03-12-2009, 08:48 AM
|
#3
|
V I P
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 5696
|
تاريخ التسجيل : 02 2004
|
أخر زيارة : 15-11-2010 (09:06 PM)
|
المشاركات :
8,386 [
+
] |
التقييم : 87
|
|
لوني المفضل : Cadetblue
|
|
هـــ وقد يكون الغلو في الحكم على الآخرين برفعهم فوق منزلتهم ، سواء كانوا أنبياء أو أولياء صالحين، فكل هؤلاء بشر لا يملكون نفعا ولا ضرا، فمن الغلو المفضي إلى الشرك دعاء غير الله من الأنبياء والأولياء والصالحين والاستعانة بهم والاستغاثة بهم من دون الله{ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} ، وقال تعالى { قل إني لا املك لنفسي ضراً ولا رشداً} ، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يملك لنفسه نفعاً أو ضراً ، فإن من دونه هم كذلك، ولذا نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الغلو فيه فقال: "لا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ ".
وقد يكون الغلو في الأشخاص بتكفيرهم ، والتكفير حكم شرعي ، مردّه إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فكما أن التحليل والتحريم حق للّه ورسوله صلى الله عليه وسلم ، فكذلك التكفير ، وليس كل ما وُصف بالكفر من قول أو فعل ، يكون كفراً أكبر مخرجاً عن الملَّة. فقتال المسلم كفر ، لكنه ليس الكفر المخرج من الملة . والنياحة والطعن في الأنساب كفر ، لكن كفر دون كفر أطلقه النبي صلى الله عليه وسلم على هذه الأفعال لشدة تحريمها .
وينبغي أن يعلم أنه لا يجوز التكفير بمجرد الشبهة والظن، لِمَا يترتب على ذلك من الأحكام الخطيرة ، وإذا كانت الحدود تدْرَأ بالشبهات ، مع أن ما يترتب عليها هو دون ما يترتب على التكفير ، فالتكفير أولى أن يدرأ بالشبهات ؛ ولذلك حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم من التعجل في إطلاق التكفير دون تثبت ، فقال: " أيُّما امرئ قال لأخيه: يا كافر ، فقد باء بها أحدهما ، إن كان كما قال وإلا رجعت عليه " رواه البخاري ومسلم .
وقد ينطق المسلم بكلمة بالكفر دون قصد ا فلا يكفر بذلك لعدم القصد ، كما في قصة الذي قال: "اللهم أنت عبدي وأنا ربك ، أخطأ من شدة الفرح".
إن التسرع في التكفير يترتب عليه أمور خطيرة منها :
- استحلال الدم والمال .
- منع التوارث .
- فسخ النكاح .
- عدم دفنه في مقابر المسلمين . وغير ذلك من أحكام الرِّدَّة.
وبرغم هذا نجد البعض يتسرع في التكفير لمجرد الشبهة أو لقيام أحد بفعل كفري ، وليس كل فعل كفري يكفر به صاحبه ما لم تتحقق الشروط وتنتفي الموانع .
فالتسرُّع في التكفير خطره كبير لأنه من القول على الله بغير علم قال تعالى{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ } والحكم بالتكفير مسؤولية العلماء ، ولا ينبغي للمتحمسين والمتهورين أو أنصاف المتعلمين أن يخوضوا في التكفير لما يترتب على ذلك من الآثار الخطيرة . ولقد شاهدنا ورأينا ما نجم عن التسرع في التكفير من : استباحة الأرواح المعصومة ، وانتهاك الأعراض ، وسلب الأموال الخاصة والعامة, والتفجير والتدمير ، واستهداف المفاصل الحيوية والاقتصادية والاستراتيجية.
ولا يخفى أن الإسلام قد حفظ للمسلمين أموالهم وأعراضهم وأبدانهم ، وحرَّم انتهاكها ، وشدَّد في ذلك ، وكان من آخر ما بلَّغ به النبي صلى الله عليه وسلم أمته فقال في خطبة حجة الوداع: " إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا ، في شهركم هذا ، في بلدكم هذا" ثم قال صلى الله عليه وسلم : " ألا هل بلَّغت ؟ اللهم فاشهد ". متفق عليه. وقال صلى الله عليه وسلم : "كل المسلم على المسلم حرام ، دمه وماله وعرضه" رواه مسلم وأبو داود وابن ماجة ، وقال صلى الله عليه وسلم:"اتقوا الظلم ، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة". رواه مسلم وأحمد والبيهقي في السنن الكبرى . وقد توعَّد اللّه سبحانه مَن قَتَلَ نفساً معصومة بأشد الوعيد ، فقال سبحانه في حق المؤمن {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}وقال سبحانه فيمن قتل خطأ من أهل الذمة {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ}، فإذا كان الكافر الذي له أمان إذا قُتِل خطأً فيه الدية والكفارة ، فكيف إذا قُتِل عمداً ، فإن الجريمة تكون أعظم ، والإثم يكون أكبر قال صلى الله عليه وسلم : "مَن قَتَلَ مُعاهداً لم يَرح رائحة الجنة " .
