عرض مشاركة واحدة
قديم 16-05-2009, 12:59 PM   #212
نجلاء الهاجري
الزوار


الصورة الرمزية نجلاء الهاجري

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية :
 أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
 المشاركات : n/a [ + ]
لوني المفضل : Cadetblue


مريض بمثل مرضه ليداويه فقال له :
هل لك أن أداويك من مرضك ?
فقال له الرجل :
هلا بدأت بنفسك في المداواة .
فتركه وانصرف .
وأنت أيها الذئب كذلك فألزم مكانك واصبر على ما أصابك .
فلما سمع الذئب كلام الثعلب علم أن لا خير له عنده فبكى على نفسه وقال :
كنت في غفلة من أمري فإن خلصني الله من هذا الكرب لأتوبن عن تجبري على من هو أضعف مني ولألبس الصوف ولأصعدن الجبل ذاكراً الله تعالى خائفاً من عقابه واعتزل سائر الوحوش ولأطعمن المجاهدين والفقراء .
ثم بكى وانتحب فرق له قلب الثعلب وكان لما سمع تضرعه والكلام الذي يدل على توبته من العتو والتكبر أخذته الشفقة عليه فوثب من فرحته ، ووقف على شفير الحفرة ثم جلس على رجليه وأدلى ذنبه في الحفرة فعند ذلك قام الذئب ومد يده إلى ذنب الثعلب وجذبه إليه فصار في الحفرة معه ، ثم قال له الذئب :
أيها الثعلب القليل الرحمة كيف تشمت بي وقد كنت صاحبي وتحت قهري ووقعت معي في الحفرة وتعجلت لك العقوبة ، وقد قال الشاعر :
إذا ما الدهر جار على الناس ........ كلاكله أنـاخ بـآخـرينـا
فقل للشامتين بنـا أفـيقـوا ........ سيلقى الشامتون كما لقينـا
ثم قال الذئب للثعلب :
فلابد أن أعجل قتلك فبل أن ترى قتلي .
فقال الثعلب في نفسه :
إني وقعت مع هذا الجبار وهذا الحال يحتاج إلى المكر والخداع ، وقد قيل :
إن المرأة تصوغ حليها ليوم الزينة وفي المثل ما ادخرتك يا دمعتي إلا لشدتي وإن لم أتحيل في أمر هذا الوحش الظالم هلكت لا محالة ، وما أحسن قول الشاعر :
عش بالخداع فأنت في ........ زمن بنوه كأسد بـيشة
وأدر قناة المكر حتـى ........ تستدير رحى المعيشة
واجن الثمار فإن تفتك ........ فرض نفسك بالحشيشة
ثم إن الثعلب قال للذئب :
لا تعجل علي بالقتل فتندم أيها الوحش الصنديد صاحب القوة والبأس الشديد وإن تمهلت وأمعنت النظر فيما أحكيه لك ، عرفت قصدي الذي قصدته وإن عجلت بقتلي فلا فائدة لك فيه ، ونموت جميعنا هاهنا .
فقال له الذئب :
أيها المخادع الماكر وما الذي ترجوه من سلامتي وسلامتك حتى تسألني التمهل عليك فاخبرني بقصدك الذي قصدته ?
فقال له الثعلب :
أما قصدي الذي قصدته فما ينبغي أن تحسن عليه مجازاتي لأني سمعت ما وعدت من نفسك واعترافك بما سلف منك وتلهفك على ما فاتك من التوبة وفعل الخير وسمعت ما نذرته على نفسك من كف الأذى عن الأصحاب وغيرهم وتركك أكل العنب وسائر الفواكه ، ولزمك الخشوع وتقليم أظافرك وتكسير أنيابك وان تلبس الصوف وتقرب القربان لله تعالى إن نجاك مما أنت فيه فأخذتني الشفقة عليك مع إنني كنت على حق هلاكك حرصاً ، فلما سمعت منك توبتك وما نذرت على نفسك إن نجاك الله لزمني خلاصك مما أنت فيه فأدليت إليك ذنبي لكي تتعلق به وتنجو فلم تترك الحالة التي أنت عليها من العنف والشدة ولم تلتمس النجاة والسلامة لنفسك بالرفق بل جذبتني جذبة ظننت منها أن روحي قد خرجت فصرت أنا وأنت في منزلة الهلاك والموت وما ينجيني أنا وأنت إلا شيء إن قبلته مني خلصت أنا وأنت وبعد ذلك يجب عليك أن تفي بما نذرته وأكون رفيقك .
