عرض مشاركة واحدة
قديم 10-06-2009, 05:55 AM   #334
الفجر البعيد
الزوار


الصورة الرمزية الفجر البعيد

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية :
 أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
 المشاركات : n/a [ + ]
لوني المفضل : Cadetblue


تكملة حكاية علاء الدين أبو الشامات

الليلة الثالثة عشرة بعد الثلاثمائة

قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن الخليفة قال لأحمد الدنف :
ألزمتك أن تجيء به .
فقال أحمد الدنف :
سمعاً وطاعة .
فأمر له الخليفة بعشرة آلاف دينار ، وسار متوجهاً إلى الإسكندرية .
هذا ما كان من أمر أصلان .
وأما ما كان من أمر والده علاء الدين أبي الشامات فإنه باع ما كان في الدكان كله جميعه ولم يبق في الدكان إلا القليل وجراب قديم ، فنفض الجراب فنزلت منه خرزة تملأ الكف في سلسلة من الذهب ولها خمسة وجوه وعليها أسماء وطلاسم كدبيب النمل فدعك الخمسة وجوه فلم يجاوبه أحد فقال في نفسه :
لعلها خرزة من جزع .
ثم علقها في الدكان وإذا بقنصل فائت في الطريق فرفع بصره فرأى الخرزة معلقة على دكان علاء الدين وقال له :
يا سيدي هل هذه الخرزة للبيع .
فقال له علاء الدين :
جميع ما عندي للبيع .
فقال له القنصل :
أتبيعني إياها بثمانين ألف دينار ?
فقال علاء الدين :
يفتح الله .
فقال له القنصل :
أتبيعها بمائة ألف دينار ?
فقال علاء الدين :
بعتها لك بمائة ألف دينار فانقدني الدنانير .
فقال له القنصل :
ما أقدر أن أحمل ثمنها معي والإسكندرية فيها حرامية وشرطية فأنت تروح معي إلى مركبي وأعطي لك الثمن ورزمة صوف أنجوري ورزمة أطلس ورزمة قطيفة ورزمة خوخ .
فقام علاء الدين وقفل الدكان بعد أن أعطاه الخرزة وأعطى المفاتيح لجاره وقال له :
خذ هذه المفاتيح عندك أمانة حتى أروح إلى المركب مع هذا القنصل وأجيء بثمن خرزتي فإن عوقت عنك وورد المقدم أحمد الدنف الذي كان وطنني في هذا المكان فأعطه المفاتيح وأخبره بذلك .
ثم توجه مع قنصل إلى المركب فلما نزل إلى المركب نصب له كرسياً وأجلسه عليه وقال :
هاتوا المال .
فدفع الثمن والخمس رزم التي وعده بها ، وقال له :
يا سيدي أقصد جبري بلقمة أو شربة ماء .
فقال علاء الدين :
إن كان عندك ماء فاسقني .
فأمر بالشرابات فإذا فيها بنج فلما شرب انقلب على ظهره ، فرفعوا الكراسي وحطوا المداري وحلوا القلوع وأسعفته الرياح حتى وصلوا إلى وسط البحر فأمر القبطان بطلوع علاء الدين من الطنبر فطلعوه وشمموه ضد البنج ففتح عينيه وقال :
أين أنا ?
فقال له القنصل :
أنت معي مربوط وديعة ولو كنت تقول يفتح الله لكنت أزيدك .
فقال له علاء الدين :
ما صناعتك ?
فقال له القنصل :
أنا قبطان ومرادي أن آخذك إلى حبيبة قلبي .
فبينما هما في الكلام وإذا بمركب فيها أربعون من تجار المسلمين فطلع القبطان بمركبه عليهم ووضع الكلاليب في مراكبهم ونزل هو ورجاله فنهبوها وأخذوها وساروا بها إلى مدينة جنوة فأقبل القبطان الذي معه علاء الدين إلى باب قصر قيطون وإذا بصبية نازلة وهي ضاربة لثاماً فقالت له :
هل جئت بالخرزة وصاحبها ?
فقال لها القبطان :
جئت بهما .
فقالت له الصبية :
هات الخرزة .
فأعطاها لها وتوجه إلى الميناء وضرب مدافع السلامة فعلم ملك المدينة بوصول ذلك القبطان ، فخرج إلى مقابلته وقال له :
كيف كانت سفرتك ?
فقال له القبطان :
كانت طيبة جداً وقد كسبت فيها مركباً واحداً وأربعون من تجار المسلمين .
فقال له الملك :
أخرجهم إلى المدينة .
فأخرجهم في الحديد ومن جملتهم علاء الدين ، وركب الملك هو والقبطان وأمشوهم قدامهم إلى أن وصلوا إلى الديوان وقدموا أول واحد .
