عرض مشاركة واحدة
قديم 11-06-2009, 09:45 AM   #362
الفجر البعيد
الزوار


الصورة الرمزية الفجر البعيد

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية :
 أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
 المشاركات : n/a [ + ]
لوني المفضل : Cadetblue


الليلة الحادية والأربعين بعد الثلاثمائة

قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن أبا محمد الكسلان قال للخليفة :
يا أمير المؤمنين اسمع حديثي فإنه عجيب وأمره غريب لو كتب بالإبر على آفاق البصر لكان عبرة لمن اعتبر .
فقال الرشيد :
حدث بما عندك وأخبرني به يا أبا محمد .
فقال أبو محمد الكسلان :
يا أمير المؤمنين أدام الله لك العز والتمكين إن أخبار الناس بأني أعرف بالكسلان وأن أبي لم يخلف لي مالاً صدق لأن أبي لم يكن إلا كما ذكرت فإنه كان حلاقاً في حمام وكنت أنا في صغري أكسل من يوجد على وجه الأرض وقد بلغ من كسلي أني كنت نائماً في أيام الحر وطلعت علي الشمس أكسل عن أن أقوم وانتقل من الشمس إلى الظل .
وأقمت على ذلك خمسة عشر عاماً ، ثم إن أبي توفي إلى رحمة الله تعالى ولم يخلف لي شيئاً ، وكانت أمي تخدم الناس وتطعمني وتسقيني وأنا راقد على جنبي ، فاتفق أن أمي دخلت علي في بعض الأيام ومعها خمسة دراهم من الفضة وقالت لي :
يا ولدي بلغني أن الشيخ أبا المظفر عزم على أن يسافر إلى الصين وكان ذلك الشيخ يحب الفقراء وهو من أهل الخير ، يا ولدي خذ هذه الخمسة دراهم وامض بنا إليه ، واسأله أن يشتري لك بها شيئاً من بلاد الصين لعله يحصل لك فيه ربح من فضل الله تعالى .
فكسلت عن القيام معها فأقسمت بالله إن لم أقم معها لا تطعمني ولا تسقيني ولا تدخل علي بل تتركني أموت جوعاً وعطشاً .
فلما سمعت كلامها يا أمير المؤمنين علمت أنها تفعل ذلك لما تعلم من كسلي فقلت لها :
أقعديني .
فأقعدتني وأنا باكي العين وقلت لها :
ائتيني بمداسي .
فأتتني به .
فقلت لها :
ضعيه في رجلاي .
فوضعته فيهما ، فقلت لها :
احمليني حتى ترفعيني من الأرض .
ففعلت ذلك فقلت لها :
اسنديني حتى أمشي .
فصارت تسندني وما زلت أمشي وأتعثر في أذيالي إلى أن وصلنا إلى ساحل البحر فسلمنا على الشيخ وقلت له :
يا عم أنت أبو المظفر ?
قال الشيخ :
لبيك .
قلت له :
خذ هذه الدراهم واشتر لي بها شيئاً من بلاد الصين عسى الله يربحني فيه .
فقال الشيخ أبو المظفر لأصحابه :
أتعرفون هذا الشاب ?
قالوا أصحابه :
نعم ، هذا يعرف بأبي محمد الكسلان ما رأيناه قط خرج من دار إلا في هذا الوقت .
فقال الشيخ أبو المظفر :
يا ولدي هات الدراهم على بركة الله .
ثم أخذ مني الدراهم وقال :
باسم الله .
ثم رجعت مع أمي إلى البيت وتوجه الشيخ أبو المظفر إلى السفر ومعه جماعة من التجار ولم يزالوا مسافرين حتى وصلوا إلى بلاد الصين ثم إن الشيخ باع واشترى وبعد عزم على الرجوع هو ومن معه بعد قضاء أغراضهم وساروا في البحر ثلاثة أيام فقال الشيخ لأصحابه :
قفوا بالمركب .
فقال التجار له :
ما حاجتك ؟
فقال الشيخ أبو المظفر :
اعلموا أن الرسالة التي معي لأبي محمد الكسلان نسيتها فارجعوا بنا حتى نشتري له شيئاً حتى ينتفع به .
فقالوا التجار له :
سألناك بالله تعالى أن لا تردنا فإننا قطعنا مسافة طويلة زائدة وحصل لنا في ذلك أهوال عظيمة ومشقة زائدة .
فقال الشيخ أبو المظفر :
لابد لنا من الرجوع .
فقالوا التجار له :
خذ منا أضعاف ربح الخمسة دراهم ولا تردنا .
فسمع منهم وجمعوا له مالاً جزيلاً ثم ساروا حتى أشرفوا على جزيرة فيها خلق كثير فأرسوا عليها وطلع التجار يشترون منها متجراً من معادن وجواهر ولؤلؤ وغير ذلك .
ثم رأى أبو المظفر رجلاً جالساً وبين يديه قرود كثيرة وبينهم قرد منتوف الشعر وكانت تلك القرود كلما غفل صاحبهم يمسكون ذلك القرد المنتوف ويضربونه ويرمونه على صاحبهم فيقوم ويضربهم ويقيدهم ويعذبهم على ذلك فتغتاظ القرود كلها من ذلك القرد ويضربونه .
ثم إن الشيخ أبا المظفر لم رأى ذلك القرد حزن عليه ورفق به فقال لصاحبه :
أتبيعني هذا القرد ؟
قال الرجل :
اشتر .
قال الشيخ أبو المظفر :
إن معي لصبي يتيم خمسة دراهم هل تبيعني إياه بها ؟
قال له الرجل :
بعتك بارك الله لك فيه .
ثم تسلمه وأقبضه الدراهم وأخذ عبيد الشيخ القرد وربطوه في المركب .
ثم حلوا وسافروا إلى جزيرة أخرى فارسوا عليها فنزل الغطاسون الذين يغطسون على المعادن واللؤلؤ والجوهر وغير ذلك فأعطاهم التجار دراهم أجرة على الغطاس فغطسوا فرآهم القرد يفعلون ذلك فحل نفسه من رباطه ونط من المركب وغطس معهم ، فقال أبو المظفر :
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم قد عدم القرد منا ببخت هذا المسكين الذي أخذناه له .
ويأسوا على القرد ، ثم طلع جماعة من الغطاسين وإذا بالقرد طالع معهم وفي يده نفائس الجواهر فرماها بين يدي أبي المظفر فتعجب من ذلك وقال :
إن هذا القرد فيه سر عظيم .
ثم حلوا وسافروا إلى أن وصلوا إلى جزيرة الزنوج وهم قوم من السودان يأكلون لحم بني آدم ، فلما رأوهم السودان ركبوا عليهم في المراكب وكتفوهم واتوا بهم إلى الملك فأمر بذبح جماعة من التجار فذبحوهم وأكلوا لحومهم ثم عن بقية التجار باتوا محبوسين وهم في نكد عظيم فلما كان وقت الليل قام القرد إلى أبي المظفر وحل قيده ، فلما رأى التجار أبا المظفر قد انحل قالوا :
عسى الله أن يكون خلاصنا على يديك يا أبا المظفر .
فقال لهم :
اعلموا أنه ما خلصني بإرادة الله تعالى إلا هذا القرد .


 

رد مع اقتباس