عرض مشاركة واحدة
قديم 15-05-2009, 09:46 PM   #4
نجلاء الهاجري
الزوار


الصورة الرمزية نجلاء الهاجري

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية :
 أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
 المشاركات : n/a [ + ]
لوني المفضل : Cadetblue



الدكتور جمال الخطيب
اختصاصي الطب النفسي
مدير قسم الطب النفسي والأورام في مركز الحسين الطبي / المدير الفني لمشفى الرشيد سابقاً / عمّان

- التجربة الأكثر قساوة ما يحدث في عقل المكتئب ..
الاكتئاب ما هو؟
هل هو مجرد حزن ؟ تكدر في المزاج؟ زعل؟زهق؟... أم اكثر من ذلك ؟؟
لنتأمل الأبيات التالية...
فؤاد ما تسليه المدام وعمر مثلما تهب اللئام
أي فؤاد هذا الذي لا تسليه المدام ..بكل ما تفعله من فك للكوابح وأي عمر ذلك الذي يشبه هبة اللئام هل تهب اللئام شيئا؟
ما هي الحالة النفسية التي يعكسها هذا البيت ...وكيف كان المتنبي حين قاله ..؟ ضجرا ...متبرما ..حزينا أم كل هذه الأشياء سوية .
ترى كيف كان أبو تمام حين قال :
هبي تري أرقا من تحته قلق يحدوهما كمد يحنو له الجسد
لو يعلم الناس علمي بالزمان وما عاثت يداه لما ربوا ولا ولدوا
أرقا لا ينام
قلقا غير مستقر
مكمودا حزينا
ضعيف الجسد حانيه
متبرما من الحياة كلها
وماذا عن ابن الرومي ذلك المتطير المتوتر :
ولقد منعت من المرافق كلها حتى منعت مرافق الأحلام
من ذاك أني ما أراني طاعما في النوم أو متحفزا لطعام
إلا رأيت من الشقاء كأنني أثنى واكبح دونه بلجام
قد حرم من كل شيء ...حتى في الأحلام...كلما حاول أن يأكل يكبح غصبا وكأنه ملجوم ومسلوب الارادة.
ويقول اكثر :

