16-05-2009, 01:00 PM
|
#214
|
الزوار
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية :
|
أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
|
المشاركات :
n/a [
+
] |
|
لوني المفضل : Cadetblue
|
|
ثم وقف الثعلب على تل مشرف على الكروم ولم يزل يصيح لأهل الكرم حتى بصروا به وأقبلوا عليه مسرعين فثبت لهم الثعلب حتى قربوا منه ومن الحفرة التي فيها الذئب ثم ولى الثعلب هارباً فنظر أصحاب الكرم في الحفرة فلما رأوا فيها الذئب وقعوا عليه بالحجارة الثقال ولم يزاوا يضربونه بالحجارة والخشب ويطعنونه بأسنة الرماح حتى قتلوه وانصرفوا فرجع الثعلب إلى تلك الحفرة ووقف على مقتل الذئب ، فرآه ميتاً فحرك رأسه من شدة الفرحات وأنشد هذه الأبيات :
أودى الزمان بنفس الذئب فاختطفت ........ بعداً وسحقاً لها من مهجة تلفـت
فكم سعيت أبا سرحان في تلـفـي ........ فاليوم حلت بك الآفات والتهبـت
وقعت في حفرة ما حلـهـا أحـد ........ إلا وفيها رياح الموت قد عصفت
ثم إن الثعلب أقام بالكرم وحده مطمئناً لا يخاف ضرراً وهذا ما كان من حديث الثعلب .
ومما يحكى أن فأرة وبنت عرس كانتا ينزلان منزلاً لبعض الناس وكان ذلك الرجل فقيراً ، وقد مرض بعد أصدقائه فوصف له الطبيب السمسم المقشور ، فأعطاه لزوجته وأمرها بإصلاحه فقشرته تلك المرأة وأصلحته ، فلما عاينت بنت عرس السمسم أتت إليه ولم تزل تنقل من ذلك السمسم إلى حجرها طول يومه حتى نقلت أكثره وجاءت المرأة فرأت نقصان السمسم واضحاً فجلست ترصد من تأتي إليه حتى تعل سبب نقصانه فنزلت بنت عرس لتنقل منها على عادتها فرأت المرأة جالسة فعلمت أنها ترصدها فقالت في نفسها :
إن لهذا الفعل عواقب ذميمة وإني أخشى من تلك المرأة أن تكون لي بالمرصاد ومن لم ينظر في العواقب ما الدهر له بصاحب ، ولابد لي أن أعمل حسناً أظهر به براءتي من جميع ما عملته من القبيح .
فجعلت تنقل من ذلك السمسم الذي في حجرها فرأتها المرأة وهي تفعل ذلك ، فقالت في نفسها :
ما هذا سبب نقصه لأنها تأتي به من حجر الذي اختلسه وتضعه على بعضه وقد أحسنت إلينا في رد السمسم وما جزاء من أحسن إلا أن يحسن إليه وليست هذه آفة في السمسم ولكن لا أزال أرصدها حتى يقع واعلم من هو .
ففهمت بنت عرس ما خطر ببال تلك المرأة فانطلق إلى الفأرة فقالت لها :
يا أختي إنه لا خير فيمن لا يرعى المجاورة ولا يثبت على المودة .
فقالت الفأرة :
نعم يا خليلتي وأنعم بك وبجوارك فما سبب هذا الكلام ?
فقالت بنت عرس :
إن رب البيت أتى بسمسم فأكل منه هو وعياله وشبعوا واستغنوا عنه وتركوه وقد أخذ منه كل ذي روح ، فلو أخذت أنت الأخرى كنت أحق به ممن يأخذ منه .
فأعجب الفأرة ذلك ورقصت ولعبت ذنبها وغرها الطمع في السمسم فقامت من وقتها وخرجت من بيتها فرأت السمسم مقشوراً يلمع من البياض والمرأة جالسة ترصده فلم تفكر الفأرة في عاقبة الأمر وكانت المرأة قد استعدت بهراوة فلم تتمالك الفأرة حتى دخلت في السمسم وعانت فيه وصارت تأكل منه فضربتها المرأة بتلك الهراوة فشجت رأسها وكان الطمع سبب هلاكها وغفلتها عن عواقب الأمور .
فقال الملك شهريار :
يا شهرزاد والله إن هذه حكاية مليحة فهل عندك حديث في حسن الصداقة والمحافظة عليها عند الشدة والتخلص من الهلكة ؟
قالت شهرزاد :
نعم يا ملك الزمان .
بلغني أن غراباً وسنوراً كانا متآخين فبينما هما تحت الشجرة على تلك الحالة إذ رأيا نمراً مقبلاً على تلك الشجرة التي كانا تحتها ولم يعلما به حتى صار قريباً من الشجرة فطار الغراب إلى أعلى الشجرة وبقي السنور متحيراً فقال للغراب :
يا خليلي هل عندك حيلة في خلاصي كما هو الرجاء فيك ?
