22-11-2002, 02:10 AM
|
#2
|
شيخ نفساني
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 1771
|
تاريخ التسجيل : 06 2002
|
أخر زيارة : 15-05-2016 (07:36 AM)
|
المشاركات :
5,426 [
+
] |
التقييم : 63
|
|
لوني المفضل : Cadetblue
|
|
يتبـــــــــــــــــــــــــــع
5ـ ومن فوائد المرض وتمام نعمة الله على عبده ، أن ينزل به من الضر والشدائد
ما يلجئه إلى المخاوف حتى يلجئه إلى التوحيد ، ويتعلق قلبه بربه فيدعوه
مخلصاً له الدين ، فسبحان مستخرج الدعاء بالبلاء ، ومستخرج الشكر بالعطاء ،
يقول وهب بن منبه : ينزل البلاء ليستخرج به الدعاء (( وإذا أنعمنا على الإنسان
ونئا بجانبه وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض )) [ فصلت : 51] ، فيحدث العبد من
التضرع والتوكل وإخلاص الدعاء ما يزيد إيمانه ويقينه ، ويحصل له من الإنابة
وحلاوة الإيمان وذوق طعمه ما هو أعظم من زوال المرض ، وما يحصل لأهل
التوحيد المخلصين لله الدين الذين يصبرون على ما أصابهم فلا يذهبون إلى
كاهن ولا ساحر ولا يدعون قبراً ، أو صالحاً فأعظم من أن يعبر عن كنهه مقال ،
ولكل مؤمن نصيب ، فإذا نزل بهم مرض أو فقر أنزلوه بالله وحده ، فإذا سألوا
سألوا الله وحده ، وإذا استعانوا استعانوا بالله وحده ، كما هو الحاصل مع نبي
الله أيوب (( وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الرحمين )) [
الأنبياء : 83] 0
وتأمل عظيم بلاء أيوب فقد فقد ماله كله وأهله ومرض جسده كله حتى ما بقي
إلا لسانه وقلبه ، ومع عظيم هذا البلاء إلا أنه كان يمسي ويصبح وهو يحمد الله
، ويمسي ويصبح وهو راض عن الله ، لأنه يعلم أن الأمور كلها بيد الله ، فلم
يشتك ألمه وسقمه لأحد ، ثم نادى ربه بكلمات صادقة (( إني مسنى الضر وأنت
أرحم الراحمين )) فكشف الله ضره وأثنى عليه ، فقال : (( إنا وجدناه صابراً نعم
العبد أنه أواب )) [ ص:44]، وقد ورد في بعض الآثار : (( يا ابن آدم ، البلاء يجمع
بيني وبينك ، والعافية تجمع بينك وبين نفسك )) 0
6ـ ومن فوائد المرض : ظهور أنواع التعبد ، فإن لله على القلوب أنواعاً من
العبودية ، كالخشية وتوابعها ، وهذه العبوديات لها أسباب تهيجها ، فكم من
بلية كانت سبباً لاستقامة العبد وفراره إلى الله وبعده عن الغي ، وكم من عبد
لم يتوجه إلى الله إلا لما فقد صحته ، فبدأ بعد ذلك يسأل عن دينه وبدأ يصلي ،
فكان هذا المرض في حقه نعمة ((ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه
خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة )) [ الحج :
11] ، وذلك أن على العبد عبودية في الضراء كما أن عليه عبودية في السراء ،
وله عبودية فيما يكره ، كما أن له عليه عبودية فيما يحب ، وأكثر الناس من
يعطي العبودية فيما يحب ، والشأن في إعطاء العبودية في المكاره ، وفيها
تتفاوت مراتب العباد ، وبحسبها تكون منازلهم عند الله ، ومن كان من أهل
الجنة فلا تزال هداياه من المكاره تأتيه حتى يخرج من الدنيا نقياً . يروى أنه لما
أصيب عروة بن الزبير بالأكلة في رجله قال : (( اللهم كان لي بنون سبعة
فأخذت واحداً وأبقيت ستة ، وكان لي أطراف أربعة فأخذت طرفاً وأبقيت ثلاثة،
ولئن ابتليت لقد عافيت ، ولئن أخذت لقد أبقيت )) ، ثم نظر إلى رجله في الطست
بعدما قطعت فقال : (( إن الله يعلم أني ما مشيت بك إلى معصية قط وأنا أعلم ))
0
7ـ ومن فوائد المرض : أن الله يخرج به من العبد الكبر والعجب والفخر ، فلو دامت
للعبد جميع أحواله لتجاوز وطغى ونسي المبدأ والمنتهى ، ولكن الله سلط عليه
الأمراض والأسقام والآفات وخروج الأذى منه والريح والبلغم ، فيجوع كرهاً
ويمرض كرهاً ، ولا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً ،