فقال له الذئب :
وما الذي أقبله منك ؟
قال له الثعلب :
تنهض قائماً وأعلو أنا فوق رأسك حتى أكون قريباً من ظاهر الأرض فإني حين أصير فوقها أخرج وآتيك بما تتعلق به وتخلص أنت بعد ذلك .
فقال له الذئب :
لست بقولك واثقاً لأن الحكماء قالوا :
من استعمل الثقة في موضع الحقد كان مخطئاً ، وقيل من وثق بغير ثقة كان مغوراً ، ومن جرب المجرب حلت به الندامة ، ومن لم يفرق بين الحالات فيعطي كل حالة حظها بل حمل الأشياء كلها على حالة واحدة قل حظه وكثرت مصائبه ، وما أحسن قول الشاعر :
لا يكـن ظـنـك لا سـيئاً إن ........ سوء الظن من أقوى الفطـن
ما رمى الإنسان فـي مهلـكة ........ مثل فعل الخير والظن الحسن
فقال الثعلب :
إن سوء الظن ليس محموداً في كل حال وحسن الظن من شيم الكرام وعاقبته النجاة من الأهوال وينبغي لك أيها الذئب أن تتحيل على النجاة مما أنت فيه ونسلم جميعاً خير من موتنا فارجع عن سوء الظن والحقد لأنك إن أحسنت الظن بي لا أخلو من أحد أمرين :
إما أن آتيك بما تتعلق به وتنجو مما أنت فيه ، وإما أن أغدر بك فأخلص وأودعك وهذا مما لا يمكن فإني لا آمن أن أبتلي بشيء مما ابتليت به فيكون ذلك عقوبة الغدر وقد قيل في الأمثال :
الوفاء مليح والغدر قبيح ، فينبغي أن تثق بي فإني لم أكن جاهلاً بحوادث الدهر فلا تؤخر حيلة خلاصنا فالأمر أضيق من أن نطيل فيه الكلام .
فقال الذئب :
إني مع قلة ثقتي بوفائك قد عرفت ما في خاطرك من انك أردت خلاصي لما عرفت توبتي فقلت في نفسي :
إن كان حقاً فيما زعم فإنه يستدرك ما أفسد وإن كان مبطلاً فجزاؤه على ربه ، وهاأنا أقبل منك ما أشرت به علي فإن غدرت بي كان الغدر سبباً لهلاكك .
ثم إن الذئب انتصب واقفاً وأخذ الثعلب على أكتافه حتى ساوى به ظاهر الأرض فوثب الثعلب عن أكتاف الذئب حتى صار على وجه الأرض ووقع مغشياً عليه .
فقال له الذئب :
يا خليلي لا تغفل عن أمري ولا تؤخر خلاصي .
فضحك الثعلب وقهقه وقال للذئب :
أيها المغرور لم يوقعني في يدك إلا المزح معك والسخرية بك وذلك أني لما سمعت توبتك استخفني الفرح فطربت ورقصت فتدلى ذنبي في الحفرة فجذبتني فوقعت عندك ثم أنقذني الله تعالى من يدك فما لي لا أكون عوناً على هلاكك وأنت من حزب الشيطان ، واعلم أنني رأيت البارحة في منامي أني أرقص في عرس فقصصت الرؤيا على معبر ، فقال لي :
إنك تقع في ورطة وتنجو منها فعلمت وقوعي في يدك ونجاتي هو تأويل رؤياي وأنت تعلم أيها المغرور الجاهل أني عدوك فكيف تطمع بقلة عقلك وجهلك في إنقاذي إياك مع ما سمعت من غلظ كلامك ? وكيف أسعى في نجاتك وقد قالت العلماء:
إن في موت الفاجر راحة الناس وتطهير للأرض ولولا مخافة أن أحتمل من الألم في الوفاء لك ما هو أعظم من ألم الغدر لتدبرت في خلاصك .
فلما سمع الذئب كلام الثعلب عض على كتفه ندماً .


 

رد مع اقتباس