عرض مشاركة واحدة
قديم 16-07-2009, 02:59 AM   #3
سمير ساهر
عضـو مُـبـدع


الصورة الرمزية سمير ساهر
سمير ساهر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 28244
 تاريخ التسجيل :  07 2009
 أخر زيارة : 17-07-2011 (06:26 PM)
 المشاركات : 526 [ + ]
 التقييم :  50
لوني المفضل : Cadetblue


فقال لها خالد: استحي يا بنت، أنظري إلى أمي فهي تصلي هناك، ألا تخشين أنْ تراك، ولكنَّها لم تبالِ، لا بوجود أمه، ولا بصلاتها، وهذا ما جعل خالد يقول لها: ابتعدي عني، ثم أنَّ رائحة ملابسها الكريهة، يُكْثِر من قول ابتعدي عني، فيبدو أنَّها تنام بملابسها، وتعمل بها، فلا تغسلها، بعكس أختها الكبيرة، فملابسها ذات رائحة جميلة، ولكن رغم أنَّ خالدا قال لها ابتعدي وأكْثَر من قول ابتعدي لها؛ إلا أنَّه تمنى لو لم تكن أمه معه في هذه اللحظة، علما أنَّ قُبْح الخادمة، ورائحة ملابسها، لا يستحقان أُمْنِيَته التي تَمَنَّاها، وفي هذه الأثناء أنهت أمه الصلاة، وجاءت إلى الصالة فجلست، وبدأوا يشاهدون برنامجا في التلفاز، وبعد عدة دقائق سمعوا رنينا بجانب الباب، فقام خالد ليرى من الرَّان، ولمَّا فتح الباب، وجد أخت الخدامه، فدخلت وبدأت تُرَتِّبُ المُرَتَّب، وتُنَظِّم المُنَظَّم، وتُكَنِّس المُكَنَّس، وتُنَظِّف المُنَظَّف، ثم ذهبتا، وعلى الساعة التاسعة تقريبا، ذهب خالد إلى الحانوت ليشترى طعاما، فدخل خالد الحانوت، وبدأ يلتفت إلى الرفوف، ليختار ما يراه مناسبا للشراء، فوضع عبوة منجو في قرطاس، ولبنية أيضا، ثم سأل صاحبَ الحانوت، أين الجبنة؟
قال: في آخر وسط الحانوت، وأشَّر بأصبعه إلى مكانها، كما أنَّه كان يتحرك صوبها، فطلبَ منه خالد أنْ يعطيه ست قطعات، وفعل، ولمَّا انتهى خالد من تجميع ما أراد شراءه، أخذها إلى المحاسب، بل إلى المحاسبة، فاليوم بعكس أمس يوجد محاسبة لا محاسب، وهي تبدو بنت المحاسب الذي اشترى منه خالد في الليلة الفائتة، وكانت لابسة حجابا جميلا، وقميصا آخاذا، وإزارا طويلا جذابا، وقد كان لون وجهها أسمر جميل..
لمَّا وضع خالدٌ أغراضه أمام المحاسبة، بدأت تحسب ثمنها، وشَعَر خالد أنَّه نسيَّ شيئا، فسألها عن مكان الطونة، فأجابته، ولمَّا عاد ومعه الطونة، سألته: هل أنت من ليبيا، وكانت ابتسامة خيفة على مُحَيَّاها؟
فقال: لا، بل أنا فلسطيني، قالها بتساوق مع ابتسامة خفيفة تعلو محياه، رغم أنَّه قليلا ما يبتسم، فالتحضاك يمكن أنْ يخرج من كمونه، كما أنَّ التشفاذ الذي يمكن أن يسْكُن قليلا، يمكن أنْ يهب هبة لا تبقي ابتسامه ولا تذر، لا بل لا تبقى وجها محايدا ولا تذر.. ولمَّا انتهت من الحساب، دفع خالد الثمن وذهب، ولكن لم يذهب كل خالد من الحانوت، ففكره بقيَّ مربوطا مع البنت المحاسبة في الحانوت، حيث كان يقول في نفسه، هذا هو الجمال الحقيقي، فالذين يؤثرون البياض على السَّمَار ذوي ذوق معقور، فالسَّمَار يَجْذِب أصحاب الذوق السليم، ثم أنَّ تفضيلهم البياض على غيره سببه قرين البياض، وليس البياض من حيث هو كذلك – ولكن هناك استثناءات -، فهم لمَّا رأوا الحضارة دَالت إلى البِيض؛ أفْضَى إلى اقترن البيض بالحضارة، والسُّمر بالتخلف، علما أنَّ ليس جميعهم كذلك، ولكن الكثرة غلبت القلة في عملية الإقتران، فالسمَّر الذي لديهم حضارة قلة، بعكس البيض فهم كثيرون..