أحياناً يريد أن يعرف الشيء فيجهله ، ويريد أن يتذكر الشيء فينساه ،
وأحياناً يريد الشيء وفيه هلاكه ، ويكره الشيء وفيه حياته ، بل لا يأمن في
أي لحظة من ليل أو نهار أن يسلبه الله ما أعطاه من سمعه وبصره ، أو يختلس
عقله ، أو يسلب منه جميع ما يهواه من دنياه فلا يقدر على شيء من نفسه ، ولا
شيء من غيره ،فأي شيء أذل منه لو عرف نفسه ؟ فكيف يليق به الكبر على
الله وعلى خلقه وما أتى إلا من جهله؟
ومن هذه أحواله فمن أين له الكبر والبطر ؟ ولكن كما قيل : من أكفر الناس بنعم
الله افقير الذي أغناه الله ، وهذه عادة الأخساء إذا رفع شمخ بأنفه ، ومن هنا
سلط الله على العبد الأمراض والآفات ، فالمريض يكون مكسور القلب كائناً من
كان ، فلا بد أن يكسره المرض ، فإذا كان مؤمناً وانكسر قلبه فالمريض حصل
على هذه الفائدة وهي الانكسار والاتضاع في النفس وقرب الله منه ، وهذه هي
أعظم فائدة 0
يقول الله : (( أنا عند المنكسرة قلوبهم )) وهذا هو السر في استجابة دعوة
الثلاثة : المظلوم ، والمسافر ، والصائم ، وذلك للكسرة التي في قلب كل واحد
منهم ، فإن غربة المسافر وكسرته مما يجده العبد في نفسه ، وكذلك الصوم
فإنه يكسر سورة النفس ويذلها ، وكذا الأمر في المريض والمظلوم ، فإذا أراد
الله بعبد خيراً سقاه دواء من الابتلاء يستفرغ به من الأمراض المهلكة للعبد حتى
إذا هذبه رد عليه عافيته ، فهذه الأمراض حمية له ، فسبحان من يرحم ببلائه
ويبتلي بنعمائه 0
8ـ ومن فوائد المرض : انتظار المريض لفرج ، وأفضل العبادات انتظار الفرج ،
الأمر الذي يجعل العبد يتعلق قلبه بالله وحده ، وهذا ملموس وملاحظ على أهل
المرض أو المصائب ، وخصوصاً إذا يئس المريض من الشفاء من جهة المخلوقين
وحصل له الإياس منهم وتعلق قلبه بالله وحده ، وقال : يا رب ، ما بقي لهذا
المرض إلا أنت ، فإنه يحصل له الشفاء بإذن الله ، وهو من أعظم الأسباب التي
تطلب بها الحوائج ، وقد ذكر أن رجلاً أخبره الأطباء بأن علاجه أصبح مستحيلاً
، وأنه لا يوجد له علاج، وكان مريضاً بالسرطان ، فألهمه الله الدعاء في
الأسحار ، فشفاه الله بعد حين ، وهذا من لطائف أسرار اقتران الفرج بالشدة إذا
تناهت وحصل الإياس من الخلق ، عند ذلك يأتي الفرج ، فإن العبد إذا يئس من
الخلق وتعلق بالله جاءه الفرج ، وهذه عبودية لا يمكن أن تحصل إلا بمثل هذه
الشدة ((حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا )) [ يوسف :
110] 0
9ـ ومن فوائد المرض: أنه علامة على إرادة الله بصاحبه الخير ، فعن أبي هريرة
مرفوعاً : (( من يرد الله به خيراً يصب منه )) [ رواه البخاري] ، ومفهوم الحديث أن
من لم يرد الله به خيراً لا يصيب منه ، حتى يوافي ربه يوم القيامة ، ففي مسند
أحمد عن أبي هريرة قال : (( مر برسول الله صلى الله عليه وسلم أعرابي
أعجبه صحته وجلده ، قال : فدعاه فقال له : متى أحسست بأم ملدم ؟ قال :
وما أم ملدم ؟ قال : الحمى ، قال : وأي شيء الحمى ؟ قال : سخنة تكون بين
الجلد والعظام ، قال : ما بذلك لي عهد ، وفي رواية : ما وجدت هذا قط ، قال :
فمتى أحسست بالصداع؟ قال : وأي شيء الصداع ؟ قال : ضربات تكون في
الصدغين والرأس ، قال : مالي بذلك عهد ، وفي رواية : ما وجدت هذا قط ،
قال : فلما قفا ـ أو ولى ـ الأعرابي قال : من سره أن ينظر إلى رجل من أهل
المار فلينظر إليه )) [ وإسناده حسن ] فالكافر صحيح البدن مريض القلب ،
والمؤمن بالعكس 0
10ـ ومن فوائد المرض : أن العبد إذا كان على طريقة حسنة من العبادة والتعرف
على الله في الرخاء ، فإنه يحفظ له عمله الصالح إذا حبسه المرض ، وهذا كرم
من الله وتفضل ، هذا فوق تكفير السيئات ، حتى ولو كان مغمى عليه ، أو
فاقداً لعقله ، فإنه مادام في وثاق الله يكتب له عمله الصالح ، تعرف إلى الله