لما تؤذن الدنيا به من صروفها يكون بكاء الطفل ساعة يولد
وإلا فما يبكيه منها وانه لأرحب مما كان فيه وأرغد
ينقل ابن الرومي هنا الضيق وثقل الدنيا إلى المستوى الوجودي ... لماذا يبكي الطفل ساعة الميلاد وهو المنتقل من الضيق إلى الرحب؟
أي عاطفة تستدعي هذا التساؤل بل أكثر :
كفى بك داء أن ترى الموت شافيا وحسب المنايا أن يكن امانيا
أي داء ذاك الذي يدفع اشخص للموت ....وأي داء يكون دواءه الموت ومن من الناس يرى الموت أهون مما هو فيه ؟
كيف يكون الموت أمنية وحلا؟
هل يمكن ان يضعك الاكتئاب في مواجهة نفسك ,هل يمكن أن يقتلك عقلك ؟أم هو الانتحار..
نعم يمكن ..تأمل ما يقول ابو العلاء :
مُهجَتي ضِدٌّ يُحارِبُني أَنا مِنّي كَيفَ أَحتَرِسُ
هل هناك اصعب من أن تسجن داخل نفسك ؟
أذكر أن أحد مرضاي قال لي ذات مرة أفضل أن أكون سجينا وغير مكتئب على أن أكون طليقا ومكتئب ...قالها وهو من خبر السجون مناضلا.
لعل التجارب الإنسانية السابقة تعكس الأوجه المتعددة للاكتئاب ...فهو ليس حالة حزن عابر تمر بك ذات صباح أو عند خناقة زوجية أو خلاف عمل ... هو جملة من الأعراض والاضطرابات تشمل المشاعر والتفكير والنشاطات الحيوية ومن ثم السلوك ولربما يمتد ذلك إذا ما طال ليشمل موقفا كاملا من الحياة لا يرى صاحبه سوى النصف الفارغ من الكأس.
وعلميا ليشخص أحد ما بأنه يعاني من الاكتئاب يجب أن تتوافر فيه جملة من الأعراض ممتدة لفترة زمنية لا تقل عن خمسة عشر يوما يكون خلاها كل الأيام معظم ساعات اليوم حزينا مفتقدا للإحساس بالمتعة والبهجة غير آبه أو ملتفت لما كان في السابق يثيره أو يفرحه لا عشيقا احبه ولا طعاما استمتع به, يشعر بانعدام الرغبة وحتى القدرة على عمل أي شيء,حتى النوم , ثقيل الهمة , عديم النشاط , منزويا تأكله الأفكار نادما على ما فعل متحسرا على ما لم يفعل يرى نفسه اقل من الآخرين حظا ومكانة وشأنا أما حين ينظر للمستقبل , هذا أن نظر, فلا يرى فيه إلا فشلا محققا ومستقبلا اظلم من الحاضر وربما تتداعى أفكاره لتصل إلى ضرورة التخلص من الحياة لتجنب الآلام التي لاشك قادمة أو لتجنب الأسوأ أو لان الحياة لا تستحق هذا العناء أو " إن موتي افضل للجميع لأنني عنصر نكد دائم ,....ثم من سيفتقدني الأفضل أن اذهب واترك الجميع يرتاحون.........." إلى آخر التداعيات السلبية.لدرجة أنه قد يرى"الموت شافيا" و....ينتحر .
في اللغة العربية ..الكآبة لا تعني الحزن وإنما انكسار النفس من شدة الهم والحزن نعم انكسار.
وفي الطب الحديث الاكتئاب مرض كأي مرض آخر
والمكتئب ليس مجرد شخص حزين أو نكد أو ضعيف ا أو غير قادر على التأقلم أو مبالغ أو...هو مريض وبحاجة لعناية متخصصة ولا يستطيع التخلص من أعراضه ببساطة ودون مساعدة , تماما كما لا يستطيع المصاب بالقرحة أو التهاب المفاصل أو القلب أو السكري التخلص من آلامه ببساطة ودون مساعدة .
كيف يكون المكتئب ؟
هل يستشعر ضعفا وألما لا يدري له سببا .. ربما
هل يبدو ذلك في سلوكه دون أن يعبر عن ذلك تعبيرا محكيا ؟...ربما
في مشيته ..نعم
جلسته...نعم
نظرته ...نعم
نبره صوته ...نعم
تعبير وجهه ...نعم
سلوكه وتعامله ...نعم
قيافته وهندامه .... نعم
هل بإمكانه إخفاء بعض هذه المظاهر؟ ...نعم ....كلها ؟لا.
الانتشار والكلفة :
ينتشر الاكتئاب كمرض في جميع المجتمعات وبنسب متفاوتة اقلها في تايوان وكوريا 5% أكثرها في منطقتنا 19% .
يصيب الاكتئاب جميع الأعمار والفئات من الطفل الرضيع إلى الشيخ الرجيع , الغني والفقير , المتزوج والأعزب الرجل والمرأة ...
هل يصيب الجميع بنفس الدرجة؟ لا ..
النساء اكثر عرضة للإصابة وبنسبة تزيد على الضعفين , فالمرأة عرضة لضغوط الحياة مضاف إليها ضغوط الرجل واللافت في بلادنا أن مراجعات النساء المصابات للعيادات اقل من مراجعات الرجال ولعل هذا يعكس حالة الظلم الواقعة على المرأة فهي الأكثر إصابة والأقل رعاية .