فقال الغراب :
إنما تلتمس الأخوان عند الحاجة إليهم في الحيلة عند نزول المكروه بهم ، وما أحسن قول الشاعر :
إن صديق الحق من كان معك ........ ومن يضر نفسه لا ينفعـك
ومن إذا ريب الزمان صدعك ........ شتت فيه شمله ليجمـعـك
وكان قريباً من الشجرة رعاة معهم كلاب فذهب الغراب حتى ضرب بجناحه وجه الأرض ونعق وصاح ، ثم تقدم إليهم وضرب بجناحه وجه بعض الكلاب وارتفع قليلاَ فتبعته الكلاب وسارت في أثره ورفع الراعي رأسه فرأى طائراً يطير قريباً من الأرض ويقع فتبعه وصار الغراب لا يطير إلا بقدر التخلص من الكلاب ويطمعها في أن تفترسه ، ثم ارتفع قليلاً وتبعته الكلاب حتى انتهى إلى الشجرة التي تحتها النمر ، فلما رأت الكلاب النمر وثبت عليه فولى هارباً وكان يظن أنه يأكل السنور فنجا منه ذلك السنور بحيلة الغراب صاحبه وقد أخبرتك بهذا أيها الملك لتعلم أن مودة أخوان الصفا تنجي من الهلكات .
وحكي أن ثعلباً سكن في بيت في الجبل وكان كلما ولد ولداً واشتد ولده أكله من الجوع وإن لم يأكل ولده يضربه الجوع ، وكان يأوي إلى ذروة ذلك الجبل غراب فقال الثعلب في نفسه :
أريد أن أعقد بيني وبين هذا الغراب مودة واجعله لي مؤنساً على الوحدة معاوناً على طلب الرزق لأنه يقدر من ذلك على ما لا أقدر عليه .
فدنا الثعلب من الغراب حتى صار قريباً منه بحيث يسمع كلامه فسلم عليه ثم قال له :
يا جاري إن للجار على الجار حقين :
حق الجيرة وحق الدين واعلم بأنك جاري ولك علي حق يجب قضاؤه وخصوصاً مع طول المجاورة ، على أن في صدري وديعة من محبتك دعتني إلى ملاطفتك وبعثتني على التماس أخوتك فما عندك من الجواب ?
فقال الغراب :
اعلم إن خير القول أصدقه وربما تتحدث بلسانك بما ليس في قلبك وأخشى أن تكون أخوتك باللسان ظاهراً وعداوتك في القلب لأنك آكل وأنا مأكول فوجب علينا التباين في المحبة ولا يمكن مواصلتنا ، فما الذي دعاك إلى طلب ما لا تدرك وإرادة ما لا يكون وأنت من جنس الوحوش وأنا من جنس الطيور وهذه الأخوة لا تصح .
فقال له الثعلب :
إن من موضع الإخلاء فأحسن الاختيار فيما يختاره منهم ربما يصل إلى بعض منافع الأخوان وقد اخترت قربك واخترت الأنس بك ليكون بعضنا عوناً لبعض على أغراضنا وتعقب مودتنا ، وعندي حكايات في حسن الصداقة فإن أردت أن أحكيها حكيتها لك .
فقال الغراب :
أذنت لك أن تبثها فحدثني بها حتى أعرف فالمراد منها .
فقال له الثعلب :
اسمع يا خليلي يحكى عن برغوت وفأرة وما يستدل به على ما ذكرته لك .
فقال الغراب :
وكيف كان ذلك ؟
فقال الثعلب :
زعموا أن فارة في بيت رجل من التجار كثير المال فآوى البرغوت ليلة إلى فراش ذلك التاجر فرأى بدناً ناعماً وكان البرغوت عطشاناً فشرب من دمه ، ووجد التاجر من البرغوت ألماً فاستيقظ من النوم واستوى قاعداً ونادى أتباعه فأسرعوا إليه وشمروا عن أيديهم يطوفون على البرغوت ، فلما أحس البرغوت بالطلب ولى هارباً فصادف حجر الفأرة فدخله ، فلما رأته الفأرة قالت له :
ما الذي أدخلك علي ولست من جوهري ولا من جنسي ولست بآمن من الغلظة عليك ولا مضاررتك ؟
فقال لها البرغوت :
إني هربت إلى منزلك وفزت بنفسي من القتل وأتيت مستجيراً بك ولا طمع لي في بيتك ولا يلحقك مني شر يدعوك إلى الخروج من منزلك وإني أرجو أن أكافئك على إحسانك بكل جميل وسوف تحمدين عاقبة ما أقول لك .
فلما سمعت الفأرة كلام البرغوت .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
|
|
|