16-05-2009, 02:08 AM
|
#194
|
الزوار
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية :
|
أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
|
المشاركات :
n/a [
+
] |
|
لوني المفضل : Cadetblue
|
|
الليلة التاسعة والستين بعد المئة
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن الحاجب الكبير لما صار سلطان ، ثم أنه بلغه حب كان ما كان لقضي فكان فندم على جعلهما معاً في محل واحد .
ثم دخل على زوجته نزهة الزمان وقال :
إن الجمع بين الخلفة والنار لمن أعظم الأخطار وليست الرجال على النساء بمؤتمنين ما دامت العيون في عج والمعاطف في لين وابن أخيك كان ما كان قد بلغ مبلغ الرجال فيجب منعه عن الدخول على ربات الحجال ومنع ابنتك عن الرجال أوجب لأن مثلها ينبغي أن يحجب .
فقالت :
صدقت أيها الملك العاقل والهمام الكامل .
فلما أصبح الصباح جاء كان ما كان ودخل على عمته نزهة الزمان على جري عادته وسلم عليها ، فردت عليه السلام وقالت له :
عندي لك كلام ما كنت احب أن أقوله لك ، ولكن أخبرك به رغماً عني .
فقال لها :
وما ذاك الكلام ?
قالت :
إن الملك سمع بحبك لقضي فكان فأمر بحجبها عنك وإذا كان لك حاجة فأنا أرسلها إليك من خلف الباب ولا تنظر قضي فكان .
فلما سمع كلامها رجع ولم ينطق بحرف واحد وأعلم والدته بما قالته عمته فقالت له :
إنما نشأ هذا من كثرة كلامك وقد علمت أن حديث حبك لقضي فكان شاع وانتشر في كل مكان وكيف تأكل زادهم وبعد ذلك تعشق ابنتهم ?
فقال :
إني أريد الزواج بها لأنها بنت عمي وأنا أحق بها .
فقالت له أمه :
أسكت لئلا يصل الخبر إلى الملك سلسان فيكون ذلك سبباً لغرقك في بحر الأحزان وهم يبعثوا لنا في هذه الليلة عشاء ولو كنا في بلد غير هذه لمتنا من ألم الجوع أو ذل السؤال .
فلما سمع كان ما كان كلام أمه زادت بقلبه الحسرات وأنشد هذه الأبيات :
أقلي من اللوم الـذي لا يفـارق ........ فقلبي إلى من تيمتني مفـارق
ولا تطلبي عند الـصـبـر ذرة ........ فصبري وبيت الله من طالـق
إذا سامني اللوام نهيا عصيتهـم ........ وهاأنا في دعوى المحبة صادق
وقد منعوني عنوة أن أزورهـا ........ وإني والرحمن ما أنا فـاسـق
وإن عظامي حين تسمع ذكرهـا ........ تشابه طيراً خلقهـن بـواشـق
ألا قل لمن قد لام في الحب أنني ........ وحق إلهي لبنت عمي لعاشـق
ولما فرغ من شعره قال لأمه :
ما بقي لي عند عمتي ولا عند هؤلاء القوم مقام بل أخرج من القصر وأسكن في أطراف المدينة بجوار قوم صعاليك .
ثم خرج وفعل كما قال وصارت أمه تتردد إلى بيت الملك سلسان وتأخذ منه ما تقتات به هي وإياه .
ثم إن قضي فكان اختلت بأم كان ما كان وقالت لها :
يا امرأة عمي ، كيف حال ولدك ?
فقالت :
أنه باكي العين حزين القلب ليس له من أسر الغرام فكاك ومقتنص من هواك في أشراك .
فبكت قضي فكان وقالت :
والله ما هجرته بغضاً له ولكن خوفاً عليه من الأعداء وعندي من الشوق أضعاف ما عنده ولولا عثرات لسانه وخفقان جنانه ما قطع أبي عنه إحسانه وأولاه منعه وحرمانه ولكن أيام الورى دول والصبر في كل الأمور أجمل ولعل من حكم بالفراق أن يمن علينا بالتلاق .