أما على صعيد الكلفة فتشير دراسات منظمة الصحة العالمية الى انه وبحلول العام 2020 سيكون الاكتئاب ثاني اكبر مشكلة تلحق الضرر بحياة الناس و يسبقه أمراض القلب و يسبق هو حوادث السير و الأمراض الدماغية و أمراض الرئة .
في دول العالم المتقدمة سيحتل المرتبة الثالثة , أما في بلادنا فسيحتل المرتبة الأولى سابقا بذلك حتى أمراض القلب , لا عجب فمعدلات الانتحار بين المكتئبين مرتفعة تصل إلى حوالي 15% .
هل يؤدي الاكتئاب إلى الإدمان ؟
نعم ... فالهرب إلى لخمور والمهدئات والمكيفات للتخلص من الأعراض الرهيبة ممارس على نطاق واسع ..ولكنه" فؤاد لا تسليه المدام" فقد يبدأ مكتئبا وينتهي مدمنا ..ومكتئبا أيضا.
هل يؤدي الاكتئاب إلى القلق ؟ نعم ..
وتفيد الدراسات أن الترافق بين القلق والكآبة يتجاوز أل 60% ف
الحزن يقلق والتجمل يردع والدمع بينهما عصي طيع
هل يضر الاكتئاب بمرضى القلب ؟ نعم ..
فقد أثبتت الدراسات أن مرضى القلب المصابون بالاكتئاب عرضة للمضاعفات الخطيرة بما فيها الوفاة أربع مرات أكثر من غير المكتئبين .
ماذا يحدث في دماغ المكتئب؟ لماذا يحصل ؟ ما هو السبب ؟
هل تضغطنا الحياة وتغلبنا الأيام , تحملنا مالا نطيق...فنفقد القدرة على التكيف والمقاومة فنكتئب؟
ربما.
هل هو رد فعل للتوتر الدائم ؟
ربما .
للإحباط من الفشل المتكرر ؟
ممكن.
للخسارة والفقد والحداد ؟
جائز.
أم هو جزء من مصير محتوم بسبب التركيبة الجينية والوراثية للشخص؟
هذا جائز أيضا وممكن.
باختصار هو هذا كله مجتمعا ومنفصلا وبنسب متفاوتة ...
قد يمر شخصان بنفس الظرف ويتعرضان لنفس الضغوط فهذا يصاب وهذا لا ..
.لماذا ؟
لأن كلا منهما له جينات مختلفة وبنية نفسية وذهنية مختلفة.
أيضا .. قد يصاب أحد توأمين متماثلين بالاكتئاب ولا يصاب الآخر..
كلاهما بنفس الجينات ونفس البصمة الوراثية ...
لماذا ؟ لان كلا منهما مر بتجربة مختلفة عن الآخر .
إذاً...كيف يتأثر الدماغ بأحد هذين العاملين أو كليهما ليحدث الاكتئاب ؟
يتكون الدماغ من عدد هائل من الخلايا يبلغ حوالي 100مليار خلية , كل خلية عليها 10الاف نقطة اتصال للاتصال بالخلايا الأخرى , ويتم الاتصال بواسطة شعيرات عصبية تتواصل كيماويا عبر موصلات عصبية , وهذه الموصلات, وهي مواد كيماوية , هي عصب الاتصالات الدماغية والعصبية تنقل الرسائل بين مختلف المناطق الدماغية وبقية الجهاز العصبي والعضلي وأعضاء الجسم الأخرى و تتعلق بالوظائف المختلفة , فرح حزن , متعة , خوف , كره .
وفيما يتحدد عدد الخلايا وحجمها جينيا , فان الاتصال بين الخلايا يتأثر بالبيئة والتجربة وهذا يعني أن الدماغ البشري في حالة متواصلة من التكيف والتغير تأثرا بكل تجربة وتعلم وكلما كانت التجربة اعمق كلما كان تأثيرها على الدماغ وتكوينه اكبر .
في الاكتئاب تضطرب الموصلات العصبية المتعلقة بالمشاعر وهي على الأغلب مواد النورادينالين والسيروتونين , فتحدث جملة الأعراض والاضطرابات الساق ذكرها .
و آخر ما حرر في هذا الموضوع كان في شهر حزيران الماضي حيث تم الكشف عن الجين المسؤول عن قدرة الشخص على التكيف مع الظروف , وقد سمي هذا الجين على اسم لموصل العصبي الأكثر اضطرابا عند الإصابة بالاكتئاب 5htt ويرى العلماء إن هذا الجين هو الذي يحدد طبيعة عمل الموصل العصبي سيروتونين , وقد دلت الأبحاث على وجود طبعتين لهذا الجين , إحداهما قصيرة الذراع , والثانية طويلة الذراع وقد تبين أن أصحاب الطبعة قصيرة الذراع من الجين أقل تكيفا مع الظروف و اكثر عرضة للإصابة بالكآبة.
ولذلك فإن ما يحدث المرض علية تفاعلية بين تكون الشخص واستعداده الفطري والظروف.



 

رد مع اقتباس