16-05-2009, 12:57 PM
|
#210
|
الزوار
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية :
|
أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
|
المشاركات :
n/a [
+
] |
|
لوني المفضل : Cadetblue
|
|
الليلة التاسعة والسبعين بعد المئة
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن العابد قسم قوته إلى نصفين وجعل نصفه لنفسه ونصفه لذلك الزوج الحمام ودعا العابد لهما بكثرة النسل فكثر نسلهما ولم يكن الحمام يأوي إلى غير الجبل الذي فيه العابد وكان السبب في اجتماع الحمام بالعابد كثرة تسبيح الحمام وقيل أن الحمام يقول في تسبيحه :
سبحان خالق الخلق وقاسم الرزق وباني السماء وباسط الأرض .
ولم يزل ذلك الزوج الحمام في أرغد عيش هو ونسله حتى مات ذلك العابد فتشتت شمل الحمام وتفرق في المدن والقرى والجبال .
وقيل أيضاً أنه كان في بعض الجبال رجل من الرعاة صاحب دين وعقل وعفة وكان له غنم يرعاها وينتفع بألبانها وأصوافها وكان ذلك الجبل الذي يأوي إليه الراعي كثير الأشجار والمرعى والسباع ولم يكن لتلك الوحوش قدرة على الراعي ولا على غنمه ولم يزل مقيماً في الجبل مطمئناً لا يهمه شيء من أمر الدنيا لسعادته وإقباله على عبادته فاتفق أنه مرض مرضاً شديداً ، فدخل كهفاً في الجبل وصارت الغنم تخرج بالنهار إلى مرعاها وتأوي بالليل إلى الكهف فأراد الله أن يمتحن ذلك الراعي ويختبره في طاعته وصبره فبعث إليه ملكاً فدخل عليه في صورة امرأة حسناء وجلس بين يديه ، فلما رأى الراعي تلك المرأة جالسة عنده اقشعر بدنه منها فقال لها :
أيتها المرأة ما الذي دعاك إلى المجيء هنا وليس لك حاجة معي ، ولا بيني وبينك ما يوجب دخولك علي .
فقالت له المرأة :
أيها الرجل الإنسان أما ترى حسني وجمالي وطيب رائحتي ? أما تعلم حاجة الرجال إلى النساء فما الذي يمنعك مني ?
فقال الراعي :
إن الذي تقولينه كرهته وجميع ما تبدينه زهدته لأنك خداعة غدارة لا عهد لك ولا وفاء ، فكم من قبيح تحت حسنك أخفيته ? وكم صالح فتنته وكانت عاقبته إلى الندامة والحزن فارجعي عني أيتها المصلحة نفسها لفساد غيرها .
ثم ألقى عباءته على وجهه حتى لا يرى وجهها واشتغل بذكر ربه .
فلما رأى الملك حسن طاعته ، خرج وعرج إلى السماء وكان بالقرب من الراعي قرية فيها رجل من الصالحين لم يعلم بمكانه فرأى في منامه كأن قائلاً يقول له :
بالقرب منك في مكان كذا وكذا رجل صالح فاذهب إليه وكن تحت طاعة أمره .
فلما أصبح الصباح توجه نحوه سائراً فلما اشتد عليه الحر انتهى إلى شجرة عندها عين جارية فجلس في ظل الشجرة ليستريح ، فبينما هو جالس وإذا بوحوش وطيور أتوا إلى تلك العين ليشربوا منها ، فلما رأوا العابد جالساً نفروا ورجعوا شاردين فقال العابد في نفسه :
أنا ما استرحت هنا إلا لتعب هذه الوحوش والطيور .
ثم قام وقال معاتباً لنفسه :
لقد أضر بهذه الحيوانات في هذا اليوم جلوسي في هذا المكان فما عذري عند خالقي وخالق هذه الطيور والوحوش فإني كنت سبباً لشرودهم عن مائهم ومرعاهم فواخجلتي من ربي يوم يقتص للشاة الجماء من الشاة القرفاء .
