عرض مشاركة واحدة
قديم 16-05-2009, 12:58 PM   #211
نجلاء الهاجري
الزوار


الصورة الرمزية نجلاء الهاجري

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية :
 أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
 المشاركات : n/a [ + ]
لوني المفضل : Cadetblue


الليلة الثمانين بعد المئة

قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن الذئب قال للثعلب :
لا تتكلم فيما لا يعنيك حتى لا تسمع ما لا يرضيك .
فقال له الثعلب :
سمعاً وطاعة فأنا بمعزل عما يحدث فقد قال الحكيم :
لا تخبر عما لا تسأل عنه أو لا تجب إلى ما لا تدعى إليه وذر الذي لا يعنيك إلى ما لا يعنيك ولا تبذل النصيحة للأشرار فإنهم يجزونك عليها شراً .
فلما سمع الذئب كلام الثعلب تبسم في وجهه ولكنه أضمر له مكراً وقال :
لا بد أن أسعى في هلاك هذا الثعلب .
وأما الثعلب فإنه صبر على أذى الذئب وقال في نفسه :
إن البطر والافتراء يجلبان الهلاك ويوقعان في الارتباك ، فقد قيل :
من بطر خسر ، ومن جهل ندم ، ومن خاف سلم ، والإنصاف من شيم الأشراف والآداب أشرف الاكتساب ومن الرأي مداراة هذا الباغي ولابد له من مصرع .
ثم أن الثعلب قال للذئب :
إن الرب يعفو ويتوب على عبده إن اقترف الذنوب وأنا عبد ضعيف وقد ارتكبت في نصحك التعسيف ولو علمت بما حصل لي من لطمتك لعلمت أن الفيل لا يقوم به ولا يقدر عليه ولكني لا أشتكي من ألم هذه اللطمة بسبب ما حصل لي بها من السرور ، وقد قال الحكيم :
ضرب المؤدب أوله صعب شديد وآخره أحلى من العسل المصفى .
فقال الذئب :
غفرت ذنبك وأقلت عثرتك فكن من قوتي على حذر واعترف لي بالعبودية فقد علمت قهري لمن عاداني .
فسجد له الثعلب وقال له :
أطال الله عمرك ولا زلت قاهراً لمن عاداك .
ولم يزل الثعلب خائفاً من الذئب مصانعاً له ، ثم إن الثعلب ذهب إلى كرم يوماً فرأى في حائطه ثلمة فأنكرها وقال في نفسه :
إن هذه الثلمة لابد لها من سبب ، وقد قيل :
من رأى خرقاً في الأرض فلم يجتنبه ويتوق عن الإقدام عليه كان بنفسه مغروراً وللهلاك متعرضاً .
وقد اشتهر أن بعض الناس يعمل صورة الثعلب في الكرم ويقدم إليه العنب في الأطباق لأجل أن يرى ثعلباً آخر فيقدم إليه فيقع في الهلاك ، وإني أرى هذه الثلمة مكيدة ، وقد قيل :
إن الحذر نصف الشطارة ومن الحذر أن أبحث على هذه الثلمة وانظر لعلي أجد عندها أمر يؤدي إلى التلف ولا يحملني الطمع على أن ألقي نفسي في التهلكة .
ثم دنا منها وطاف بها وهو محاذر فرآها فإذا هي حفرة عظيمة قد حفرها صاحب الكرم ليصيد فيها الوحش الذي يفسد الكرم ورأى عليها غطاء رقيقاً فتأخر عنها وقال :
الحمد لله حيث حذرتها وأرجو أن يقع فيها عدوي الذئب الذي نغص عيشي ، فأستقل بالكرم وحدي وأعيش فيه آمناً .
ثم هز رأسه وضحك ضحكاً عالياً واطرب بالنغمات وأنشد هذه الأبيات :
ليتني أبصرت هـذا الوقت ........ في ذي الـبـئر ذئبـا
وسقاني المر غصباً ليتني ........ من بـعـد ذا أبـقـى
طالما قـد ساء قـلـبـي ........ ويقضي الذئب نحـبـا
ثـم يخـلو الكـرم منـه ........ وأرى لـي فيـه نهـبا
فلما فرغ من شعره انطلق مسرعاً حتى وصل إلى الذئب وقال :
إن الله سهل لك الأمور إلى الكرم بلا تعب وهذا من سعادتك فهنيئاً لك بما فتح الله عليك وسهل لك من تلك الغنيمة والرزق الواسع بلا مشقة .
فقال الذئب للثعلب :
وما الدليل على ما وصفت ?
قال الثعلب :
إني انتهيت إلى الكرم فوجدت صاحبه قد مات ودخلت البستان فرأيت الأثمار زاهية على الأشجار .
فلم يشك الذئب في قول الثعلب وأدركه الشر فقام حتى انتهى إلى الندامة وقد غره الطمع ووقف الثعلب متهافتاً كالميت وتمثل بهذا البيت :
أتطمع من ليلى بوصلي وإنما ........ تضر بأعناق الرجال المطامع
فلما انتهى الذئب إلى الثلمة قال له الثعلب :
ادخل إلى الكرم فقد كفيت مؤونة هدم حائط البستان وعلى الله تمام الإحسان .
فأقبل الذئب ماشياً يريد الدخول إلى الكرم فلما توسط غطاء الثلمة وقع فيها فاضطرب الثعلب اضطراباً شديداً من السرور والفرح وزوال الهم والترح ، ثم إنه تطلع في الحفرة فرأى الذئب يبكي ندماً وحزناً على نفسه فبكى الثعلب معه فرفع الذئب رأسه إلى الثعلب وقال له :
أمن رحمتك لي بكيت يا أبا الحصين ?
