عرض مشاركة واحدة
قديم 11-06-2009, 09:39 AM   #352
الفجر البعيد
الزوار


الصورة الرمزية الفجر البعيد

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية :
 أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
 المشاركات : n/a [ + ]
لوني المفضل : Cadetblue


الليلة الحادية والثلاثين بعد الثلاثمائة

قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن الخليفة الثاني لما سمع شعر الجارية صرخ صرخة عظيمة وشق ما عليه من ثياب وخر مغشياً عليه فأرادوا أن يرخوا عليه الستارة بحسب العادة فتوقفت حبالها فلاحت من هارون الرشيد التفاتة إليه فنظر إلى بدنه آثار ضرب مقارع فقال هارون الرشيد بعد النظر والتأكيد :
يا جعفر والله إنه شاب مليح إلا انه لص قبيح .
فقال جعفر :
من أين عرفت ذلك يا أمير المؤمنين ?
فقال هارون الرشيد :
أما رأيت ما على جنبيه من أثر السياط .
ثم أسبلوا عليه الستارة وأتوه ببدلة غير التي كانت عليه واستوى جالساً على حالته الأولى مع الندماء فلاحت منه التفاتة فوجد الخليفة وجعفر يتحدثان سراً فقال لهما :
ما الخبر يا فتيان ?
فقال الوزير جعفر :
يا مولانا خيراً ، غير أنه لا خفاء عليك إن رفيقي هذا من التجار وقد سافر جميع الأمصار والأقطار وصحب الملوك والخيار وهو يقول لي :
إن الذي حصل من مولانا الخليفة في هذه الليلة إسراف عظيم ولم أر أحداً فعل مثل فعله في سائر الأقاليم ، لأنه شق كذا وكذا بدلة كل بدلة بألف دينار وهذا إسراف زائد .
فقال الخليفة الثاني :
يا هذاإن المال مالي والقماش قماشي وهذا من بعض الإنعام على الخدام والحواشي فإن كل بدلة شققتها لواحد من الندماء الحضار وقد رسمت لهم مع كل بدلة بخمسمائة دينار .
فقال الوزير جعفر : نعم ما فعلت يا مولانا .
ثم أنشد هذين البيتين :
بنت المكارم وسط كفك منزلا ........ وجعلت كالك للأنام مباحـا
فإذا المكارم أغلقت أبوابهـا ........ كانت يداك لقفلها مفتـاحـا
فلما سمع الشاب هذا الشعر من الوزير جعفر رسم له بألف دينار وبدلة ثم دارت بينهم الأقداح وطاب لهم الراح ، فقال الرشيد :
يا جعفر اسأله عن الضرب الذي على جنبيه حتى ننظر ما يقول في جوابه .
فقال الوزير جعفر :
لا تعجل يا مولاي وترفق بنفسك فإن الصبر أجمل .
فقال هارون الرشيد :
وحياة رأسي وتربة العباس إن لم تسأله لأخمدن منك الأنفاس .
فعند ذلك التفت الشاب إلى الوزير وقال له :
مالك مع رفيقك تتساوران فأخبرني بشأنكما ?
فقال الوزير جعفر :
خير .
فقال الخليفة الثاني :
سألتك بالله أن تخبرني بخبركما ولا تكتما عني شيئاً من امركما .
فقال الوزير جعفر :
يا مولاي إنه أبصر على جنبيك ضرباً وأثر سياط ومقارع فتعجب من ذلك غاية العجب وقال :
كيف يضرب الخليفة وقصده أن يعلم ما السبب ?
فلما سمع الشاب ذلك تبسم وقال :
اعلموا أن حديثي غريب وأمري عجيب لو كتب بالإبر على أفاق البصر لكان عبرة لمن اعتبر .
ثم صعد الزفرات وانشد هذه الأبيات :
حديثي عجيب فاق كل العـجـائب ........ وحق الهوى ضاقت على مذاهبي
فإن شئتموا أن تسمعوا لي فأنصتوا ........ ويسكت هذا الجمع من كل جانب
واصغوا إلى قولي ففـيه إشـارة ........ وإن كلامي صادق غـير كـاذب
فإني قتـيل مـن غـرام ولـوعة ........ وقاتلتي فاقت جميع الكـواكـب
لها مقلة كحلاء مـثـل مـهـنـد ........ وترمي سهاماً من قسي الحواجب
وقد حس قلبي أن فيكم أمـامـنـا ........ خليفة هذا الوقت وابن الأطـايب