ثم أفاض من جفنه العبرات وأنشد هذه الأبيات :
أما والله لو علـم الأنـام ........ لم خلقوا لا غفلوا وناموا
فموت ثم بعث ثم حشـر ........ وتوبيخ وأهوال عظـام
ونحن إذا نهينا أوامرنـا ........ كاهل الكهف أكثرنا نيام
ثم بكى على جلوسه تحت الشجرة عند العين ومنعه الطيور والوحوش من شربها وولى هائماً على وجهه حتى أتى الراعي فدخل عنده وسلم عليه فرد عليه السلام وعانقه ثم قال له الراعي :
ما الذي أقدمك إلى هذا المكان الذي لم يدخله أحد من الناس علي ?
فقال العابد :
إني رأيت في منامي من يصف لي مكانك ويأمرني بالسير إليك والسلام عليك وقد أتيتك ممتثلاً لما أمرت به .
فقبله الراعي وطابت نفسه بصحبته وجلس معه في الجبل يعبدان الله تعالى في ذلك الغار وحسنت عبادتهما ، ولم يزالا في ذلك المكان يعبدان ربهما ويتقوتان من لحوم الغنم وألبانها متجردين عن المال والبنين إلى أن أتاهما اليقين وهذا آخر حديثهما .
قال الملك شهريار :
لقد زهدتيني يا شهرزاد في ملكي وندمتيني على ما فرط مني في قتل النساء والبنات فهل عندك أخر شيء من حديث الطيور ?
قالت شهرزاد :
نعم يا ملك الزمان .
زعموا أيها الملك أن طيراً طار وعلا إلى الجو ثم انقض على صخرة في وسط الماء وكان الماء جارياً ، فبينما الطائر واقف على الصخرة وإذا برمة إنسان جرها الماء حتى أسندها إلى الصخرة ووقفت تلك الجيفة في جانب الصخرة وارتفعت لانتفاخها فدنا الطير وتأملها فرآها رمة ابن آدم وظهر له فيها ضرب السيف وطعن الرماح فقال في نفسه :
إن هذا المقتول كان شريراً فاجتمع عليه جماعة وقتلوه واستراحوا منه ومن شره ، ولم يزل طير الماء يكثر التعجب من تلك الرمة حتى رأى نسوراً وعقباناً أحاطوا بتلك الجيفة من جميع جوانبها ، فلما رأى طير الماء هذا جزع جزعاً شديداً وقال :
لا صبر لي على الإقامة في هذا المكان .
ثم طار منه يفتش على موضع يأويه إلى حين نفاذ تلك الجيفة وزوال سباع الطير عنها ولم يزل طائراً حتى وجد نهراً في وسطه شجرة ، فنزل عليها كئيباً حزيناً على بعده عن وطنه وقال في نفسه :
لم تزل الأحزان تتبعني وكنت قد استرحت لما رأيت تلك الجيفة وفرحت بها فرحاً شديداً وقلت :
هذا رزق ساقه الله إلي فصار فرحي غماً وسروري حزناً وهماً وافترستها سباع الطير مني وحالت بينها وبيني فكيف أرجو أن أكون سالماً في هذه الدنيا وأطمئن إليها ، وقد قيل في المثل :
الدنيا دار من لا دار له يغتر بها من لا عقل له ويطمئن بماله وولده وقومه وعشيرته ولم يزل المغتر بها راكناً إليها يختال فوق الأرض حتى يصير تحتها ويجثوا عليه التراب أعز الناس عليه وأقربهم إليه وما للفتى خير من الصبر على مكارهها وقد فارقت مكاني ووطني وكنت كارهاً لفرقة أخواني وأصحابي .
فبينما هو في فكرته وإذا بذكر من السلاحف أقبل منحدر في الماء ودنا من طير الماء وسلم عليه وقال :
يا سيدي ما الذي أبعدك عن موضعك ?
قال الطائر :
حلول الأعداء فيه ولا صبر للعاقل على مجاورة عدوه ، وما أحسن قول بعض الشعراء :
إذا حل الثقيل بأرض قـوم ........ فما للساكنين سوى الرحيل
فقال له السلحف :
إذا كان الأمر كما وصفته والحال مثل ما ذكرته فأنا لا أزال بين يديك ولا أفارقك لأقضي حاجتك وأوفي بخدمتك ، فإنه يقال لا وحشة أشد من وحشة الغريب المنقطع عن أهله ووطنه ، وقد قيل إن فرقة الصالحين لا يعد لها شيء من المصائب ومما يسمى العاقل نفسه الإستئناس في الغربة والصبر على الزرية والكربة وأرجو أن تحمد صحبتي لك وأكون لك خادماً ومعيناً .
