17-04-2009, 10:53 AM
|
#70
|
الزوار
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية :
|
أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
|
المشاركات :
n/a [
+
] |
|
لوني المفضل : Cadetblue
|
|
ما هذا الصوت الذي سمعته تحت شبابيك القصر ?
فقال له الشيخ إبراهيم : صوت الصيادين الذين يصطادون السمك .
فقال : انزل وامنعهم من ذلك الموضع .
فامتنع الصيادون من ذلك الموضع فلما كانت تلك الليلة جاء صياد يسمى كريماً ورأى باب البستان مفتوحاً فقال في نفسه :
هذا وقت غفلة لعلي أستغنم في هذا الوقت صياداً ثم أخذ شبكته وطرحها في البحر وصار ينشد هذه الأبيات :
يا راكب البحر في الأهوال والهلكة ........ أقصر عناك فليس الرزق بالحركة
أما ترى البحر والصياد منتـصـب ........ في ليلة ونجوم الليل محـتـبـكة
قد مد أطنابه والمـوج يلـطـمـه ........ وعينه لم تزل في كلل الـشـبـكة
حتى إذا بات مسروراً بهـا فرحـاً ........ والحوت قد حط في فخ الردى حنكه
وصاحب القصر أمسى فيه ليلـتـه ........ منعم البال في خير مـن الـبـركة
وصار مستيقظاً من بعـد قـدرتـه ........ لكن في ملكه ظبياً وقـد مـلـكـه
سبحان ربي يعطي ذا ويمنـع ذا ........ بعض يصيد وبعض يأكل السمكة فلما فرغ من شعره وإذا بالخليفة وحده واقف بجانبه فعرفه الخليفة فقال له :
يا كريم .
فالتفت إليه لما سمعه سماه باسمه فلما رأى الخليفة ارتعدت فرائصه وقال :
والله يا أمير المؤمنين ما فعلته استهزاء بالمرسوم ولكن الفقر العيلة قد حملاني على ما ترى .
فقال الخليفة : اصطاد على بختي .
فتقدم الصياد وقد فرح فرحاً شديداً وطرح الشبكة وصبر إلى أن أخذت حدها وثبتت في القرار فطلع فيها من أنواع السمك ما لا يحصى ففرح بذلك الخليفة فقال :
يا كريم اقلع ثيابك .
فقلع ثيابه وكانت عليه جبة فيها مائة رقعة من الصوف الخشن وفيها من القمل الذي له أذناب ومن البراغيث ما يكاد أن يسير بها على وجه الأرض وقلع عمامته من فوق رأسه وكان له ثلاث سنين ما حلها وإنما كان إذا رأى خرقة لفها عليها ، فلما قلع الجبة والعمامة خلع الخليفة من فوق جسمه ثوبين من الحرير الإسكندراني والبعلبكي وملوطة وفرجية ، ثم قال للصياد :
خذ هذه والبسها .
ثم لبس الخليفة جبة الصياد وعمامته ووضع على وجهه لثاماً ثم قال للصياد : رح أنت إلى شغلك فقبل رجل الخليفة وأنشد هذين البيتين :
أوليتني ما لا أقوم بـشـكـره ........ وكفيتني كل الأمور بأسرهـا
فلأشكرنك ما حييت وإن أمـت ........ شكرتك مني عظمي في قبرها
فلما فرغ الصياد من شعره حتى جال القمل على جلد الخليفة فصار يقبض بيده اليمين والشمال من على رقبته ويرمي ، ثم قال :
يا صياد ويلك ما هذا القمل الكثير في هذه الجبة ?
فقال : يا سيدي أنه في هذه الساعة يؤلمك فإذا مضت عليك جمعة فإنك لا تحس به ولا تفكر فيه .
فضحك الخليفة وقال له : ويلك كيف أخلي هذه الجبة على جسدي ?
فقال الصياد : إني أشتهي أن أقول لك كلاماً ولكن أستحي من هيبة الخليفة .
فقال له : قل ماعندك ?
فقال له : قد خطر ببالي يا أمير المؤمنين أنك إن أردت أن تتعلم الصيد لأجل أن تكون في يدك صنعة تنفعك فإن أردت ذلك يا أمير المؤمنين فإن هذه الجبة تناسبك .
فضحك الخليفة من كلام الصياد ثم ولى الصياد إلى حال سبيله وأخذ الخليفة مقطف السمك ووضع فوقه قليلاً من الحشيش وأتى به إلى جعفر ، ووقف بين يديه فاعتقد جعفر أنه كريم الصياد فخاف عليه وقال :
يا كريم ما جاء بك هنا انج بنفسك فإن الخليفة هنا في هذه الساعة .
فلما سمع الخليفة كلام جعفر ضحك حتى استلقى على قفاه فقال جعفر :
لعلك مولانا أمير المؤمنين .
فقال الخليفة : نعم يا جعفر وأنت وزيري وجئت أنا وإياك هنا وما عرفتني فكيف يعرفني الشيخ ابراهيم وهو سكران ? فكن مكانك حتى أرجع إليك .
فقال جعفر : سمعاً وطاعة .
