المركز الاول (أميرة الأبجديّــات)
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 27270
|
تاريخ التسجيل : 03 2009
|
أخر زيارة : 29-12-2011 (06:32 AM)
|
المشاركات :
817 [
+
] |
التقييم : 54
|
|
لوني المفضل : Cadetblue
|
|
قـصـة (( بـانـــــورامــــا الـــيُـــتـــم ..! ))/ لكاتبها:بـــكـل هــــدوء
_" خواف" !!
..وأفكرٌ في كلماتٍ موجعة ؛ أرد بها على اتّهامات "لؤي" ؛وتهكماته المستمرة
حينما ينتهي الدوام ونخرج من صفنا الرابع إلى خارج المدرسة ؛ لنلعب في الطريق ...
متى يفهم لؤي أنني أقدر والدي , ولا يرضيني
أن أغضبه ؟
كيف أفسّرُ له أنّ الخوف خالةٌ طبيعية
كثيراً ما تعكسُ الحبّ !؟
:
وخرجت معهم كما في كل مرة..
دون أن أبرّرَ أو أفسّرَ موقفي ؛ لأثبت لهم عملياً أنّني
"رجل" !
وبينما نحن منهمكين في اللعب حيثُ تأخر والدي ,
وليس ذلك من عادته
حانت منّي ألتفاتةٌ لأرى عمي فاً ينتظر ..
"مفاجأة" مفرحة وغريبة في آن !
جريتُ نحوه : عمي سعيد
ونظر إليّ بملامحَ أدهشتني ظلال الحزن والوجع فيها ..
_ هيّا يا محمّد ؛ السيارة ع اليمين
_طيّب ....ولم أكمل
رافقتهُ بصمتٍ يبعثرُ فضوله ..
قلبي الغضّ لا يتوقُ إلى التفاصيل ..
وعمّي يتوجّعُ بتمزقٍ مكتوم أفزعني , وأخرس صمتي
فنطق..
_عمّي..ليش !؟ ( هذا ما استطعتُه ) !
فركن سيارته..ما عاد يقوى الحركة ؟ وأنّى له !!؟
_محمد إنتَ صرت رجّال !
وحبستُ أنفاسي..كموجوعٍ سُلطّت على جراحه كلَ
أضواءِ الأرض
_أبوك يا محمّد راح عند ربّ العالمين..
وما نطقتُ, ولا بكيت , ودمعاتي ما ضنّت عليّ بنزفها ..
فراحت للداخل تنهمر !
:
دقائقُ صامتة..أليمة؛أجهدها المرار
وعمي يلملمُ شتاته كـــ ثكلى أرهقها الفراق..
وعينايّ لا تتحولانِ عن وجهه..وصوتٌ يتمرد على الحقائق:
_كيف يعني !؟
_يتمتمُ : ( لا إله إلا الله العظيم الحليم ... )
وعينايّ لا تفترانِ تحدّقانِ فيه دونَ أن ترُفّا..
وبقسوةٍ علمتنيها الحياةُ آنذاك:
أقول لك:إيش يعني !؟
_أبوك مات في حادث وهو رايح العمل..
ويتبعُها : وإنتَ رِجّال يا محمّد
وأبكي .. وأبكي
أشعرُ بهِ بجواري يهذي .. وأنا أفكّرُ في أبي
ماتَ الحبيب ! مات!؟
وصلتُ إلى بيتنا الوديع..الذي كانَ وديعاً ,
وقلبي يتحسّسُ الوجوه
ونظراتي المبعثرة تتحاشى عمي..
أحاولُ أن أهربَ من صلابة الحقيقةِ وقسوتها..حتى وإن
كانَ
إلى ليونةِ الوهم !
جميعهم يرمقونني بقلق ,ينادونني..
لا يدركون أنّ صوتَ أبي يعلوهم ,حين همس لي هذا
الصباح:
( محمّد حبيبي..أبغاك تشدّ حيلك , وما تنسى الصّلاة )
وحرّكتُ رأسي بانقياد يلونه نزق الشّقاوة :أكيد , أكيد
وابتسمَ ؛ وعيناهُ تعانقُ وجهي..واللهِ ابتسم !!
وصلتُ إلى حيثُ أمّي فهالني النحيب..
وددتُ أن أضم وجعها لى وجعي ؛ فجلستُ حيثُ أنا
أخفي بيديّ وجهي..وأنا أحترِق !
تربّتُ جدتي عليّ ببكاءٍ ينفثُ النشيج:
"يا حبيبي يا محمّد "
هيَ فقط ..جدتي
من يبعث الدفء في زوايا هذا القلب !