قال الثعلب :
لا والذي قذفك في هذه الحفرة إنما بكيت لطول عمرك الماضي وأسفاً على كونك لم تقع في هذه الثلمة قبل اليوم ولو وقعت قبل اجتماعي بك لكنت أرحت واسترحت ، ولكن أبقيت إلى أجلك المحتوم ووقتك المعلوم .
فقال له الذئب :
أيها الثعلب رح أيها المسيء في فعله لوالدتي وأخبرها بما حصل لي لعلها تحتال على خلاصي .
فقال له الثعلب :
لقد أوقعك في الهلاك شدة طمعك وكثرة حرصك حيث سقطت في حفرة لست منها بسالم ألم تعلم أيها الذئب الجاهل أن صاحب المثل يقول :
من لم يفكر في العواقب لم يأمن المعاطب ?
فقال الذئب للثعلب :
يا أبن الحصين إنما كنت تظهر محبتي وترغب في مودتي وتخاف من شدة قوتي فلا تحقد علي بما فعلته معك فمن قدر وعفا كان أجره على الله وقد قال الشاعر :
ازرع جميلاً ولو في غير موضعه ........ ما خاب قط جميل أينـمـا زرع
إن الجميل وإن طـال الزمـان به ........ فليس يحـصـده إلا الـذي زرع
فقال له الثعلب :
يا أجهل السباع وأحمق الوحوش في البقاع هل نسيت تجبرك وعتوك وتكبرك وأنت لم ترع حق المعاشرة ولم تنتصح بقول الشاعر :
لا تظلمن إذا ما كنت مقتدراً ........ إن الظلوم على حد من النقم
تنام عيناك والمظلوم منتبـه ........ يدعو عليك وعين الله لم تنم
فقال الذئب :
يا أبا الحصين لا تؤاخذني بسابق الذنوب فالعفو من الكرام مطلوب وصنع المعروف من حسن الذخائر وما أحسن قول الشاعر :
بادر بالخير إذا كنت مقتـدراً ........ فليس في كل حين أنت مقتدر
وما زال الذئب يتذلل للثعلب ويقول له :
لعلك تقدر على شيء تخلصني به من الهلاك .
فقال له الثعلب :
أيها الفظ الغليظ إني أشبهك في حسن علانيتك وقبح نيتك بالباز مع الحجل .
قال الذئب :
وما حديث الباز والحجل ?
قال الثعلب :
دخلت يوماً كرماً لآكل عنبه فبينما أنا فيه إذ رأيت بازاً انقض على حجل فلما اقتنصه انفلت منه الحجل ودخل وكره واختفى فيه فتبعه الباز وناداه :
أيها الجاهل إني رأيتك في البرية جائعاً فرحمتك ، والتقطت لك حباً وأمسكتك لتأكل فهربت مني ولم أعرف لهروبك وجهاً إلا الحرمان ، فاظهر وخذ ما أتيتك من الحب فكله هنيئاً مريئاً .
فلما سمع الحجل قول الباز صدقه وخرج إليه فانشب مخالبه فيه ومكنها منه فقال له الحجل :
أهذا الذي ذكرت انك أتيتني به من البرية وقلت لي هنيئاً مريئاً فكذبت علي جعل الله ما تأكله من لحمي في جوفك سماً قاتلاً .
فلما أكله وقع ريشه وسقطت قوته ومات لوقته ثم قال له الثعلب :
اعلم أيها الذئب أن من حفر حفرة لأخيه قليباً وقع فيها قريباً وأنت غدرت بي أولاً .
فقال الذئب للثعلب :
دعني من هذا المقال وضرب الأمثال ولا تذكر لي ما سلف مني من قبيح الفعال يكفيني ما أنا فيه من سوء الحال حيث وقعت في ورطة يرثي لي منها العدو فضلاً عن الصديق وانظر لي حيلة أتخلص بها وكن فيها غياثي وإن كان عليك ذلك مشقة فقد يتحمل الصديق لصديقه أشد النصب ويقاسي فيما فيه نجاته العطب وقد قيل :
إن الصديق الشفيق خير من الأخ الشقيق وإن تسببت في نجاتي لأجمعن لك من الآلة ما يكون لك عدة ، ثم لأعلمنك من الحيل الغريبة ما تفتح به الكروم الخصيبة وتجني الأشجار المثمرة فطب نفساً وقر عيناً .
فقال له الثعلب وهو يضحك :
ما أحسن ما قالته العلماء في كثير من الجهل مثلك .
قال الذئب :
وما قالت العلماء ?
قال الثعلب :
ذكر العلماء أن غليظ الجثة غليظ الطبع يكون بعيداً من العقل قريباً من الجهل لأن قولك أيها الماكر الأحمق قد يحتمل الصديق المشقة في تخليص صديقه صحيح كما ذكرت ولكن عرفتني بجهلك وقلة عقلك كيف أصادقك مع خيانتك أتحسبني لك صديقاً وأنا لك عدو شامت وهذا الكلام أشد من رشق السهام إن كنت تعقل وأما قولك أنك تعطيني من الآلات ما يكون عدة لي وتعلمني من الحيل وما أصل به إلى الكروم المخصبة وأجتني به الأشجار المثمرة فمالك أيها المخادع الغادر لا تعرف لك حيلة تتخلص بها من الهلاك فما أبعدك من المنفعة لنفسك وما أبعدني من القبول لنصيحتك فإن كان عندك حيل فتحيل لنفسك في الخلاص من هذا الأمر الذي أسأل الله أن يبعد خلاصك منه فانظر أيها الجاهل إن كان عندك حيلة فخلص نفسك بها من القتل قبل أن تبذل التعليم لغيرك ولكنك مثل إنسان حصل له مرض فاتاه رجل


 

رد مع اقتباس