في الرخاء يعرفك في الشدة ، وبالتالي تقل معاصيه ، وإن كان فاقداً للعقل لم
تكتب عليه معصية ويكتب له عمله الصالح الذي كان يعمله في حال صحته ، ففي
مسند أحمد عن عبدالله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم : (( ما من أحد
من الناس يصاب بالبلاء في جسده إلا أمر الله عز وجل الملائكة الذين يحفظونه ،
فقال : اكتبوا لعبدي كل يوم وليلة ما كان يعمل من خير ما كان في وثاقي )) 0
11ـ ومن فوائد المرض : أنه إذا كان للعبد منزلة في الجنة ولم يبلغها بعمله ابتلاه
الله في جسده ، أخرج ابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة ، قال : قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إن الرجل ليكون له عند الله المنزلة فما يبلغها
بعمل ، فما يزال يبتليه بما يكره حتى يبلغه إياها )) يقول سلام بن مطيع : اللهم
إن كنت بلغت أحداً من عبادك الصالحين درجة ببلاء فبلغنيها بالعافية 0
12ـ ومن فوائد المرض : أن يعرف العبد مقدار نعمة معافاته وصحته ، فإنه إذا
تربى في العافية لا يعلم ما يقاسيه المبتلى فلا يعرف مقدار النعمة ، فإذا ابتلي
العبد كان أكثر همه وأمانيه وآماله العودة إلى حالته الأولى ، وأن يمتعه الله
بعافيته ، فلولا المرض لما عرف قدر الصحة ، ولولا الليل لما عرف قدر النهار ،
ولولا هذه الأضداد لما عرفت كثير من النعم ، فكل مريض يجد من هو أشد مرضاً
فيحمد الله ،وكل غني يجد من هو أغنى منه ، وكل فقير يجد من هو أفقر منه ،
ثم كم نسبة صحة العبد إلى مرضه فوق ما فيه من الفوائد والمنافع التي يجهلها
العبد (( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم )) [ البقرة :216] ، ولهذا روي أن
آدم لما نشر الله له ذريته رأى الغني والفقير وحسن الصورة ، ورأى الصحيح
على هئيته والمبتلى على هيئته ، ورأى الأنبياء على هيئتهم مثل السرج ،
قال : يارب ألا سويت بين عبادك ؟ قال : إني أحب أن أشكر ، فإن العبد إذا
رأى صاحب البلاء قال : الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك ، فيعافيه الله من
ذلك البلاء بشرط الحمد ، والمبتلى إذا صبر حصل على أجر عظيم 0
والغريب أن العبد إذا نظر في دنياه نظر إلى من هو فوقه ، لكنه إذا نظر في
دينه نظر إلى من هو أسفل منه ، فتجده يقول : نحن أفضل من غيرنا ، لكنه لا
يقول ذلك في دنياه ، ومن ذاق ألم الأمراض عرف بعد ذلك قيمة الصحة ، وكم
نسبة مرضه إلى نسبة صحته ، روي أن الفضيل كانت له بنت صغيرة فمرض كفها
فسألها يوماً : يا بنية ، كيف حال كفك ؟ فقالت : يا أبت بخير ، والله لئن كان
الله تعالى ابتلى مني قليلاً فلقد عافى الله مني كثيراً ، ابتلى كفي وعافى
سائر بدني ، فله الحمد على ذلك 0
13ـ ومن فوائد المرض : أنه إحسان ورحمة من الرب للعبد ، فما خلقه ربه إلا
ليرحمه لا ليعذبه (( ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وءامنتم )) [ النساء: 147] ،
وكما قيل :
وربما كان مكروه النفس إلى....... محبوبها سبب ما مثله سبب
ولكن أكثر النفوس جاهلة بالله وحكمته ، ومع هذا فربها يرحمها لجهلها
وعجزها ونقصها ، وهذا ورد في بعض الآثار أن العبد إذا أصابته البلوى فيدعو
ربه ويستبطئ الإجابة ، ويقول الناس : ألا ترحمه يارب ؟ فيقول الله : (( كيف
أرحمه من شيء به أرحمه؟ )) . فمثلاً الوالد عندما يجبر ابنه على شرب الدواء
المر وهو يبكي وأمه تقول: ألا ترحمه ؟ مع أن فعل الوالد هو رحمة به ، ولله
المثل الأعلى ، فلا يتهم العبد ربه بابتلائه وليعلم أنه إحسان إليه 0
لعــــــل عتبك محمود عواقبه ...........وربما صحت الأجساد بالعلل
|
|
التعديل الأخير تم بواسطة البتــار!!!! ; 29-11-2002 الساعة 01:08 PM
|