ثم أفاضت دمع العينين وأنشدت هذين البيتين :
فعندي يا ابن عمي من غرامي ........ كأمثال الذي قد حل عـنـدك
ولكن كتمت عن الناس وجدي ........ فهلا كنت أنت كتمت وجدك
فشكرتها أم كان ما كان وخرجت من عندها وأعلمت ولدها كان ما كان بذلك فزاد شوقه إليها وقال :
ما أبدلها من الحور بألفين وأنشد هذين البيتين :
فو الله لا أصغي إلى قـوم لائـم ........ ولا بحت بالسر الذي كنت كاتما
وقد غاب عني من أرجى وصاله ........ وقد سهرت عيني وقد بات نائما
ثم مضت الأيام والليالي وهو يتقلب على جمر المقالي حتى مضى له من العمر سبعة عشر عاماً وقد كمل حسنه ، ففي بعض الليالي أخذه السهر وقال في نفسه :
ما لي أرى جسمي يذوب وإلى متى لا أقدر على نيل المطلوب وما لي عيب سوى عدم الجاه والمال ، ولكن عند الله بلوغ الآمال ، فينبغي أن أشرد نفسي عن بلادها حتى تموت أو تحظى بمرادها .
ثم أضمر هذه العزمات وأنشد هذه الأبيات :
دع مهجتي تزداد في خفقانـهـا ........ ليس التذلل في الورى من شأنها
واعذر فإن حشاشـتي كصحـيفة ........ لا شك أن الدمع من عنوانـهـا
ها بنت عمي قـد بـدت حـورية ........ نزلت إلينا عن رضا رضوانهـا
من رام ألحاظ العـيون معارضـاً ........ فتكاتها لم ينج من عـدوانـهـا
سأسير في الأرض الوسيعة منقذاً ........ نفسي وأمنحها سوى حرمانهـا
وأعود مسرور الفؤاد بمطلـبـي ........ وأقاتل الأبطال في مـيدانـهـا
ولسوف أشتاق الغـنـائم عـائداً ........ وأصول مقتدراً على أقرانـهـا
ثم إن كان ما كان خرج من القصر حافياً في قميص قصير الأكمام وعلى رأسه لبدة لها سبعة أعوام وصحبته رغيف له ثلاثة أيام ، ثم سار في حندس الظلام حتى وصل إلى باب بغداد فوقف هناك .
ولما فتحوا باب المدينة كان أول من خرج منه ، ثم صار يقطع الأودية والقفار في ذلك النهار ولما أتى الليل طلبته أمه فلم تجده فضاقت عليها الدنيا باتساعها ولم تلتذ بشيء من متاعها ومكثت تنتظر أول يوم وثاني يوم وثالث يوم إلى أن مضى عشرة أيام فلم تر له خبراً فضاق صدرها ونادت قائلة :
يا مؤنسي قد هيجت أحزاني حيث فارقتني وتركت أوطاني يا ولدي من أي الجهات أناديك ? ويا هل ترى أي بلدٍ يأويك ?
ثم صعدت الزفرات وأنشدت هذه الأبيات :
علمنا بأن بعد غيبـتـكـم نـبلـى ........ ومدت قسى للفراق لـنا نـبلا
وقد خلفوني بعـد شـد رحالـهـم ........ أعالج كرب الموت إذ قطعوا الرملا
لقد هتف بي حنـين لـيل حـمامة ........ مطوقة ناحت فقلت لهـا مـهـلا
لعمرك لو كانت كمثـلـي حـزينـة ........ لما لبست طوقاً ولا خضبت رجـلا
وفارقني ألفي فـألـفـيت بـعـده ........ دواعي الهم لا تفارقـنـي أصـلا
ثم أنها امتنعت من الطعام والشراب وزادت في البكاء والانتحاب وصار بكائها على رؤوس الأشهاد ، واشتهر حزنها بين العباد والبلاد ، وصار الناس يقولون أين عينك يا ضوء المكان ويا ترى ما جرى على كان ما كان حتى بعد عن وطنه وخرج من المكان ، وكان أبوه يشبع الجيعان ويأمر بالعدل والإحسان ، ووصل خبر كان ما كان إلى الملك سلسان .
|
|
|