16-05-2009, 02:06 AM
|
#192
|
الزوار
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية :
|
أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
|
المشاركات :
n/a [
+
] |
|
لوني المفضل : Cadetblue
|
|
وما زالوا سائرين حتى وصلوا إلى دمشق وكانت الأخبار قد وصلت إليهم على أجنحة الطيور بأن الملك ضوء المكان سلطن على دمشق ملكاً يقال له :
الزبلكان ولقبه بالمجاهد .
فلما وصل إليهم الخبر زينوا له المدينة وخرج إلى ملاقاته كل من في دمشق ثم دخل دمشق وطلع القلعة وجلس على سرير المملكة ووقف الوزير دندان في خدمته يعرفه منازل الأمراء ومراتبهم وهم يدخلون عليه ويقبلون يديه ويلوحون له .
فأقبل عليهم الملك الزبلكان وخلع وأعطى ووهب ، ثم فتح خزائن الأموال وأنفقها على جميع العساكر كبيراً وصغيراً ، وحكم وعدل وشرع الزبلكان في تجهيز بنت السلطان قضى فكان وجعل لها محفة من الإبريسم وجهز الوزير وقدم له شيئاً من المال .
فأتى الوزير دندان ، وقال له :
أنت قريب عهد بالملك وربما تحتاج إلى الأموال أو نرسل إليك نطلب منك مالاً للجهاد أو غير ذلك .
ولما تهيأ الوزير دندان للسفر ركب السلطان المجاهد إلى وداعه وأحضر قضى فكان وأركبها في المحفة وأرسل معها عشر جوار برسم الخدمة .
وبعد أن سافر الوزير دندان رجع الملك المجاهد إلى مملكته ليديرها واهتم بآلة السلاح وصار ينتظر الوقت الذي يرسل فيه الملك ضوء المكان .
هذا ما كان من أمر السلطان الزبلكان .
وأما ما كان من أمر الوزير دندان فإنه لم يزل يقطع المراحل بقضى فكان حتى وصل إلى الرحبة بعد شهر ، ثم سار حتى أشرف على بغداد وأرسل يعلم ضوء المكان بقدومه فركب وخرج إلى لقائه فأراد الوزير دندان أن يترجل .
فأقسم عليه الملك ضوء المكان أن لا يفعل فسار راكباً حتى جاء إلى جانبه وسأله عن المجاهد فأعلمه أنه بخير وأعلمه بقدوم قضى فكان بنت أخيه شركان ففرح وقال له :
دونك والراحة من تعب السفر ثلاثة أيام .
ثم بعد ذلك تعال عندي فقال :
حباً وكرامة .
ثم دخل بيته وطلع الملك إلى قصره ودخل على ابنة أخيه قضى فكان وهي ابنة ثمان سنين فلما رآها فرح بها وحزن على أبيها وأعطاها حلياً ومصاغاً عظيماً ، وأمر أن يجعلوها مع ابن عمها كان ما كان في مكان واحد وكانت أحسن أهل زمانها وأشجعهم لأنها كانت صاحبة تدبير وعقل ومعرفة بعواقب الأمور .
وأما كان ما كان فإنه كان مولعاً بمكارم الأخلاق ولكنه لا يفكر في عاقبة شيء ثم بلغ عمر كل واحد من الاثنين عشر سنين وصارت قضى فكان تركب الخيل وتطلع مع ابن عمها في البر ، ويتعلمان الضرب بالسيف والطعن بالرمح حتى بلغ عمر كل منهما اثنتي عشرة سنة .
ثم إن الملك انتهت أشغاله للجهاد وأكمل الأهبة والاستعداد ، فأحضر الوزير دندان وقال له :
اعلم أني عزمت على شيء وأريد إطلاعك عليه فأسرع في رد الجواب .
فقال الوزير دندان :
ما هو يا ملك الزمان .
قال :
عزمت على أن أسلطن ولدي كان ما كان وأفرح به في حياتي وأقاتل قدامه إلى أن يدركني الممات فما عندك من الرأي ?
فقبل الوزير دندان الأرض بين يدي الملك ضوء المكان ، وقال له :
اعلم أيها الملك السعيد صاحب الرأي السديد أن ما خطر ببالك مليح غير أنه لا يناسب في هذا الوقت الخصلتين ، الأولى :
أن ولدك كان ما كان صغير السن .
والثانية :
ما جرت به العادة أن من سلطن ولده في حياته لا يعيش إلا قليلاً ، وهذا ما عندي من الجواب .
فقال :
اعلم أيها الوزير أننا نوصي عليه الحاجب الكبير صار منا وعلينا ، وقد تزوج أختي ، فهو في منزلة أخي .
فقال الوزير :
افعل ما بدا لك فنحن ممتثلون أمرك .
فأرسل الملك إلى الحاجب الكبير فأحضره وكذلك أكابر مملكته وقال لهم :
إن هذا ولدي كان ما كان قد علمتم أنه فارس الزمان وليس له نظير في الحرب والطعان وقد جعلته سلطاناً عليكم والحاجب الكبير وصي عليه .
فقال الحاجب :
يا ملك الزمان إنما أنا أسير نعمتك .
فقال ضوء المكان :
أيها الحاجب إن ولدي كان ما كان وابنة أخي قضى فكان ولدا عم وقد زوجتها به وأشهد الحاضرين على ذلك .
ثم نقل لولده المال ما يعجز عن وصفه اللسان وبعد ذلك دخل على أخته نزهة الزمان وأعلمها بذلك ففرحت ، وقالت :
إن الاثنين ولداي والله تعالى يبقيك لهما مدى الزمان .
