15-05-2009, 07:15 PM
|
#184
|
الزوار
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية :
|
أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
|
المشاركات :
n/a [
+
] |
|
لوني المفضل : Cadetblue
|
|
الليلة الحادية والستين بعد المئة
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن السيدة دنيا حين ضحكت من كلام العجوز قالت :
أخزاك الله يا عجوز النحس إنك خرفت ولم يبق لك عقل .
ثم قالت :
هات القماش حتى أبصره جيداً .
فناولتها إياه فنظرته ثانياً فرأته شيئاً قليلاً وثمنه كثيراً وتعجبت من حسن ذلك القماش لأنها ما رأت في عمرها مثله فقالت لها العجوز :
يا سيدتي لو رأيت صاحبه لعرفت أنه أحسن ما يكون على وجه الأرض .
فقالت لها السيدة دنيا :
هل سألتيه إن كان له حاجة يعلمنا بها فنقضيها له ?
فقالت العجوز وقد هزت رأسها :
حفظ الله فراستك ، والله إن له حاجة وهل أحد يخلو من حاجة ?
فقالت لها السيدة دنيا :
اذهبي إليه وسلمي عليه وقولي له :
شرفت بقدومك مدينتنا ومهما كان لك من الحوائج قضيناه لك على الرأس والعين .
فرجعت العجوز إلى تاج الملوك في الوقت فلما رآها طار قلبه من الفرح ونهض لها قائماً على قدميه وأخذ يدها وأجلسها إلى جانبه ، فلما جلست واستراحت أخبرته بما قالته السيدة دنيا ، فلما سمع ذلك فرح غاية الفرح واتسع صدره وانشرح وقال في نفسه :
قد قضيت حاجتي .
ثم قال للعجوز :
لعلك توصلين إليها كتاباً من عندي وتأتيني بالجواب .
فقالت :
سمعاً وطاعة .
فلما سمع ذلك منها قال لعزيز :
ائتني بدواة وقرطاس وقلم من نحاس .
فلما أتاه بتلك الأدوات كتب هذه الأبيات :
كتبت إليـك يا سؤلي كتـابـاً ........ بما ألقاه من ألم الـفـراق
فأول مـا أسطر نـار قلـبـي ........ وثانيه غرامي واشتـياقـي
وثالثه مضى عمري وصـبري ........ ورابعه جميع الوجد باقـي
وخامسه متى عيني تـراكـم ........ وسادسه متى يوم التلاقـي
ثم كتب في إمضائه :
إن هذا الكتاب من أسير الأشواق المسجون في سجن الاشتياق الذي ليس له إطلاق إلا بالوصال ولو بطيف الخيال لأنه يقاسي أليم العذاب من فراق الأحباب ، ثم أفاض دمع العين وكتب هذين البيتين :
كتبت إليك والعبرات تجـري ........ ودمع العين ليس له انقطاع
ولست ببائس من فضل ربي ........ عسى يوم يكون به اجتماع
ثم طوى الكتاب وختمه وأعطاه للعجوز وقال :
أوصليه إلى السيدة دنيا .
فقالت :
سمعاً وطاعة .
ثم أعطاها ألف دينار وقال :
اقبلي مني هذه الهدية .
فأخذتها وانصرفت داعية له ، ولم تزل ماشية حتى دخلت على السيدة دنيا فلما رأتها قالت :
يا دادتي أي شيء طالب من الحوائج حتى نقضيها له ?
فقالت لها :
يا سيدتي قد أرسل معي كتاباً ولا أعلم بما فيه .
فقرأته وفهمت معناه ثم قالت :
من أين إلى أين حتى يراسلني هذا التاجر ويكاتبني ?
ثم لطمت وجهها وقالت :
لولا خوفي من الله تعالى لصلبته على دكانه .
فقالت العجوز :
وأي شيء في هذا الكتاب حتى أزعج قلبك هل فيه شكاية مظلمة أو فيه ثمن القماش ?
فقالت لها :
ويلك ما فيه ذلك وما فيه إلا عشق ومحبة وهذا كله منك وإلا فمن أي يتوصل هذا الشيطان إلى هذا الكلام .
