16-05-2009, 01:02 PM
|
#216
|
الزوار
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية :
|
أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
|
المشاركات :
n/a [
+
] |
|
لوني المفضل : Cadetblue
|
|
الليلة الثالثة والثمانين بعد المئة
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن الغراب قال :
زعموا أن صقراً كان جباراً عنيداً أيام شبيبته وكان سباع البر وسباع الطير تفزع منه ولا يسلم من شره أحد وله حكايات كثيرة في ظلمه وتجبره وكان دأب هذا الصقر الأذى لسائر الطيور فلما مرت عليه السنون ضعف وجاع واشتد جهده بعد فقد قوته فأجمع رأيه على أن يأتي مجمع الطير فيأكل ما يفضل منها ، فعند ذلك صار قوته بالحيلة بعد القوة والشدة .
وأنت كذلك أيها الثعلب إن عدمت قوتك ما عدمت خداعك ولست أشك في أن ما تطلبه من صحبتي حيلة على قوتك فلا كنت ممن يضع يده في يدك لأن الله أعطاني قوة في جناحي وحذراً في نفسي وبصراً في عيني وأعلم أن من تشبه بأقوى منه تعب وربما هلك .
هذا ما عندي الكلام واذهب عش بسلام .
فلما يئس الثعلب من مصادقة الغراب رجع من حزنه يئن وقرع للندامة سناً على سن .
فلما سمع الغراب بكاءه وأنينه ورأى كآبته وحزنه قال :
أيها الثعلب ما نابك حتى قرعت نابك ؟
قال له الثعلب :
إنما قرعت سني لأني رأيتك أخدع مني .
ثم ولى هارباً ورجع إلى جحره طالباً .
وهذا ما كان من حديثهما أيها الملك .
فقال الملك شهريار :
يا شهرزاد ما أحسن هذه الحكايات هل عندك شيء مثلها من الخرافات ؟
قالت شهرزاد :
يحكى أن قنفذاً مسكناً بجانب نخلة وكان الورشان هو وزوجته فلما اتخذا عشاً في النخلة وعاشا فوقها عيشاً رغيداً فقال القنفذ في نفسه :
إن الورشان يأكل من ثمر النخل وأنا أجد إلى ذلك سبيلاً ولكن لابد من استعمال الحيلة .
ثم حفر في أسفل النخلة بيتاً واتخذه سكناً له ولزوجته وإلى جانبه مسجداً وانفرد فيه وأظهر النسك والعبادة ، وترك الدنيا وكان الورشان متعبداً مصلياً فرق له من شدة زهده وقال :
كم سنة وأنت هكذا ؟
قال القنفذ :
مدة ثلاثين سنة .
قال الورشان :
ما طعامك ؟
قال القنفذ :
ما يسقط من النخلة .
قال الورشان :
ما لباسك ؟
قال القنفذ :
شوك أنتفع بخشونته .
قال الورشان :
وكيف اخترت مكانك هذا على غيره ؟
قال القنفذ :
اخترته على غير طريق لأجل أن أرشد الضال وأعلم الجاهل .
فقال له الورشان :
كنت أظهر على انك على غير هذه الحالة ولكنني رغبت فيما عندك .
فقال القنفذ :
إني أخشى أن يكون قولك ضد فعلك فتكون كالزراع الذي جاء وقت الزرع قصر في بذره وقال :
إني أخشى أن يكون أوان الزرع قد فات فأكون قد أضعت المال بسرعة البذر .
فلما جاء وقت الحصاد ورأى الناس يحصدون ندم على ما فاته من تقصيره ومن تخلفه ومات أسفاً .
فقال الورشان للقنفذ :
وماذا أصنع حتى أتخلص من علائق الدنيا وأنقطع إلى عبادة ربي ؟
قال له القنفذ :
خذ في الإستعداد للميعاد والقناعة بالكفاية في الزاد .
فقال الورشان :
كيف لي بذلك وأنا طائر لا أستطيع أن أتجاوز النخلة التي فيها قوتي ؟ ولو استطعت ذلك ما عرفت موضعاً أستقر فيه .
فقال القنفذ :
يمكنك أن تنثر من ثمر النخلة ما يكفيك مؤونة عام أنت وزوجتك وتسكن قي وكر تحت النخلة لالتماس حسن إرشادك ، ثم مل إلى ما نثرته من الثمر فانقله جميعاً وادخره قوتاً للعدم وإذا فرغت الثمار وطال عليك المطال سر إلى كفاف العيش .
