عرض مشاركة واحدة
قديم 11-06-2009, 09:41 AM   #355
الفجر البعيد
الزوار


الصورة الرمزية الفجر البعيد

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية :
 أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
 المشاركات : n/a [ + ]
لوني المفضل : Cadetblue


الليلة الرابعة والثلاثين بعد الثلاثمائة

قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن محمد الجواهري قال :
فتقدم العبد وشرط من ذيله رقعة وعصب عيني وأراد أن يضرب عنقي فقامت إليها الجواري الكبار والصغار وقلن لها :
يا سيدتنا ليس هذا أول من أخطأ وهو لا يعرف خلقك وما فعل ذنباً يوجب القتل .
فقالت دنيا :
والله لابد أن أعمل فيه أثراً .
ثم أمرت أن يضربوني فضربوني على أضلاعي وهذا الذي رأيتموه أثر ذلك الضرب وبعد ذلك أمرت بإخراجي فأخرجوني وأبعدوني عن القصر ورموني فحملت نفسي ومشيت قليلاً حتى وصلت إلى منزلي وأحضرت جراحاً وأريته الضرب فلاطفني وسعى في مداواتي .
فلما شفيت ودخلت الحمام وزالت عني الأوجاع والأسقام جئت إلى الدكان وأخذت جميع ما فيه وبعته وجمعت ثمنه واشتريت لي أربعمائة مملوك فما جمعهم أحد من الملوك وصار يركب معي منهم في كل يوم مائتان وعملت هذا الزورق وصرفت عليه خمسة آلاف دينار من الذهب وسميت نفسي بالخليفة ورتبت من معي من الخدم واحد في وظيفة واحد من أتباع الخليفة وهيأته بهيئته وناديت كل من يتفرج في الدجلة ضربت عنقه بلا مهلة ولي على هذه الحال سنة كاملة وأنا لم أسمع لها خبراً ولم أقف لها على أثر .
ثم إنه بكى وأفاض العبرات وأنشد هذه الأبيات :
والله ما كنت طول الدهر ناسيها ........ ولا دنوت إلى من ليس يدنيهـا
كأنها البدر في تكوين خلقتـهـا ........ سبحان خالقها سبحان بـاريها
قد صيرتني حزيناً ساهراً دنفـاً ........ والقلب قد حار مني في معانيها
فلما سمع هارون الرشيد كلامه وعرف وجده ولوعته وغرامه تدله ولهاً وتخير عجباً وقال :
سبحان الله الذي جعل لكل شيء سبباً .
ثم إنهم استأذنوا الشاب في الإنصراف فأذن لهم وأضمر له الرشيد على الإنصاف وأن يتحفه غاية الإتحاف .
ثم انصرفوا من عنده سائرين وإلى محل الخلافة متوجهين فلما استقر بهم الجلوس وغيروا ما عليهم من الملبوس ولبسوا أثواب المواكب ووقف بين أيديهم مسرور سياف النقمة قال الخليفة لجعفر :
يا وزير ، علي بالشاب الذي كنا عنده في الليلة الماضية .
فقال الوزير جعفر :
سمعاً وطاعة .
ثم توجه إليه وسلم عليه وقال له :
أجب أمير المؤمنين الخليفة هارون الرشيد .
فسار معه إلى القصر ، وهو من الترسيم عليه في حضر فلما دخل على الخليفة قبل الأرض بين يديه ودعا له بدوام العز والإقبال وبلوغ الآمال ودوام النعم وإزالة البؤس والنقم ، وقد أحسن ما به تكلم حيث قال :
السلام عليك يا أمير المؤمنين وحامي حومة الدين .
ثم أنشد هذين البيتين :
لا زال باب كعـبة مقصـودة ........ وترابها فوق الجباه رسـوم
حتى يناديك في البلاد بأسرها ........ هذا المقام وأنت ابـراهـيم
فتبسم الخليفة في وجهه ورد عليه السلام والتفت إليه بعين الإكرام وقربه لديه وأجلسه بين يديه وقال له :
يا محمد علي أريد منك أن تحدثني بما وقع لك في هذه الليلة فإنه من العجائب وبديع الغرائب .
فقال الشاب :
العفو يا أمير المؤمنين أعطني منديل الأمان ليسكن روعي ويطمئن قلبي .
فقال له الخليفة :
عليك الأمان من الخوف والأحزان .
فشرع الشاب يحدثه بالذي حصل له من أوله إلى آخره فعلم أن الصبي عاشق وللمعشوق مفارق فقال له :
أتحب أن أردها عليك ?
قال محمد الجوهري :
هذا من فضل أمير المؤمنين .
ثم أنشد هذين البيتين :
ألثم أنامله فلسـن أنـامـلاً ........ لكنهن كفـاتـح الأرزاق
وأشكر صنائعه فلسن صنائعاً ........ لكنهـن قـلائد أعـنـاق
فعند ذلك التفت الخليفة إلى الوزير وقال له :
يا جعفر أحضر لي أختك دنيا بنت الوزير يحيى بن خالد .
فقال الوزير جعفر :
سمعاً وطاعة يا أمير المؤمنين .
ثم أحضرها في الوقت والساعة فلما تمثلت بين يديه قال لها الخليفة :
أتعرفين من هذا ?
قالت دنيا :
يا أمير المؤمنين من أين للنساء معرفة الرجال ?
فتبسم الخليفة وقال لها :
يا دنيا هذا حبيبك محمد بن علي الجوهري وقد عرفنا وسمعنا الحكاية من أولها إلى آخرها وفهمنا ظاهرها والأمر لا يخفى وعنا كان مستوراً .
فقالت دنيا :
يا أمير المؤمنين كان ذلك في الكتاب مسطوراً وأنا أستغفر الله العظيم مما جرى مني وأسألك من فضلك العفو عني .
فضحك الخليفة هارون الرشيد وأحضر القاضي والشهود وجدد عقدها على زوجها محمد بن علي الجوهري وحصل لها وله سعد السعود وإكماد الحسود وجعله من جملة ندمائه واستمروا في سرور ولذة وحبور إلى أن أتاهم هازم اللذات ومفرق الجماعات .

حكاية هارون الرشيد مع علي العجمي
وما يتبع ذلك من حديث الجراب الكردي

ومما يحكى أيضاً أن الخليفة هارون الرشيد قلق ليلة من الليالي فاستدعى بوزيره فلما حضر بين يديه قال له :
يا جعفر إني قلقت الليلة قلقاً عظيماً وضاق صدري وأريد منك شيئاً يسر خاطري وينشرح به صدري .
فقال له جعفر : يا أمير المؤمنين إن لي صديقاً اسمه علي العجمي وعنده من الحكايات والأخبار المطربة ما يسر النفوس ويزيل عن القلب البؤس .
فقال له هارون الرشيد :
علي به .
فقال الوزير جعفر :
سمعاً طاعة .
ثم إن جعفر خرج من عند الخليفة في طلب العجمي فأرسل خلفه فلما حضر قال له :
أجب أمير المؤمنين .
فقال العجمي :
سمعاً وطاعة .


 

رد مع اقتباس