فلما سمع طير الماء مقالة السلحف قال له :
لقد صدقت في قولك ولعمري إني وجدت للفراق ألماً وهماً وهما مدة بعدي عن مكاني وفراقي لأخواني وخلاني لأن فيه الفراق عبرة لمن اعتبر وفكرة لمن تفكر وإذا لم يجد الفتى من يسليه من الأصحاب ينقطع عنه الخير ويثبت له الشر سرمداً ، وليس للعاقل إلا التسلي بالإخوان عن الهموم في جميع الأحوال وملازمة الصبر والتجلد فإنهما خصلتان محمودتان يعينان نوائب الدهر ويدفعان الفزع والجزع من كل أمر .
فقال له السلحف :
إياك والجزع فإنه يفسد عليك عيشك ويذهب مروءتك .
ومازالا يتحدثان مع بعضهما إلى أن قال طير الماء للسلحف :
أنا لم أزل أخشى نوائب الزمان وطوارق الحدثان .
فلما سمع السلحف مقالة طير الماء أقبل عليه وقبله بين عينيه وقال له :
لم تزل جماعة الطير تعرف مشورتك الخير فكيف تحمل الهم والضير .
ولم يسكن روع طير الماء حتى اطمأن ، ثم إن طير الماء طار إلى مكان الجيفة فلما وصل إليه لم ير من سباع الطير شيئاً ولا من تلك الجيفة إلا عظماً فرجع يخبر السلحف بزوال العدو من مكانه فلما وصل إلى السلحف أخبره بما رأى وقال :
إني أحب الرجوع إلى مكاني وأتملى بخلاني لأنه لا صبر للعاقل عن وطنه .
فذهب معه إلى ذلك المكان فلم يجد شيئاً مما يخاف منه فصار طير الماء قرير العين وأنشد هذين البيتين :
ولرب نازلة يضيق لها الفتى ........ ذرعاً وعند الله منها المخرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها ........ فرجت وكنت أظنها لا تفرج
ثم سكنا الجزيرة ، فبينما طير الماء في أمن وسرور وفرح وحبور إذ ساق إليه بازاً جائعاً فضربه بمخلبه ضربة فقتله ولم يغن عنه الحذر عند فراغ الأجل وسبب قتله غفلته عن التسبيح .
قيل انه كان يقول في تسبيحه :
سبحان ربنا فيما قدر ودبر ، سبحان ربنا فيما أغنى وأفقر .
هذا ما كان من حديث الطير .
فقال الملك شهريار :
لقد زدتيني بحكايتك مواعظ واعتبار فهل عند شيء من حكايات الوحوش ?
فقالت شهرزاد :
نعم يا ملك الزمان .
قال الملك شهريار :
أخبريني بما عندك .
قالت شهرزاد :
بلغني ايها الملك السعيد أن ثعلباً وذئباً ألفا وكراً فكانا يأويان إليه مع بعضهما فلبثا على ذلك مدة من الزمان وكان الذئب للثعلب قاهر ، فاتفق أن الثعلب أشار على الذئب بالرفق وترك الفساد وقال له :
إن دمت على عتوك ربما سلط الله عليك ابن آدم فإنه ذو حيل ومكر وخداع يصيد الطير من الجو والحوت من البحر ويقطع الجبال وينقلها وكل ذلك من حيله ، فعليك بالإنصاف وترك الشر والإعتساف فإنه أهنأ لطعامك .
فلم يقبل الذئب قوله وأغلظ له الرد وقال له :
لا علاقة لك بالكلام في عظيم الأمور وجسيمها .
ثم لطم الثعلب لطمة فخر منها مغشياً عليه .
فلما أفاق تبسم في وجه الذئب واعتذر إليه من الكلام الشين وأنشد هذين البيتين :
إذا كنت قد أذنبت ذنباً سالـفـاً ........ في حبكم وأتيت شيئاً منكـرا
أنا تائب عما جنيـت وعفوكـم ........ يسع المسيء إذا أتى مستغفرا
فقبل الذئب اعتذاره كف عنه أشراره وقال له :
لا تتكلم فيما لا يعنيك تسمع ما لا يرضيك .
|
|
|