عرض مشاركة واحدة
قديم 18-05-2009, 07:19 PM   #274
نجلاء الهاجري
الزوار


الصورة الرمزية نجلاء الهاجري

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية :
 أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
 المشاركات : n/a [ + ]
لوني المفضل : Cadetblue


الليلة الخامسة والأربعين بعد المئتين

قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن الملكة بدور لما أعلمت حياة النفوس بقصتها وأمرتها بالكتمان تعجبت من ذلك غاية العجب ورقت لها ودعت لها بجمع شملها على محبوبها قمر الزمان وقالت :
يا أختي لا تخافي ولا تفزعي واصبري إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً .
ثم إن حياة النفوس أنشدت هذين البيتين :
السر عندي في بيت له غلـق ........ قد ضاع مفتاحه والبيت مختوم
ما يكتم السر إلا كل ذي ثـقة ........ والسر عند خيار الناس مكتـوم
فلما فرغت من شعرها قالت :
يا أختي إن صدور الأحرار قبور الأسرار وأنا لا أفشي لك سراً .
ثم لعبتا وتعانقتا ونامتا إلى قريب الآذان ثم قامت حياة النفوس وأخذت دجاجة وذبحتها وتلطخت بدمها وقلعت سراويلها وصرخت فدخل لها أهلها وزغردت الجواري ودخلت عليها أمها وسألتها عن حالها وأقامت عندها إلى المساء ، وأما الملكة بدور فإنها لما أصبحت قامت وذهبت إلى الحمام واغتسلت وصلت الصبح ثم توجهت إلى مجلس الحكومة وجلست على كرسي المملكة وحكمت بين الناس ، فلما سمع الملك أرمانوس الزغاريد سأل عن الخبر فأخبروه بافتضاض بكارة ابنته ففرح بذلك واتسع صدره وانشرح وأولم الولائم ولم يزالوا على تلك الحالة مدة من الزمان .
هذا ما كان من أمرهما .
وأما ما كان من أمر الملك شهرمان فإنه بعد خروج ولده إلى الصيد والقنص هو ومرزوان كما تقدم صبر حتى أقبل عليه الليل فلم يجيء ولده فتحير عقله ولم ينم تلك الليلة وقلق غاية القلق وزاد وجده واحترق وما صدق أن الفجر انشق حتى أصبح ينتظر ولده إلى نصف النهار فلم يجيء فأحس بقلبه بالفراق والتهب على ولده من الإشفاق ثم بكى حتى بل ثيابه وأنشد من قلب مصدوع :
مازلت معترضاً على أهل الهوى ........ حتى بليت بحـلـوه وبـمـره
وشربت كأس مراره متجـرعـاً ........ وذللت فيه لعـبـده ولـحـره
نذر الزمان بأن يفرق شمـلـنـا ........ والآن قد أوفى الزمان بـنـذره
فلما فرغ من شعره مسح دموعه ونادى في عسكره بالرحيل والحث على السفر الطويل فركب الجيش جميعه وخرج السلطان وهو محترق القلب على ولده قمر الزمان وقلبه بالحزن ملآن ثم فرق جيشه يميناً وشمالاً وأماماً وخلف ست فرق وقال لهم الاجتماع غداً عند مفرق الطريق فتفرقت الجيوش والعسكر كما ذكرنا وسافرت الخيول ولم يزالوا مسافرين بقية النهار إلى أن جن الليل فساروا جميع الليل إلى نصف النهار حتى وصلوا إلى مفرق طرق فلم يعرفوا أي طريق سلكها ثم رأوا أثر أقمشة مقطعة ورأوا اللحم مقطعاً ونظروا أثر الدم باقياً وشاهدوا كل قطعة من الثياب واللحم في ناحية فلما رأى الملك شهرمان ذلك صرخ صرخة عظيمة من صميم القلب وقال وا ولداه ولطم على وجهه ونتف لحيته ومزق أثوابه وأيقن بموت ولده وزاد في البكاء والنحيب وبكت لبكائه العساكر وكلهم أيقنوا بهلاك قمر الزمان وحثوا على رؤوسهم التراب ودخل عليهم الليل وهم في بكاء ونحيب حتى أشرفوا على الهلاك واحترق قلب الملك بلهيب الزفرات وأنشد هذه الأبيات :
لا تعذلوا المحزون في أحزانه ........ فلقد جفاه الوجد من أشجانـه
يبكي لفرط تأسف وتـوجـع ........ وغرامه ينبيك عن نـيرانـه
يا سعد من لمتيم حلف الضنى ........ أن لا يزيل الدمع من أجفانه
يبدي الغرام لفقد بدر زاهـر ........ بضيائه يزهو على أقرانـه
ولقد سقاه الموت كأساً مترعاً ........ يوم الرحيل فشط عن أوطانه
فلما فرغ من إنشاده رحل بجيوشه إلى مدينته .


 

رد مع اقتباس