فقال :
يا أختي إني قضيت من الدنيا غرضي وأمنت على ولدي ولكن ينبغي أن تلاحظيه بعينك وتلاحظي أمه ثم أخذ يوصي الحاجب ونزهة الزمان على ولده وعلى زوجته ليالي وأياماً وقد أيقن بكأس الحمام ولزم الوساد وصار الحاجب يتعاطى أحكام العباد وبعد سنة أحضر ولده كان ما كان والوزير دندان ، وقال :
يا ولدي إن هذا الوزير والدك من بعدي ، واعلم أني راحل من الدار الفانية إلى الدار الباقية وقد قضيت غرضي من الدنيا ولكن بقي في قلبي حسرة يزيلها الله على يديك .
فقال ولده :
وما تلك الحسرة يا والدي ?
فقال :
يا ولدي أن أموت ولم تأخذ بثأر جدك عمر النعمان ، وعمك الملك شركان من عجوز يقال لها ذات الدواهي فإن أعطاك الله النصر لا تغفل عن أخذ الثأر وكشف العار وإياك من مكر العجوز وأقبل ما يقوله لك الوزير دندان لأنه عماد ملكنا من قديم الزمان .
فقال له ولده :
سمعاً وطاعة .
ثم هملت عيناه بالدموع .
وبعد ذلك ازداد المرض بضوء المكان وصار أمر المملكة للحاجب فصار يحكم ويأمر وينهي واستمر على ذلك سنة كاملة وضوء المكان مشغول بمرضه ومازالت به الأمراض مدة أربع سنين والحاجب الكبير قائم بأمر الملك ، وارتضى به أهل المملكة ودعت له جميع البلاد .
هذا ما كان من أمر ضوء المكان والحاجب .
وأما ما كان من أمر كان ما كان فإنه لم يكن له شغل إلا ركوب الخيل واللعب بالرمح والضرب بالنشاب وكذلك ابنة عمه قضى فكان وكانت تخرج هي وإياه من أول النهار إلى الليل فتدخل إلى أمها ويدخل هو إلى أمه فيجدها جالسة عند رأس أبيه تبكي فيخدمه بالليل .
وإذا أصبح يخرج هو وبنت عمه على عادتهما وطالت بضوء المكان التوجعات فبكى وأنشد هذه الأبيات :
تفانت قوتـي ومضى زمانـي ........ وها أنا قد بقيت كما ترانـي
فيوم العز كنت أعز قـومـي ........ وأسبقهم إلى نـيل الأمـانـي
وقد فارقت ملكي بعـد عـزي ........ إلى ذل تخـلـل بـالـهـوان
ترى قبل الممـات أرى غلامي ........ يكون على الورى ملكاً مكاني
ويفتك بالـعـداة لأخـذ ثـأر ........ بضرب السيف أو طعن السنان
أنا المغبون فـي هـزل وجد ........ إذا مولاي لا يشفي جنـانـي
فلما فرغ من شعره وضع رأسه على الوسادة ونام فرأى في منامه قائلاً يقول له :
أبشر فإن ولدك يملك البلاد وتطيعه العباد .
فانتبه من منامه مسروراً ثم بعد أيام قلائل طرقه الممات فأصاب أهل بغداد مصاب عظيم وبكى عليه الوضيع والعظيم ومضى عليه الزمان كأنه ما كان وتغير حال كان ما كان وعزله أهل بغداد وجعلوه هو وأمه في بيت على حدتهم .
فلما رأت أم كان ما كان ذلك صارت في أذل الأحوال ثم قالت :
لابد من قصد الحاجب الكبير وأرجو الرأفة من اللطيف الخبير .
فقامت من منزلها إلى أن أتت إلى بيت الحاجب الذي صار سلطاناً فوجدته جالساً على فراشه .
فدخلت عند زوجته نزهة الزمان ، وقالت :
إن الميت ماله صاحب فلا أحوجكم الله مدى الدهور والأعوام ولا زلتم تحكمون بالعدل بين الخاص والعام قد سمعت أذناك ورأت عيناك ما كنا فيه من الملك والعز والجاه والمال وحسن المعيشة والحال والآن انقلبت علينا الزمان وقصدنا الدهر بالعدوان ، وأتيت إليك قاصدة إحسانك بعد إسدائي للإحسان لأن الرجل إذا مات ذلت بعده النساء والبنات ، ثم أنشدت هذه الأبيات :
كفاك بان الموت بادي العجـائب ........ وما غائب الأعمار عنا بغـائب
وما هـذه الأيـام إلا مـراحـل ........ مواردها ممزوجة بالمصـائب
وحاضر قلبي مثل فقـد أكـارم ........ أحاطت بهم مستعظمات النوائب
فلما سمعت نزهة الزمان هذا الكلام تذكرت أخاها ضوء المكان وابنه كان ما كان فقربتها وأقبلت عليها وقالت :
أنا غنية وأنت فقيرة فوالله ما تركنا افتقارك إلا خوفاً من انكسار قلبك ، لئلا يخطر ببالك أن ما نهديه إليك صدقة مع أن جميع ما نحن فيه من الخير منك ومن زوجك ، فبيتنا بيتك ولك ما لنا وعليك ما علينا .
ثم خلعت عليها ثياباً فاخرة وأفردت لها مكاناً في القصر ملاصقا لمقصورتها وأقامت عندهم في عشية طيبة هي وولدها كان ما كان وخلعت عليه ثياب الملوك وأفردت لهما جواري برسم كل منهما .
ثم إن نزهة الزمان بعد مدة قليلة ذكرت لزوجها حديث زوجة أخيها ضوء المكان فدمعت عيناه وقال :
إن شئت أنت تنتظري الدنيا بعدك فانظريها بعد غيرك فأكرمي مثواها
|
|
|