18-05-2009, 06:52 PM
|
#254
|
الزوار
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية :
|
أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
|
المشاركات :
n/a [
+
] |
|
لوني المفضل : Cadetblue
|
|
الليلة الخامسة والعشرين بعد المئتين
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن الملكة بدور لما استيقظت من منامها جلست والتفتت يميناً وشمالاً فلم تر معشوقها الذي كان في حضنها فارتجف فؤادها وزال عقلها وصرخت صرخة عظيمة فاستيقظ جميع جواريها والدايات والقهرمانات ودخلن عليها فتقدمت إليها كبيرتهن وقالت لها :
يا سيدتي ما الذي أصابك ?
فقالت لها الملكة بدور :
أيتها العجوز النحس أين معشوقي الشاب الذي كان نائماً هذه الليلة في حضني فأخبريني أين راح ?
فلما سمعت منها القهرمانة هذا الكلام صار الضياء في وجهها ظلاماً وخافت من بأسها خوفاً عظيماً وقالت :
يا سيدتي بدور أي شيء هذا الكلام القبيح ?
فقالت الملكة بدور :
ويلك يا عجوز النحس أين معشوقي الشاب المليح صاحب الوجه المليح والعيون السود والحواجب المقرونة الذي كان بائتاً عندي من العشاء إلى قرب طلوع الفجر ?
فقالت القهرمانة :
والله ما رأيت شاباً ولا غيره ، فبالله يا سيدتي لا تمزحي هذا المزاح الخارج عن الحد فتروح أرواحنا وربما بلغ أباك هذا المزاح فمن يخلصنا من يده ?
فقالت الملكة بدور :
إنه كان غلاماً بائتاً عندي في هذه الليلة وهو من أحسن الناس وجهاً .
فقالت لها القهرمانة :
سلامة عقلك ما كان أحد بائتاً عندك في هذه الليلة .
فعند ذلك نظرت الملكة بدور إلى يدها فوجدت خاتم قمر الزمان في إصبعها ولم تجد خاتمها فقالت للقهرمانة :
ويلك يا خائنة تكذبين علي وتقولين ما كان أحد بائتاً عندك وتحلفين بالله باطلاً . فقالت القهرمانة :
والله ما كذبت عليك ولا حلفت باطلاً .
فاغتاظت الملكة بدور وسحبت سيفاً كان عندها وضربت القهرمانة فقتلتها ، فعند ذلك صاح الخدم والجواري والسراري عليها وراحوا إلى أبيها وأعلموه بحالها فأتى الملك إلى ابنته الملكة بدور من وقته وساعته وقال لها :
يا بنتي ما خبرك ?
فقالت الملكة بدور :
يا أبي أين الشاب الذي كان نائماً بجانبي في هذه الليلة ?
وطار عقلها من رأسها وصارت تلتفت بعينيها يميناً وشمالاً ثم شقت ثوبها إلى ذيلها ، فلما رأى أبوها تلك الفعال أمر الجواري والخدم أن يمسكوها فقبضوا عليها وقيدوها وجعلوا في رقبتها سلسلة من حديد وربطوها في الشباك الذي في القصر .
هذا ما كان من أمر الملكة بدور .
وأما ما كان من أمر أبيها الملك الغيور فإنه لما رأى ما جرى من ابنته الملكة بدور ضاقت عليه الدنيا لأنه كان يحبها فلم يهن عليه أمرها ، فعند ذلك أحضر المنجمين والحكماء وأصحاب الأقلام وقال لهم :
من أبراً بنتي مما هي فيه زوجته بها وأعطيته نصف مملكتي ومن لم يبرئها ضربت عنقه ويعلق رأسه على باب القصر .
ولم يزل يفعل ذلك إلى أن قطع من أجلها أربعين رأساً ، فطلب سائر الحكماء فتوقفت جميع الناس عنها وعجز جميع الحكماء عن دوائها واشتكت قضيتها على أهل العلوم وأرباب الأقلام ، ثم إن الملكة بدور لما زاد بها الوجد والغرام وأرباب الهيام أجرت العبرات وأنشدت هذه الأبيات :
غرامي فيك يا قمري غريمي ........ ذكرك في دجى ليلي نديمي
أتيت وأضلعي فيها لـهـيب ........ يحاكي حره نار الجـحـيم
بليت بفرط وجد واحـتـراق ........ عذابي منهما أضحى أليمـي
فلما فرغت السيدة بدور من إنشاد هذه الأشعار بكت حتى مرضت جفونها وتذبلت وجناته ثم إنها استمرت على هذا الحال ثلاث سنين وكان لها أخ من الرضاع يسمى مرزوان وكان سافر إلى أقصى البلاد وغاب عنها تلك المدة بطولها وكان يحبها محبة زائدة على محبة الأخوة فلما حضر دخل على والدته وسألها عن أخته الملكة بدور فقالت له :
يا ولدي أختك حصل لها الجنون ومضى لها ثلاث سنين وفي رقبتها سلسلة من حديد وعجزت الأطباء عن دوائها .
فلما سمع مرزوان هذا الكلام قال لها :
لا بد من دخولي عليها لعلي أعرف ما بها وأقدر على دوائها .
فلما سمعت كلامه قالت :
لابد من دخولك عليها ولكن اصبر إلى غد حتى أتحيل في أمرك .
ثم إن أمه ذهبت إلى قصر الملكة بدور واجتمعت بالخادم الموكل بالباب وأهدت له هدية وقالت له :
إن لي بنتاً قد تربت مع الملكة بدور وقد زوجتها ولما جرى لسيدتك ما جرى صار قلبها متعلقاً بها وأرجو من فضلك أن بنتي تأتي عندها ساعة لتنظرها ثم ترجع من حيث جاءت ولا يعلم بها أحد .
فقال الخادم :
لا يمكن ذلك إلا في الليل فبعد أن يأتي السلطان ينظر ابنته ويخرج ادخلي أنت وابنتك .
فقبلت العجوز يد الخادم وخرجت إلى بيتها .
فلما جاء وقت العشاء من الليلة القابلة قامت من وقتها وساعتها وأخذت ولدها مرزوان وألبسته بدلة من ثياب النساء وجعلت يده في يدها وأدخلته القصر ، وما زالت تمشي حتى أوصلته إلى الخادم بعد انصراف السلطان من عند ابنته فلما رآها الخادم قام واقفاً وقال لها :
ادخلي ولا تطيلي القعود .
فلما دخلت العجوز بولدها مرزوان رأى الملكة بدور في تلك الحالة فسلموا عليها بعد أن كشفت عنه أمه ثياب النساء فأخرج مرزوان الكتب التي معه وأوقد شمعة فنظرت إليه الملكة بدور فعرفته وقالت له :
يا أخي أنت سافرت وانقطعت أخبارك عنا .
فقال لها مرزوان :
صحيح ولكن ردني الله بالسلامة وأردت السفر ثانية فما ردني عنه إلا هذا الخبر الذي سمعته عنك فاحترق فؤادي عليك وجئت إليك لعلي أعرف داءك وأقدر على دوائك .
فقالت له الملكة بدور :
يا أخي هل تحسب أن الذي اعتراني جنون .
ثم أشارت إليه وأنشدت هذين البيتين :
قالوا جننت بمن تهوى فقلت لهم ........ ما لذة العيش إلا للمـجـانـين
ثم جننت فهاتوا من جننـت بـه ........ إن كان يشفي جنوني لا تلوموني
فعلم مرزوان أنها عاشقة فقال لها :
أخبريني بقصتك وما اتفق لك لعل الله يطلعني على ما فيه خلاصك .
|
|
|