هذا الإقتران مَهَّد وما زال يُمَهِّد للأبيض لاستدمار الأسمر الذي أضْعَفه اقتران الحضارة بالأبيض، من حيث عَلِمَ أو لم يَعْلَم، ومن حيث أراد أو لم يُرِد: فالذي اقترنت الخضارة بالأبيض من حيث أراد، يتمنى بل يسعى لأنْ يأخذ الأسمر المتخلف خير وشر حضارة الأبيض، أما الذي اقترنت عنده الحضارة بالأبيض من حيث لم يرد؛ أرادوا نقل خيرها دون شرها، ولو قام الذين ماتوا من هؤلاء لرأوا أنَّ شر حضارة الأبيض قد غزت واستدمرت نفس الأسمر، أمَّا خيرها فلم ينالوا منها شيئا..
هذا الفرع من الاقتران يَحْدُث في ناحية أخرى من نواحي الحياة، فقد اقترن إحياء وتقوية اللسان العربي في المجتمع والجامعات، بجَمَاعات تدعوا إلى التمسك بالتراث، وأنَّ التراث فيه كل شيء، بل وصل الأمر ببعضهم إلى القول: لم يُبْقِ السلف للخلف شيئا ليقولوه!!!!!، كما أنَّ هناك جماعة ممَّن يُسَمِّون مفكرين، قد سعوا لترويج أنَّ الأسمر أو الشرقي صوفي ذوقي صاحب تجارب لا تتجاوز نفسه، بعكس الأبيض الغربي المُجَرِّد الذي تُعَمَّم أحكامة بيسر، فهو يُجَرِّد الأشياء من موادها، ثم لا يجد صعوبة في تعميم أحكامه، والعلم والتقدم والتحضر يقوم على الأحكام العامة لا الخاصة، فالأحكام الخاصة لا يمكن أنْ يقوم عليها دليل، ولو قام عليها دليلا، لَمَا استطاع صاحب التجربة أنْ يعبر ليوضح دليله، فيبقى مطويا في نفسه، ومن هذا شأنه فهو مُخيف عندما يدعو إلى دعوة، خصوصا إذا كانت دعوته إحياء اللسان الذي هو وسيلة لفهم الأشياء؛ فإنَّ تُرْجِمَت الأحكام العامة إلى لسانه العربي، فإنَّه لا فرق بينه وبين من يدعو إلى التنوام الكهفي، فهذا اللسان لسان صوفي والمتخلفون يتكلمون به، ويحمل جل ما يمكن أنْ يُعيق التقدم.. يا لهم من حمقى!!!!!، فالإنسان يخرج من بطن أمه – عليها السلام – فيبدأ يجرد الأشياء، فاللغة تحتوى على تجريد منقطع النظير، ونظرته إلى الطبيعة تجعله يجرد الأشياء بيسر، ولكنه قد لا يكتب ما يقوله، فالتقدم يمر بأطوار، وهناك أطوار قد نُسِبَت إلى شعب دون آخر ظلما وعدوانا، وبهذا جعلوا السابقين عليهم حمقى يقفزون على الأشجار، مثل القرود، ولكن يبدو أنَّ تحت التراب ما يزيل حماقاتهم التي يتمسكون بها، ثم لنفترض جدلا أنَّ كلامهم صحيحا، أليس النظر إلى المحسوس والتعامل معه كما هو أيسر في تطوير الإنسان نحو الأفضل، فالتجريد يمكن أن يورد المهالك، بحيث تجعل للأشياء - التي كانت محسوسة – وجودا خارج موادها، كأنَّه وجود حقيقي، غير مكتسب عن طريق قياس التمثيل، والاستقراء؛ وبهذا يبقى صاحبها عندها، مكتف بها، وقانع