وثانيكم هو المنادي بـجـعـفـر ........ لديه وزير صاحب وابن الأصاحب
وثالثكم مسـرور سـياف نـقـمة ........ فإن كان هذا القول ليس بكـاذب
لقد نلت ما أرجو من المر كـلـه ........ وجاء سرور القلب من كل جانـب
فلما سمعا منه هذا الكلام حلف له جعفر وروى في يمينه أنهم لم يكونوا المذكورين فضحك الشاب وقال :
اعلموا يا سادتي أني لست أمير المؤمنين وغنما سميت نفسي بهذا لأبلغ ما أريد من أولاد المدينة وإنما اسمي محمد علي بن علي الجواهري وكان أبي من الأعيان فمات وخلف لي مالاً كثيراً من ذهب وفضة ولؤلؤ ومرجان وياقوت وزبرجد وجواهر وعقارات وحمامات وغيطان وبساتين ودكاكين وطوابين وعبيد وجواري وغلمان فاتفق في بعض الأيام إني كنت جالساً في دكاني وحولي الخدم والحشم وإذا بجارية قد أقبلت راكبة على بغلة وفي خدمتها ثلاث جوار كأنهن الأقمار .
فلما قربت مني نزلت على دكاني وجلست عندي وقالت لي :
هل أنت محمد الجوهري ?
فقلت لها : نعم هو أنا مملوكك وعبدك .
فقالت الجارية :
هل عندك جوهر يصلح لي ?
فقلت لها : يا سيدتي الذي عندي أعرضه عليك وأحضره بين يديك فإن أعجبك منه شيء كان بسعد المملوك وإن لم يعجبك شيء فبسوء حظي .
وكان عندي مائة عقد من الجوهر فعرضت عليها الجميع فلم يعجبها شيء من ذلك وقالت :
أريد أحسن مما رأيت .
وكان عندي عقد صغير اشتراه والدي بمائة ألف دينار ولم يوجد مثله عند أحد من السلاطين الكبار ، فقلت لها :
يا سيدتي بقي عندي عقد من الفصوص والجواهر التي لا يملك مثلها أحد من الأكابر والأصاغر .
فقالت لي :
أرني إياه .
فلما رأته قالت :
هذا مطلوبي وهو الذي طول عمري أتمناه .
ثم قالت لي :
كم ثمنه ?
فقلت لها :
ثمنه على والدي مائة ألف دينار .
فقالت الجارية :
ولك خمسة آلاف دينار فائدة .
فقلت لها :
يا سيدتي العقد وصاحبه بين يديك ولا خلاف عندي .
فقالت الجارية :
لابد من الفائدة ولك المنة الزائدة .
ثم قامت من وقتها وركبت البغلة بسرعة وقالت لي :
يا سيدي باسم الله تفضل صحبتنا لتأخذ الثمن فإن نهارك اليوم بنا مثل اللبن .
فقمت وأقفلت الدكان وسرت معها في أمان إلى أن وصلنا الدار فوجدتها داراً عليها آثار السعادة لائحة وبابها مزركش بالذهب والفضة واللازورد مكتوب عليه هذان البيتان :
ألا يا دار لا يدخلـك حـزن ........ ولا يغدر بصاحبك الزمـان
فنعم الدار أنت لكل ضـيف ........ إذا ما ضاق بالضيف المكان
فنزلت الجارية ودخلت الدار وأمرتني بالجلوس على مصطبة الباب إلى أن يأتي الصيرفي ، فجلست على باب الدار ساعة وإذا بجارية خرجت إلي وقالت :
يا سيدي أدخل الدهليز فإن جلوسك على الباب قبيح .
فقمت ودخلت الدهليز وجلست على الدكة ، فبينما أنا جالس إذا بجارية خرجت إلي وقالت لي :
يا سيدي إن سيدتي تقول لك ادخل واجلس على باب الديوان حتى تقبض مالك .
فقمت ودخلت البيت وجلست لحظة وإذا بكرسي من الذهب وعليه ستارة من الحرير وإذا بتلك الستارة قد رفعت فبان من تحتها تلك الجارية التي اشترت مني ذلك العقد وقد أسفرت عن وجه كأنه دارة القمر والعقد في عنقها فطاش عقلي واندهش لبي من تلك الجارية لفرط حسنها وجمالها .
فلما رأتني قامت من فوق الكرسي وسعت نحوي وقالت لي :
يا نور عيني هل كان من كان مليح مثلك ما يرثي لمحبوبته .
فقلت لها :
يا سيدتي الحسن كله فيك وهو من بعض معانيك .
فقالت الجارية :
يا جوهري ، اعلم أني أحبك وما صدقت أني أجيء بك عندي .
ثم إنها مالت علي فقبلتها وقبلتني وإلى جهتها جذبتني وعلى صدرها رمتني .


 

رد مع اقتباس