فقال الورشان :
جزاك الله خيراً حيث ذكرتني بالميعاد وهديتني إلى الرشاد .
ثم تعب الورشان هو وزوجته في طرح الثمر حتى لم يبق في النخلة شيء فوجد القنفذ ما يأكل وفرح به وملأ مسكنه من الثمر وادخره لقوته وقال في نفسه :
إن الورشان هو وزوجته إذا احتاجا إلى مؤونتهما طلباها مني وطمعا فيما عندي وركنا إلى تزهدي وورعي .
فلما رأى الورشان منه الخديعة لائحة قال له :
أين الليلة من البارحة فما تعلم أن للمظلومين ناصراً فإياك والمكر والخديعة ، لئلا يصيبك ما أصاب الخداعين الذين مكروا بالتاجر .
فقال القنفذ :
وكيف ذلك ؟
قال الورشان :
بلغني أن تاجراً من مدينة يقال لها سنده كان ذا مال واسع فشد جمالاً وجهز متاعاً وخرج به إلى بعض المدن ليبيعه فيها فتبعه رجلان من المكرة وحملا شيئاً من مال ومتاع وأظهرا للتاجر أنهما من التجار وساروا معه فلما نزلا أول منزل اتفقا على المكر به وأخذ ما معه .
ثم إن كل واحد منهما أضمر المكر لصاحبه وقال في نفسه :
لو مكرت بصاحبي بعد مكرنا بالتاجر لصفا لي الوقت وأخذت جميع المال .
ثم أضمرا لبعضهما نية فاسدة وأخذ كل منهما طعاماً وجعل فيه سماً وقربه لصاحبه فقتلا بعضهما وكانا يجلسان مع التاجر ويحدثانه فلما أبطأوا عليه فتش عليهما ليعرف خبرهما فوجدهما ميتين فعلم أنهم كانا محتالين وأرادا المكر به فعاد عليهما مكرهما وسلم التاجر والمال معه .
فقال الملك شهريار :
نبهتيني يا شهرزاد على شيء كنت غافلاً عنه أفلا تزيديني من هذه الأمور ؟
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن رجلاً كان عنده قرد وكان ذلك الرجل سارقاً لا يدخل سوقاً من أسواق المدينة التي هو فيها إلا ويرجع بكسب عظيم فاتفق أن رجلاً حمل أثواباً ليبيعها فذهب بها إلى السوق وصار ينادي عليها فلا يسومها أحد وكان لا يعرضها على أحد إلا امتنع من شرائها فاتفق أن السارق الذي معه القرد رأى الشخص الذي معه الثياب المقطعة وكان وضعها في بقجة وجلس يستريح من التعب فلعب القرد أمامه حتى أشغله بالفرجة عليه واختلس منه تلك البقجة ، ثم أخذ القرد وذهب إلى السوق مكان خال وفتح البقجة فرأى تلك الثياب المقطعة فوضعها في بقجة نفيسة وذهب بها إلى سوق آخر وعرض البقجة للبيع بما فيها واشترط أن لا تفتح ورغب الناس فيها لقلة الثمن فرآها رجل وأعجبه نفاستها فاشتراها وذهب بها إلى زوجته ، فلما رأت ذلك امرأته قالت :
ما هذا ؟
قال الرجل :
متاع نفيس اشتريته بدون القيمة لأبيعه واخذ فائدته .
فقالت له زوجته :
أيها المغبون هذا المتاع بأقل من قيمته إلا إذا كان مسروقاً ? أما تعلم أن من اشترى شيئاً ولم يعاينه كان مخطئاً وكان مثله مثل الحائك .
فقال لها :
وكيف كان ذلك ؟
فقالت له :
بلغني أن حائكاً كان في بعض القرى وكان يعمل فلا ينال القوت إلا بجهد ، فاتفق أن رجلاً من الأغنياء كان ساكناً قريباً منه قد أولم وليمة ودعا الناس إليها فحضر الحائك فرأى الناس الذين عليهم الثياب الناعمة يقدم لهم الأطعمة الفاخرة وصاحب المنزل يعظمهم لما يرى من حسن زيهم ، فقال في نفسه :
لو بدلت تلك الصنعة بصنعة أخف مؤونة منها وأكثر أجرة لجمعت مالاً كثيراً واشتريت ثياباً فاخرة وارتفع شأني وعظمت في أعين الناس .
