03-09-2009, 08:34 PM
|
#1
|
عضو دائم ( لديه حصانه )
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 27460
|
تاريخ التسجيل : 04 2009
|
أخر زيارة : 23-03-2012 (02:38 PM)
|
المشاركات :
950 [
+
] |
التقييم : 50
|
|
لوني المفضل : Cadetblue
|
|
السيد سنونو...
السيد سنونو...
بقلم الدكتور عبد العزيز غوردو
السيد سنونو…
كل شيء بدأ صبيحة أحد أيام فبراير الدافئة…
عندما طلعت علي طيور السنونو وهي ترمم أعشاشها التي رحلت عنها بداية الخريف الماضي. كنت أراقبها وهي تحمل في مناقيرها كريات ندية من الطين تضعها في مكانها من العش بإتقان شديد.
العش عند كوة صغيرة - بأعلى حجرتي - تمدني بالضوء… في الطابق التاسع.
في الواقع ليس هناك طابق تاسع في العمارة، فهي كلها من ثمان طوابق، لكن هناك حجرة بدورة مياه فوق السطح، وأنا أسميها الطابق التاسع… وأنا أسكنها…
أقطن إذن في الطابق التاسع!
فتحة العش ضيقة جدا، والطائر يرد جناحيه للخلف كالسهم… يستطيل ليدخل بمرونة عبر الفتحة الضيقة حاملا في منقاره أثاثه: قطعة من القش يدخلها ويغيب فترة قبل أن يخرج من جديد… يعود حاملا قطعة أثاث جديدة… أو كرية طين ندية… ترى هل هو نفس الطير كل مرة؟ سألت نفسي، وقلت: السنونو كالصينيين كلها تتشابه! أبيض وأسود… ترى ماذا يفعل الطير عندما يغيب في الداخل؟ سؤال آخر أثار فضولي، ثم تعاقبت الأسئلة المحيرة، وتكررت، حتى عدت لأَبسطها: هل طيور السنونو فعلا بيضاء وسوداء، أم أن ذلك محض اشتباه لأعيننا الساذجة؟
قررت أن أتجسس عليها، على عالمها السري بالداخل، لكن الكوة بحجرتي لم تكن لتسمح بذلك، لأن جزءا كبيرا من العش موجود أصلا في الزاوية الخارجية للغرفة، ولا يمس الكوة إلا جزء صغير منه، فاتخذت قرارا آخر: أن أنبش ثقبا إلى جانب الكوة وأغطيه بلوح صغير من الزجاج لأراقب ما يجري بالداخل، هذا ما رأيتهم يفعلونه مرة في عالم الحيوان في شريط تلفزيوني، فهل ستسعفني "تقنيات الإنتاج" التي أمتلكها على ذلك؟ على أي فقد اتخذت قراري وكفى…
كان علي كل مرة أن أنتظر رحيل الطير للشروع في العمل… ثم مواصلته وإنهائه بهدوء، وتؤدة، وصبر… مخافة أن ينهدم العش بالخارج… تطلب الأمر استعمال سكاكين المطبخ، ومفك براغي، ومثقاب كهربائي… تطلب الأمر أيضا بضعة أيام… مثل بطل فيلم "الهارب من ألكاتراز"… بضعة أيام لنبش ثقب صغير، لكن ما الضير في ذلك، فأنا عاطل من دون شغل رسمي، بعد أن فصلت عن العمل بتهمة الشغب، والمشاكسة، وعدم احترام رؤسائي… وتهم أخرى كان لها وزنها في ميزان سيئاتي: تعرف طعم المرارة الذي تحسه عندما تتحالف النقابات مع الحكومة ضدك أيها المسكين!؟
انتهى العمل الآن، الثقب الذي أحدثته بالجدار كان صغيرا، لكنه كاف لأن يسمح لي بالتجسس على العالم الداخلي بالعش… تخيلتني عالِم بيئة ينجز بحثا حول سلوكيات الطيور… سرت مزهوا بضع خطوات في الحجرة… ثم خرجت لمراقبة الفضاء الفسيح.
أسندت ظهري للجدار وجلست في انتظار موضوع دراستي…
لم يتأخر في القدوم… والدخول… ثم الخروج… عاد مرة أخرى، ومعه ثلاثة طيور جديدة… حامت جميعها حول العش… أما هو فرد جناحيه للخلف كالسهم وتسلل داخل العش…
في الحقيقة لست متأكدا من أنه نفسه الذي يدخل كل مرة… لم يطل انتظاري، فقد دخل خلفه طائر آخر… أما الآخران فظلا يحلقان حول العش في فضول، ثم التحق بهما طائر ثالث، فرابع، فخامس… بدأت كلها تدور حول العش، في سعادة، أو جنون، لست أدري… تبتعد، تأتي مسرعة كالسهام، تتوقف في الفراغ كأنما شدت بخيط، ترفرف، تتوقف عن الرفرفة وتنزلق مع الريح في انسياب… لكنها لا تتوقف أبدا، لا تحط على حبل، أو جدار، أو شجر… ترتجف أجنحتها، تضطرب… حتى يخيل إليك أنها تهوي نحو الأرض، بل تكاد تلامسها، وبحركة صغيرة من جناحها تغير اتجاهها تماما، ثم تحلق فجأة في عنان السماء حتى تتضاءل لكنها لا تتوقف عن الطيران… ألا تتعب؟
حدقت فيها عندما اقتربت مني، وخصوصا عندما كانت تريد الدخول إلى العش… اكتشفت أولى الإجابات عن أسئلتي، عن أبسط أسئلتي، تعلمت الآن أن لونها ليس أسودا، كما كان يخيل إلي، بل كحلي مخضر، اخضرارا قاتما براقا، وصدرها يميل للرمادي الفاتح، الفاتح جدا… ذيلها أيضا ليس متماثلا، فمنها من له ذيل أطول من الآخر… أما ذقنها فأحمر…
" "
" "
|
|
|