بما تمنحه له من لذَّه، ويترك المحسوس، الذي لا يمكن التقدم بدونه، فالتخلف قرين التجريد، والتقدم قرين المحسوس، فالتجريد يمكن أنْ يدخل إلى غير مكانه فيورد أصحابه موارد التخلف، بعكس المحسوس الذي يتعامل معه الإنسان مباشرة، فيعرف عن طريق مباشرته المحسوسات ما إذا كان ما يسعى إلى إيجاده صحيحا أو غير صحيح؛ وبهذا فإنَّ تعميم الأحكام في المحسوس يجب أنْ يكون بعد التجربة الحسية، لا قبلها، وبهذا فإنَّ الذي يتعامل مع المحسوس مباشرة يصل إلى أحكام تجريدة موثوقة بعكس غيره، الذي يمكن أنْ ينظر إلى بيت فيقول: أنَّ طوله عشرة أمتار، فيقول آخر ممن يتبع نفس منهجه فيقول: بل ثمانية، وهذا الكلام هو عين التخلف، فيجب أنْ يذهبا إلى البيت ليقيساه ليعرفا كم متر طوله، ولكنهم مقتنعون بتجريداتهم التي عمموها، فأوردهم تعميمها المهالك؛ نستنج أنَّ الذي يعمم بعد التجربة هو الذي يمكنه أنْ يتقدم، أما الذي يعمم أحكامه قبل التجربة فهو فاشل، ولا يرجى منه غير الفشل؛ ومن هنا نستنتج أنَّ الذي يجرب أقدر على التجريد من الذي يقنع بنزع المجرد من المحسوس قبل التجريب، وتصوره له أوضح؛ وهذا يعني أنَّ الذين يجردون الأشياء ويكتفون بها متخلفون، لأنَّهم اكتفوا بشيء واحد، وهو المجرد، ونبذوا ما جُرِّدَ منه، رغم أنَّ المجرد ما كان ليوجد لولا المادة التي جُرِّد منها؛ وبهذا فإنَّ التجريد لاحق، ومادة المجرد سابق، ولا يمكن أنْ يكون اللاحق حقيقي ما لم تبقى علاقته مع السابق على ما هي عليه بلا انفصال؛ وبهذا يندفع قول الحمقى.. معذرة أخي، قالها خالد لشخص في الطريق عندما كانت الأفكار السابقة تجول وتصول في نفسه، فقد كاد أنَّ يقع على شخص جالس على كرس، وفي يده سِبْحَة يُسَبِّح بها.. واستأنف مسيره، وقال في نفسه: عجيب أمري، لقد أخذتني هذه السمراء الحسناء إلى أفكار بعيدة، كدتُ بسببها أن أقع على الرجُل، الذي يُسَبِّح بمِسْبَحَته في هدوء، وربما يتأمل في خلق الله.. ولمَّا وصل إلى البيت، فتح القرطاس، وجهز الطعام وأكلوا، وشرب من دواء الرجل، ووضع على عرتمته من المقطار، ودخلت أمه لتتوضَّى لتصلي، أما خالد فذهب لينام، واستيقظ صباح اليوم الرابع على الساعة الحادية عشرة صباحا، على صوت السيارات التي لا تعرف الليل، فليلها نهار، ولم يخرج من البيت حتى الساعة السادسة مساء، وبعد السادسة بقليل رنَّ جرس البيت فإذا بثلاث بنات، بنتان يعرفُهن، فهن الخدمتان، أما الثالثة فجديدة، وقد كانت أجمل من الخادمتان الثانيتان، فَلَوْنها قمحي، ومنديلها لا يُغَطِّي كل شعرها، فوغُرَّتها مكشوفة، وقميصها