وآن وقتُ صلاة العصر..
فتناديني أمي بنبرةٍ تتكئُ على الحزم ..
"الصلاة يا محمّد"
خلتُها تزم البكاء وهي تقولها..فبكيتُ أنا !
لم أنم تلك الليلة..
أنكرتني الدنيا,وأنكرتها !
أن يكون لك "أب" , فأنت تمتلكُ الكثير
على سطح هذا الكوكب..
أن يكون لكَ "أب" , فهذا يعني أن تضحك..تضحك
منَ القلبِ ؛ دون أن تكترثَ لعقباتِ الطريق..
أن يكون لكَ "أب" , فأنت تُسنِد "قلبكَ" إلى زاويةٍ
دافئةٍ..مفعمةٍ بالأماااان !
يا لمرار فقدكَ يا أبي..
وتأخذني الفكَر إلى "هيثم" زميلي في الصف..
"هيثم" يتيمُ الأب مثلي..
صحيح أنّه لا يُخالطنا كثيراً؛لكنّه دوماً يبتسمُ لنا
:
كيف لليتامى أن يستَلهموا البسمةَ في وجوه الآخرين/المترفينَ حناناً !؟
كيف !؟
عُدتُ إلى المدرسة,ةأثقالُ اليُتمِ قد غرستْ ملامحها
في وجهي..
صافحني أصدقائي,حتّى لؤي المشاكس ابتسمَ لي
وقال معزّياً:
"معليش يا محمّد ,إنتّ رِجّال"
:
كدتُ أبكي على كتِفه ؛ وأردّد :
"أنا خوّاف يا لؤي"
خائفٌ من الحياة والبشر,من العيون الشرسة واللامبالية
من النّوايا..وقواميس القهر والفقد
ومن قلبي !
لمحتُ "هيثم"..فرأيتُني فيه
وكأنّ "البؤسَ" يمنحُ ضحاياهُ ملامح واحدة !
:
تركتُ أصدقائي وذهبتُ إليه..
"هيثم" فقط من يُشبهني..وأنا أحبّه
لا أحقدُ على أصدقائي..لكنّ فقدَ أبي باتَ ضعفاً/عيباً
يفضّلُ التواري !
فعقدتُ معهُ لليُتمِ حكاية..
أذكرُ أننّي سألتهُ بتردّد: كيف مات أبوك يا هيثم ؟
فابتسم بلامبالاةٍ تجهلُ حقيقةَ أن يكونَ لكَ "أب"
وقالَ: "أصلاً ما أعرفه , مات وأنا في بطن ماما"
:
فاختنقتُ بغصّة ,وطفقتُ أسائلُ نفسي:
تُرى , من منّا نكستهُ مع الحياةِ أكبر !؟
ما عاد للحياةِ روح , ومن حولي يحاولونَ تزييفَ
حقيقةَ كوني "طفل" ؛ بابتساماتٍ باهتة تخفي شجنها وهيَ تكرّر
أنغاماً مللتٌها..تذكّرني بالرجولة !
أن ألتزمَ بما يحبّ أبي ,فهذا يُشعرني أن روحَه حولي ترفرف..
لذا حتى صلاةُ الفجر..ما فاتتني يوماً في المسجد !
تملؤني الصلاةُ بالقوّة, واليُتمُ يشدّني إلى أسفل
حيث الخوفُ, والشعورُ بضياعِ "السند" !!
:
الموتُ يرهبُ النّاس..
يصقلُ قلوبهم من القسوة فـــ "تخبِت" ..تبكي
ثمّ تنسى !
كلّهم ينسونَ..لكن اليتيمَ لا ينسى !
هناك في الأعماق زاويَةٌ تستجدي الحنان..
حنان الرّجال خاصّة..
وأن تكونَ رجلاً هنا..
فلا تطلبِ الحنانَ, ولا تكُ حانياً..
...هكذا يبدو !
صرتُ "عصبيّاً" بعضَ الشيء..
فحتّى تخفي ضعف أعماقك..وشغفها بيدٍ حنون
لا بدّ وأن تزيّفها..
...هكذا هيَ الحياة !!
جاء رمضان..وتجدّدَ حزنُ الدّار
يومُه الأوّل..كان لأحزاننا عمرا
:
لا أنظرُ إلى وجهِ أمّي , وهي تتدثّرُ بالأذكار
وجهها يتلوّن حتّى الدّمع..ووجهي يبحثُ عن قناعٍ بأيّ لون
حتى لو كانَ الفرَح !