ثم إن الخليفة تقدم إلى باب القصر ودقه فقام الشيخ إبراهيم وقال : من بالباب ? فقال له : أنا يا شيخ إبراهيم .
قال له : من أنت ?
قال له : أنا كريم الصياد ، وسمعت أن عندك أضيافاً فجئت إليك بشيء من السمك فإنه مليح .
وكان نور الدين هو والجارية يحبان السمك فلما سمعا ذكر السمك فرحا به فرحاً شديداً وقالا :
يا سيدي افتح له ودعه يدخل لنا عندك بالسمك الذي معه .
ففتح الشيخ إبراهيم فدخل الخليفة وهو في صورة الصياد وابتدأ بالسلام ، فقال له الشيخ إبراهيم : أهلا باللص السارق المقامر ، تعال أرنا السمك الذي معك .
فأراهم إياه ، فلما نظروه فإذا هو حي يتحرك فقالت الجارية :
والله يا سيدي إن هذا السمك مليح يا ليته مقلي .
فقال الشيخ إبراهيم : والله صدقت .
ثم قال للخليفة : يا صياد ليتك جئت بهذا السمك مقلياً قم فاقله لنا وهاته .
فقال الخليفة : على الرأس أقليه وأجيء به .
فقال له : عجل بقليه والإتيان به .
فقام الخليفة يجري حتى وصل إلى جعفر، وقال : يا جعفر طلبوا السمك مقلياً .
فقال : يا أمير المؤمنين هاته وأنا أقليه .
فقال الخليفة : وتربة آبائي وأجدادي ما يقليه إلا أنا بيدي .
ثم إن الخليفة ذهب إلى خص الخولي وفتش فيه فوجد فيه كل شيء يحتاج إليه من آلة القلي حتى الملح والزعتر وغير ذلك فتقدم للكانون وعلق الطاجن وقلاه قلياً مليحاً فلما استوى جعله على ورق الموز وأخذ من البستان ليموناً ، وطلع بالسمك ووضعه بين أيديهم فتقدم الصبي والصبية والشيخ إبراهيم وأكلوا فلما فرغوا غسلوا أيديهم فقال نور الدين :
والله يا صياد إنك صنعت معنا معروفاً هذه الليلة .
ثم وضع يده في جيبه وأخرج له ثلاثة دنانير من الدنانير التي أعطاه إياها سنجر وقت خروجه للسفر ، وقال :
يا صياد اعذرني فوالله لو عرفتك قبل الذي حصل لي سابقاً لكنت نزعت مرارة الفقر من قلبك ، لكن خذ هذا بحسب الحال .
ثم رمى الدنانير للخليفة فأخذها وقبلها ووضعها في جيبه وما كان مراد الخليفة بذلك إلا السماع من الجارية وهي تغني ، فقال الخليفة :
أحسنت وتفضلت لكن مرادي من تصدقاتك العميمة أن هذه الجارية تغني لنا صوتاً حتى أسمعها .
فقال نور الدين : يا أنيس الجليس .
قالت : نعم .
قال : لهاك وحياتي أن تغني لنا شيئاً من شأن خاطر هذا الصياد لأنه يريد أن يسمعك .
فلما سمعت كلام سيدها أخذت العود وغمزته بعد أن فركت أذنه وأنشدت هذين البيتين:
وغادة لعبت بالعود أنـمـلـهـا ........ فعادت النفس عند الجس تختلس
قد أسمعت بالأغاني من به صمم ........ وقال احسنت مغنى من به خرس ثم إنها ضربت ضرباً غريباً إلى أن أذهلت العقول فقال نور الدين للصياد :
هل أعجبتك الجارية وتحريكها الأوتار ?
فقال الخليفة: أي والله .
فقال نور الدين : هي هبة مني إليك هبة كريم لا يرجع في عطائه .
ثم إن نور الدين نهض قائماً على قدميه وأخذ ملوطة ورماها على الخليفة وهو في صورة الصياد وأمره أن يخرج ويروح بالجارية فنظرت الجارية وقالت :
يا سيدي هل أنت رائح بلا وداع إن كان ولا بد فقف حتى أودعك وأنشدت هذين البيتين :
لئت غيبتموا عني فإن محلـكـم ........ لفي مهجتي بين الجوانح والحشا
وأرجو من الرحمن جمعاً لشملنا ........ وذلك فضل الله يؤتيه من يشـا
فلما فرغت من شعرها أجابها نور الدين وهو يقول :
ودعتني يوم الفراق وقالـت ........ وهي تبكي من لوعة وفراق
ما الذي أنت صانع بعد بعدي ........ قلت قولي هذا لمن هو باقي
ثم إن الخليفة لما سمع ذلك صعب عليه التفريق بينهما والتفت إلى الصبي وقال له :
يا سيدي نور الدين اشرح لي أمرك .
فأخبره نور الدين بحاله من أوله إلى آخره فلما فهم الخليفة هذا الحال قال له :
أين تقصد في هذه الساعة ?
قال له : بلاد الله فسيحة .
فقال له الخليفة : أنا أكتب لك ورقة توصلها إلى السلطان محمد بن سليمان الزيني فإذا قرأها لا يضرك بشيء .
|
|
|