جميل، أمَّا إزارها فكان جميل، فهو يَبَدأ من الأعلى ملاصق للصلب، وكلما نزل اتَّسَع ، ولم يكن يُغَطِي كل ساقيها، بل الثُلْث العلوي فقط، أما عندما تضحك فتأخذ باللب.. فقال لهن تفضلن، فدخلن البيت ينظفن، علما أنَّ لا شيء يحتاج تنظيف، إنما عملهن تنظيف فوق تنظيف، ولم يكن خالدا يأمنهن على شيء، فقد كانت محفظته دوما في جيبه، فهنَّ يحملن ظنونا أنَّ الذي يجيء سياحة – ظنهن – يكون معه أموالا كثيرة؛ ولذلك تجدهن يحركن كل شيء، حتى الشيء الذي يجد الرجال الأشداء صعوبة في تحريكه، يحركنه بيُسْرٍ، كأنَّهن آلات ضخمة مصنوعة للتحريك والنقل، بحثا عن كُنُوز، فهن يظنَّ أنَّ السياح لا يأتمونهن على شيء، ولذلك لا بد أنْ يُخْفُوا أموالهم في مواطن صعبة المِراس..
الخدامة القديمة ذهبت إلى غرفة خالد بمرافقة البنت الجديدة، وأم خالد ذهبت لتُصَلِّي، أما البنت الكبيرة بقيت في الصالة تمسح الطاولة، وقد تقدمت إلى خالد بغياب أمه، وقالت: هل تريد بنات؟........
قال لها خالد: اذهبي مع أمي لتحويل خمسمائة شاقل إلى جنيهات، وأَعْطَى أمه خمسمائة شاقل، وقد ذهبنَّ ثلاثتهن مع أمه، ولكنهن أخذن الأموال من أمه، عندما نزلت لحويل الأموال، ولكنهن عُدْنَ دون جنيهات، بل ادَّعت الكبيرة أنَّ مائتا شاقل وقعن منهن، فبحثن عنها كثيرا ولم يجدنها، فندم خالد، من إرسالهن مع أمه، فهن لصَّات محترفات، فهي تريد أنْ تبيع أجساد أُخْتَيْها، ومن كان هذا فعله، لا يبال بسرقة أموال الناس..
في اليوم الخامس على الساعة التاسعة ونصف صباحا – تقريبا -، هاتفَ خالدٌ الرجلَ الذي استأجر منه البيت، وقال له: أريد أنْ أخرج من البيت بعد ساعة ونصف تقريبا، فارسل شخص يأخذ مفاتيح البيت..
فقال: بعد قليل ستجيء الخدامه تنظف البيت، فاعطها المفاتيح، عندما تخرج، وقد أعطاها خالد المفاتيح، وخرج خالد وأمه، ومعهما جميع أغراضهم، وذهبا يبحثا عن وسيلة نقل توصلهم إلى طنطا، فركبا سيارة، وسأل خالدٌ صاحبَ السيارة، كيف يمكنني الوصول إلى طنطا؟
فقال السائق: عبر القطار، فقلت وأين القطار؟
قال: سآخذكم إلى هناك، ولمَّا وصل السائق إلى هناك، سأله خالد: أين سأذهب بالضبط، فنزل معه وقال له: من هذه البوابة، ووصل معه إلى البوابة، وقال: اشترى بطاقة سفر من هناك، وأشار بيدة إلى مكان تُباع تذاكر السفر فيه..
تقدم خالد مع أمه إلى المكان الذي تُباع فيه بطاقات سفر، واشترى تذكرتا سفر إلى طنطا بثلاثين جنية تقريبا، درجة ثانية، وسأل خالدٌ أحد الأشخاص من الواقفين، أين موقف القطار الذي يتجه إلى طنطا؟

يتبع


 

رد مع اقتباس