك تنصف أنيس الجليس كنت وهبتها لك .
فقال : يا والدي كيف لا أنصفها ؟
قال : أوصيك يا ولدي أنك لا تتزوج عليها ولا تضاررها ولا تبعها .
قال له : يا والدي أنا أحلف لك أن لا أتزوج عليها ، ولا أبيعها .
ثم حلف له أيماناً على ما ذكر ودخل على الجارية فأقام معها سنة ، وأنسى الله تعالى الملك قصة الجارية . وأما المعين بن ساوي فإنه بلغه الخبر ولكنه لم يقدر أن يتكلم لعظم منزلة الوزير عند السلطان فلما مضت السنة دخل الوزير فضل الدين بن خاقان الحمام وخرج وهو عرقان ، فأصابه الهواء فلزم الوساد وطال به السهاد وتسلسل به الضعف فعند ذلك نادى ولده علي نور الدين فلما حضر بين يديه قال له :
يا ولدي أن الرزق مقسوم والأجل محتوم ولا بد لكل نسمة من شرب كأس المنون وأنشد هذه الأبيات :
من فاته الموت لـم يفـتـه غـدا ........ والكل منا على حوض الردى وردا
سوى العظم بمن قد كان محتـقـرا ........ ولم يدع هبة بـين الـورى أحـدا
لم يبق من ملك كـلا ولا مـلـك ........ ولا نـبـي يعـيش دائمـاً أبــدا

ثم قال : يا ولدي مالي عندك وصية إلا تقوى الله والنظر في العواقب وأن تستوصي بالجارية أنيس الجليس .
فقال له : يا أبت ومن مثلك وقد كنت معروفاً بفعل الخير ودعاء الخطباء لك على المنابر .
فقال : يا ولدي أرجو من الله تعالى القبول .
ثم نطق الشهادتين وشهق شهقة فكتب من أهل السعادة فعند ذلك امتلأ القصر بالصراخ ووصل الخبر إلى السلطان وسمعت أهل المدينة بوفاة الفضل بن خاقان فبكت عليه الصبيان في مكاتبها ونهض ولده علي نور الدين وجهزه وحضرت الأمراء والوزراء وأرباب الدولة وأهل المدينة مشهده وكان ممن حضروا الجنازة الوزير المعين بن ساوي وأنشد بعضهم عند خروج جنازته من الدار هذه الأبيات :
قد قلت للرجل المولى غسلـه ........ هلا أطعت وكنت من نصائحه
جنبه ماءك ثم غسـله بـمـا ........ أذرت عيون المجد عند بكـائه
وأزل مجاميع الحنوط ونحهـا ........ عنه وحنطه بطـيب ثـنـائه
ومر الملائكة الكرام بحمـلـه ........ شرفاً ألست تراهموا بـإزائه
لاتوه أعناق الرجال بحمـلـه ........ يكفي الذي حملوه من نعمـائه

ثم مكث علي نور الدين ، شديد الحزن على والده مدة مديدة فبينما هو جالس يوماً من الأيام في بيت والده إذ طرق الباب طارق فنهض علي نور الدين وفتح الباب وإذا برجل من ندماء والده وأصحابه فقبل يد علي نور الدين ، وقال :
يا سيدي من خلف مثلك ما مات وهذا مصير سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم يا سيدي طب نفساً ودع الحزن .
فعند ذلك نهض علي نور الدين إلى قاعة الجلوس ونقل إليها ما يحتاج إليه واجتمع عليه أصحابه وأخذ جاريته واجتمع عليه عشرة من أولاد التجار ثم إنه أكل الطعام وشرب الشراب وجدد مقاماً بعد مقام وصار يعطي ويتكرم ، فعند ذلك دخل عليه وكيله وقال له :
يا سيدي علي نور الدين أما سمعت قول بعضهم من ينفق ولم يحسب افتقر ، ولقد أحسن من قال هذه الأبيات :
أصون دراهمي وأذب عنـهـا ........ لعلمي أنها سيفـي وتـرسـي
أأبذلهـا إلـى أعـدا الأعـادي ........ وأبذل في الورى سعدي بنحسي
فيأكلها ويشـربـهـا هـنـيئاً ........ ولا يسخو لي أحـد بـفـلـس
وأحفظ درهمي عن كل شخص ........ لئيم الطبع لا يصفو لأنـسـي
أحب إلي مـن قـول لـنـذل ........ أنلني درهماً لغـد بـخـمـس
فيعرض وجهه ويصـدعـنـي ........ فتبقى مثل نفس الكلب نفسـي
فيا ذل الرجـال بـغـير مـال ........ ولو كانت فضائلهم كشـمـس
ثم قال : يا سيدي النفقة الجزيلة والمواهب العظيمة تفني المال .
فلما سمع علي نور الدين من وكيله هذا الكلام نظر إليه وقال له : جميع ما قلته لا أسمع منه كلمة فما أحسن قول الشاعر :
أنا ما ملكت المال يوماً ولـم أجـد ........ فلا بسطت كفي ولا نهضت رجلي
فهاتوا بخيلاً نال مجداً بـبـخـله ........ وهاتوا أروني باذلاً مات من بـذل