ثم نظر إلى بعض ملاعب الحاضرين في الوليمة وقد صعد سوراً شاهقاً ثم رمى بنفسه إلى الأرض ونهض قائماً فقال في نفسه :
لابد أن أعمل مثل عمل هذا ولا أعجز عنه .
ثم صعد إلى السور ورمى نفسه ، فلما وصل إلى الأرض اندقت رقبته فمات وإنما أخبرتك بذلك لئلا يتمكن منك الشر ، فترغب فيما ليس من شانك .
فقال لها زوجها :
ما كل عالم يسلم بعلمه ولا كل جاهل يعطب بجهله وقد رأيت الحاوي الخبير بالأفاعي العالم بها وربما نهشته الحية فقتلته وقد يظهر بها الذي لا معرفة له بها ولا علم عنده بأحواله .
ثم خالف زوجته واشترى المتاع وأخذ في تلك العادة فصار يشتري من السارقين بدون القيمة إلى أن وقع في تهمة فهلك فيها .
وكان في زمنه عصفور يأتي كل يوم إلى ملك من ملوك الطير ولم يزل غادياً ورائحاً عنده بحيث كان أول داخل عليه وآخر خارج من عنده فاتفق أن جماعة من الطير اجتمعوا في جبل عال من الجبال فقال بعضهم لبعض :
إنا قد كثرنا وكثر الاختلاف بيننا ، ولابد لنا من ملك ينظر في أمورنا فتجتمع كلمتنا ويزول الاختلاف عنا .
فمر بهم ذلك العصفور فأشار عليهم بتمليك الطاووس وهو الملك الذي يتردد إليه فاختاروا الطاووس وجعلوه عليهم ملكاً فأحسن إليهم وجعل ذلك العصفور كاتبه ووزيره فكان تارة يترك الملازمة وينظر في الأمور ، ثم إن العصفور غاب يوماً عن الطاووس فقلق قلقاً عظيماً فبينما هو كذلك إذ دخل عليه العصفور فقال له :
ما الذي أخرك وأنت أقرب أتباعي إلي ؟
فقال العصفور :
رأيت أمراً واشتبه علي فتخوفت منه .
فقال له الطاووس :
ما الذي رأيت ؟
قال العصفور :
رأيت رجلاً معه شبكة قد نصبها عند وكري وثبت أوتادها وبذر في وسطها حباً وقعد بعيداً عنها فجلست انظر ما يفعل فبينما أنا كذلك إذا بكركي هو وزوجته قد ساقهما القضاء والقدر حتى سقطا في وسط الشبكة ، فصارا يصرخان فقام الصياد وأخذهما فأزعجني ذلك وهذا سبب غيابي عنك يا ملك الزمان وما بقيت أسكن هذا الوكر حذراً من الشبكة .
فقال له الطاووس :
لا ترحل من مكانك لأنه لا ينفع الحذر من القدر .
فامتثل لأمره ، وقال :
سأصبر ولا أرحل طاعة للملك .
ولم يزل العصفور محاذراً على نفسه وأخذ الطعام إلى الطاووس فأكل حتى اكتفى وتناول على الطعام ماء ثم ذهب العصفور .
فبينما هو في بعض الأيام شاخصاً إذا بعصفورين يقتتلان في الأرض فقال في نفسه :
كيف أكون وزير الملك وأرى العصافير تقتتل في جواري والله لأصلحن بينهما .
ثم ذهب إليهما ليصلح بينهما فقلب الصياد الشبكة على الجميع فوقع العصفور في وسطها فقام إليه الصياد وأخذه ودفعه إلى صاحبه وقال :
استوثق به فإنه سمين لم أر أحسن منه .
فقال العصفور في نفسه :
قد وقعت فيما كنت أخاف وما كان آمناً إلا الطاووس ولم ينفعني الحذر من القدر فلا مفر من القضاء للمحاذر وما أحسن قول الشاعر :
ما لا يكون فلا يكون بحيلـة ........ أبداً وما هو كائن سيكـون
سيكون ما هو كائن في وقته ........ وأخو الجهالة دائماً مغبون
فقال الملك شهريار :
يا شهرزاد زيديني من هذا الحديث .
فقالت شهرزاد :
الليلة القابلة أن أبقاني الملك أعزه الله .
|
|
|