:
تعلو نبرتُها بالذكر؛كمن يُقاطعُه صوتٌ ما..
فيبادرهُ ليهزِمه !
علا صوتُ المؤذّنِ,فتسمّرنا نرقبُ نبرةً حانيةً..
تتلمسُ "التمر" وتهمسُ في استسلامٍ مَهيب:
"بسم الله , للهم لكَ صمتُ..."
:
وبكت أمي وهي تقولها,وتسللتُ أنا إلى المسجد
وقد تبعثرت كلماتي,وما أجيدُ سوى "ياااارب"
:
رمقني الإمامُ بلطفٍ وهو يسألُ حائراً_كمن بيّتَ السؤالَ منذ أمد_
"ولد مين إنتَ" ؟
فقلتُ وأنا أبتلعُ الفقدَ: "ولد ماجد ..."
فربّت عليّ: "رحمة الله عليه ؛ اللي خلّف ما مات "
:
تُراك أبي راضٍ عنّي الآن..
إن لم يكن بكَ عتبٌ عليّ فلا أبالي !
وبقدرِ ما انتشت ساعاتُ رمضانَ بالسكينةِ والقرآن
بقدرِ ما فقدتُ أبي !
وحانَ العيد..
وأستقبلهُ كبريءٍ ينتظرُ إعدامه؛ بوجلٍ واستسلامٍ للقدر..
أخرجُ مع عمّي وأبناءه..
نصلي,وعينايَ لا تلبثانِ ترقبانِ كلَ عابرٍ بصحبةِ أبيه
أهتم بتفاصيلَ قد تبدو ساذجَة..لكنها تعني لي حياة !
يُقبّلُ عمّي أبناءه ؛ يهنئُهم بالعيد..وينساني
كنتُ متكوّماً على وجعي..
فغمزهُ وائل: "بابا محمّد .. نسيتُه ؟"
:
واحمرّ وجهُ عمّي , وعلمَ أنّه آلمني
كأوّل سوادٍ في صفحةِ العيد !
استقبلنا رجالاً كثيرين , وربّتَ عليّ أيدٍ كثيرة
فأرفعُ عينينِ عطشّى .. علّني أعانقُ لطفَ ابتسامة يكفكف يُتمي
لكن الوجوه تنصرف عنّي إلى غاياتٍ أخرى..
تتوقُ إلى الأجرِ في مسحةٍ على رأسي , وتسلبُني حقّ
الرّحمة !
:
يا لهذا اليومِ الباهتِ / البارد
وكأن الكون تماهى ووجعي فارتدَى الشّحوب
ما أقسا الحياةَ بلا ألوان !!
"لا يجبُ على اليتيم أن يثقلَ على الآخرين ؛ بحاجاتهِ العاطفية"
هذا ما قالهُ لي "هيثم"..
كأولِ درسٍ في التعاملِ مع حياةِ اليُتم !
لا يعترفُ أعمامُ هيثمَ به..
ولديه خالٌ قاسٍ لا يعبأ بالبراءة والحرمان..
ولا تملكُ أمّه إلا أن تبكي وتفيقَ على : "خليك رِجّال" !!
:
ياااه يا هيثم ..
أوجعتَ أسايَ,وأوجعني أساك !
فطنتُ مؤخراً إلى "لمى" شقيقتي الصغيرة..
لم تتعدّ العامينِ حين وفاةِ والدي..
لكنّ حيّزَ الأب في القلب يبقى فارغاً..
يُناشد القلوبَ ألا تنساه.. ولو من وقتٍ لآخرَ
بقُبلةٍ حانية , ضمّةٍ دافئة , أو حتىّ كلمَة .. لا روحَ فيها
تخبرهُ أنّه من عِدادِ الأحياء !
ومنذ ذلكَ اليوم ..
وقلبي لا يفتُر يصافحُ قلبَ لمى..
يقبّل مكانَ الوجعِ منه..
وكلما آلمَني الفقدُ..منحتُها إشراقةَ أعماقي !
بتّ أسعدُ بالعطاء , وبالرّجولة التي تفوقُ تصوراتِ من حولي السّاذجة
لتحلقَ في عالمٍ أرحبّ.. أرحب
لا يتقنهُ سوى البؤساء !
:
كمْ أنتَ قاسٍ .. أيّها العالم !!
:
كتبتهُ : بكلّ هدوء.
______________
أعجبتني هذه القصة فنقلتها, قرأتها منذ سنين,صورت شعور اليتيم بأصدق شعور..
بكل هدوء فليرعاك الله أينما كنت..
|