ثم قال : اعلم أيها الوكيل أني أريد إذا فضل عندك ما يكفيني لغدائي أن لا تحملني هم عشائي .
فانصرف الوكيل من عنده إلى حال سبيله وأقبل علي نور الدين ما هو فيه من مكارم الأخلاق وكل من يقول له من ندمائه أن هذا الشيء مليح يقول هو لك هبة أو يقول سيدي أن الدار الفلانية مليحة يقول هي لك هبة ولم يزل علي نور الدين يعقد لندمائه وأصحابه في أول النهار مجلساً وفي آخره مجلساً ومكث على هذا الحال سنة كاملة فبينما هو جالساً يوماً وإذا بالجارية تنشد هذين البيتين :
أحسنت ظنك بالأيام إذا حسنـت ........ ولم تخف سوء ما يأتي به القدر
وسالمتك الليالي فاغتررت بهـا ........ عند صفو الليالي يحدث الكـدر

فلما فرغت من شعرها إذا بطارق يطرق الباب فقام علي نور الدين فتبعه بعض جلسائه من غير أن يعلم به فلما فتح الباب رآه وكيله فقال له علي نور الدين : ما الخبر ?
فقال له : يا سيدي الذي كنا أخافه عليك منه قد وقع لك .
قال : وكيف ذلك ?
قال : اعلم أنه ما بقي لك تحت يدي شيء يساوي درهماً ولا أقل من درهم وهذه دفاتر المصروف الذي صرفته ودفاتر أصل مالك .
فلما سمع علي نور الدين هذا الكلام أطرق رأسه إلى الأرض وقال : لا حول ولا قوة إلا بالله .
فلما سمع الرجل الذي تبعها خفية ، وخرج ليسأل عليه وماقاله الوكيل رجع إلى أصحابه وقال لهم :
انظروا أي شيء تعملون فإن علي نور الدين قد أفلس .
فلما رجع إليهم علي نور الدين ظهر لهم الغم في وجهه فعند ذلك نهض واحد من الندماء على قدميه ، ونظر إلى علي نور الدين وقال له :
يا سيدي إني أريد أن تأذن لي بالانصراف .
فقال علي نور الدين : لماذا الانصراف في هذا اليوم ?
فقال : إن زوجتي تلد في هذه الليلة ولا يمكنني أن أتخلف عنها واريد أن أذهب إليها وأنظرها .
فأذن له ونهض آخر وقال له : يا سيدي نور الدين أريد اليوم أن أحضر عند أخي فإنه يطاهر ولده .
وكل واحد يستأذنه إلى حال سبيله حتى انصرفوا كلهم وبقي علي نور الدين وحده فعند ذلك دعا جاريته وقال :
يا أنيس الجليس أما تنظرين ما حل بي .
وحكى لها ما قاله الوكيل فقالت : يا سيدي منذ ليال هممت أن أقول لك على هذا الحال فسمعتك تنشد هذين البيتين :
إذا جادت الدنيا عليك فجد بهـا ........ على الناس طرأ قبل ان تتفلت
فلا جود يفنيها إذا هي أقبلـت ........ ولا الشح يبقيها إذا هي ولـت
فلما سمعتك تنشدهما ولم أبد لك خطاباً .
فقال لها : يا أنيس الجليس أنت تعرفين أني ما صرفت مالي إلا على أصحابي وأظنهم لا يتركونني من غير مؤاساة .


 

رد مع اقتباس