فقال له الملك :
من أين يا مسلم ؟
فقال التاجر :
من الإسكندرية .
فقال الملك :
يا سياف اقتله .
فرمى رقبته والثاني والثالث هكذا إلى تمام الأربعين وكان علاء الدين في آخرهم فشرب حسرتهم ، وقال لنفسه :
رحمة الله عليك يا علاء الدين فرغ عمرك .
فقال له الملك :
وأنت من أي البلاد ؟
فقال علاء الدين :
من الإسكندرية .
فقال الملك :
يا سياف ارم عنقه .
فرفع السياف يده بالسيف وأراد أن يرمي رقبة علاء الدين وإذا بعجوز ذات هيبة تقدمت بين أيادي الملك فقام إليها تعظيماً لها .
فقالت العجوز :
يا ملك الزمان أما قلت لك لما يجيء القبطان بالأسارى تذكر الدير بأسيرين يخدمان في الكنيسة .
فقال لها الملك :
يا أمي ليتك سبقت بساعة ولكن خذي هذا الأسير الذي فضل .
فالتفتت إلى علاء الدين وقالت له :
هل أنت تخدم في الكنيسة أو أخلي الملك يقتلك .
فقال لها علاء الدين :
أنا أخدم في الكنيسة .
فأخذته وطلعت به من الديوان وتوجهت إلى الكنيسة فقال لها علاء الدين :
ما أعمل من الخدمة .
فقالت له العجوز :
تقوم في الصبح وتأخذ خمسة بغال وتسير بها إلى الغابة وتقطع ناشف الحطب وتكسره وتجيء به إلى مطبخ الدير وبعد ذلك تلم البسط وتكنس وتمسح البلاط وترد الفرش مثل ما كان وتأخذ نصف إردب قمح وتغربله وتطحنه وتعمله منينات للدير وتأخذ وجبة عدس تغربلها وتدشها وتطبخها ثم تملأ الأربع فساقي ماء وتحول بالبرميل وتملأ ثلثمائة وست وستين قطعة وتفت فيها المنينات وتسقيها من العدس وتدخل لكل راهب أو بطريق قصعته .
فقال لها علاء الدين :
رديني إلى الملك وخليه يقتلني أسهل لي من هذه الخدمة .
فقالت له العجوز :
إن خدمت ووفيت الخدمة التي عليك خلصت من القتل وإن لم توف خليت الملك يقتلك .
فقعد علاء الدين حامل الهم وكان في الكنيسة عشر عميان مكسحين فقال له واحد منهم :
هات لي قصرية .
فأتى له فتغوط فيها وقال له :
ارم الغائط .
فرماه فقال له :
يبارك فيك المسيح يا خدام الكنيسة .
وإذا بالعجوز أقبلت وقالت له :
لأي شيء ما وفيت الخدمة في الكنيسة .
فقال لها علاء الدين :
أنا لي كم يد على عمل هذه الخدمة .
فقالت له العجوز :
يا مجنون أنا ما جئت بك للخدمة .
ثم قالت له العجوز :
خذ يا ابني هذا القضيب .
وكان من النحاس وفي رأسه صليب .
ثم قالت له :
خذه واخرج إلى الشارع فإذا قابلك والي البلد فقل له أني أدعوك إلى خدمة الكنيسة من أجل السيد المسيح فإنه لا يخالفك فخليه يأخذ القمح ويغربله ويطحنه وينخله ويخبزه منينات وكل من يخالفك اضربه ولا تخف أحد .
فقال علاء الدين :
سمعاً وطاعة .
وعمل كما قالت ولم يزل يسخر الأكابر والأصاغر مدة سبعة عشر عاماً فبينما هو قاعد في الكنيسة وإذا بالعجوز داخلة عليه فقالت له :
اطلع إلى خراج الدير .
فقال لها علاء الدين :
أين أروح .
فقالت له العجوز :
بت هذه الليلة في خمارة أو عند واحد من أصحابك .
فقال لها علاء الدين :
لأي شيء تطرديني من الكنيسة .
فقالت له العجوز :
أن حسن مريم بنت الملك يوحنا ملك هذه المدينة مرادها أن تدخل الكنيسة للزيارة ، ولا ينبغي أن تقعد في طريقها .
فامتثل لكلامها وقام وأراها أنه رائح إلى خارج الكنيسة وقال في نفسه :
يا هل ترى بنت الملك مثل نسائنا أو أحسن منهن فأنا لا أروح حتى أتفرج عليها .
فاختفى في مخدع له طاقة تطل على الكنيسة .
فبينما هو ينتظر في الكنيسة وإذا ببنت الملك مقبلة ، فنظر إليها نظرة أعقبته ألف حسرة لأنه وجدها كأنها البدر إذا بزغ من تحت الغمام وصحبتها صبية .


 

رد مع اقتباس