فقالت لها العجوز :
يا سيدتي أنت قاعدة في قصرك العالي وما يصل إليك أحد ولا الطير الطائر ، سلامتك من اللوم والعتاب وما عليك من نباح الكلاب ، فلا تؤاخذيني حيث أتيتك بهذا الكتاب ولكن الرأي عندي أن تردي إليه جواباً وتهدديه فيه بالقتل وتنهيه عن هذا الهذيان فإنه ينتهي ولا يعود إلى فعلته .
فقالت السيدة دنيا :
أخاف أن أكاتبه فيطمع .
فقالت العجوز :
إذا سمع التهديد والوعيد رجع عما هو عليه .
فقالت :
علي بدواة وقرطاس وقلم من نحاس .
فلما أحضروا لها تلك الأدوات كتبت هذه الأبيات :
يا مدعي الحب والبلوى مع السهر ........ وما تلاقيه من وجد ومن فـكـر
أتطلب الوصل يا مغرور من قمر ........ وهل ينال المنى شخص من القمر
إني نصحتك عما أنت طـالـبـه ........ فأقصر فإنك في هذا على خطر
وإن رجعت إلى هذا الكلام فـقـد ........ أتاك مني عذاب زائد الـضـرر
وحق من خلق الإنسان من علـق ........ ومن أنار ضياء الشمس والقمـر
لئن عـدت لـمـا أنـت ذاكـره ........ لأصلبنك في جزع من الشـجـر
ثم طوت الكتاب وأعطته للعجوز ، وقالت لها :
أعطيه له وقولي له :
كف عن هذا الكلام .
فقالت لها :
سمعاً وطاعة .
ثم أخذت الكتاب وهي فرحانة ومضت إلى منزلها وباتت في بيتها ، فلما أصبح الصباح توجهت إلى دكان تاج الملوك فوجدته في انتظارهما فلما رآها كاد أن يطير من الفرح فلما قربت منه نهض إليها قائماً وأقعدها بجانبه فأخرجت له الورقة وناولته إياها وقالت له :
اقرأ ما فيها .
ثم قالت له :
إن السيدة دنيا لما قرأت كتابك اغتاظت ولكنني لاطفتها ومازحتها حتى أضحكتها ورقت لك وردت لك الجواب .
فشكرها تاج الملوك على ذلك وأمر عزيز أن يعطيها ألف دينار ، ثم إنه قرأ الكتاب وفهمه وبكى بكاء شديداً فرق له قلب العجوز ، وعظم عليها بكاؤه وشكواه ثم قالت له :
يا ولدي وأي شيء في هذه الورقة حتى أبكاك ?
فقال لها :
إنها تهددني بالقتل والصلب وتنهاني عن مراسلتها وإن لم أراسلها يكون موتي خيراً من حياتي فخذي جواب كتابها ودعيها تفعل ما تريد .
فقالت له العجوز :
وحياة شبابك لا بد أني أخاطر معك بروحي وأبلغك مرادك وأوصلك إلى ما في خاطرك .
فقال لها تاج الملوك :
كل ما تفعليه أجازيك عليه ويكون في ميزانك فإنك خبيرة بالسياسة وعارفة بأبواب الدناسة وكل عسير عليك يسير والله على كل شيء قدير ، ثم أخذ ورقة وكتب فيها هذه الأبيات :
أمست تهددني بالقتل واحـزنـي ........ والقتل لي راحة والموت مقدور
والموت أغنى لصب أن تطول به ........ حياته وهو ممنوع ومقـهـور
بالله زوروا محباً قـل نـاصـره ........ فإنني عبد والعـبـد مـأسـور
يا سادتي فارحموني في محبتكـم ........ فكل من يعشق الأحرار معذور
ثم إنه تنفس الصعداء وبكى حتى بكت العجوز ، وبعد ذلك أخذت الورقة منه وقالت له :
طب نفساً وقر عيناً ، فلا بد أن أبلغك مقصودك .
|
|
|