و ـــ ومن الغلو عدم مراعاة الثوابت والمتغيرات في الشريعة : بما أن الشريعة الإسلامية شريعة خالدة شاملة صالحة لكل زمان ومكان جاءت نصوصها مرنة تحتمل كل تطور الأزمنة وتبدل العصور وتواكب الجديد. ( أحمد الحجي الكردي : بحوث في علم أصول الفقه، ص44، 45 بتصرف كبير ).
ولقد مكنتها هذه المرونة والشمول وما احتوته من ثوابت ومتغيرات ، أن تلبي حاجات المسلمين في كل عصر ، بدءاً من الدولة الناشئة الفتية في المدينة ثم الدولة المتوسعة في عهد عمر وما بعده ، ثم الدولة المترامية الأطراف في العصور العباسية وما بعدها ، إلى الدول الحالية وما يكتنفها من تعقيدات المعاصرة والمدنية .
إن الثبات والتغير كالجناحين للطائر ، فبهما تتحقق الأصالة مع المعاصرة ، ويستطيع المجتمع أن يستمر و يرتقي؛ ثابتاً على أصوله وقيمه وغاياته، متطوراً في معارفه و أساليبه وأدواته:
- فبالثبات، يستعصي على ما يسبب له الانهيار والفساد ، أو الذوبان في المجتمعات الأخرى .
- وبالثبات أيضاً يستقر التشريع وترتكز المعاملات والعلاقات على أسس راسخة، لا تعصف بها الأهواء والتقلبات السياسية والاجتماعية ما بين يوم و آخر ، وبالمرونة يستطيع المجتمع أن يكيف نفسه وعلاقاته حسب تغير الزمن، وتغير أوضاع الحياة ، دون أن يفقد خصائصه و مقوماته الذاتية.( الخصائص العامة للاسلام للقرضاوي بتصرف كبير 203 ).
يقول ابن القيم رحمه الله : الأحكام نوعان : نوع لا يتغير عن حالة واحدة هو عليها ، لا بحسب الأزمنة و لا الأمكنة ، و لا اجتهاد الأئمة ، كوجوب الواجبات ، و تحريم المحرمات ، والحدود المقدرة بالشرع على الجرائم ، و نحو ذلك ، فهذا لا يتطرق إليه تغيير ، و لا اجتهاد يخالف ما وُضع عليه . و النوع الثاني : ما يتغير بحسب اقتضاء المصلحة له زماناً و مكاناً و حالاً ، كمقادير التعزيرات.( إغاثة اللهفان، 1/ 346 ، 349) .
الثبات يكون على الأهداف والغايات ، والمرونة تكون في الوسائل والأساليب. والغلو هو التفريط بالأصل بسبب الجمود على الوسيلة ، ومن أمثلة ذلك :
- معلوم أن الحفاظ على الدين من وأحكامه وتشريعاته أصل كبير ومطلب عظيم، وأن الحوار مع أصحاب الديانات الأخرى هدف ووسيلة من وسائل الدعوة إلى الله تعالى . فمن الغلو أن تمييع الدين ومخالفة أحكامه بذريعة الحوار والتلاقي مع الآخر، كما في مؤتمرات حوار الأديان .
- تعليم كتاب الله ونشره غاية عظيمة وهدف عظيم من أهداف الشريعة ، فترى بعض الغلاة يمتنع عن توزيع المصاحف المطبوعة لوجود شيء من الزخرفة المنهي عنها .
- قد يمتنع بعض الدعاة عن الدعوة عبر المشاركة في القنوات الفضائية – والدعوة هدف من أهداف الشريعة – بسبب وجود بعض المخالفات الشرعية في هذه القنوات .
- وكذا ما فعله بعض المسلمين الذين يقيمون في إحدى الدول الغربية حيث عرضت عليهم الحكومة التعاون في حملة مكافحة المخدرات ، فرفضوا ! مع أن هدف الحملة يصب في حفظ إحدى الضرورات الخمس وهي حفظ العقل ... ألخ
إن الوسطية هي صيانة الثابت و تجديد المرن ، وهذا ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم .
فمن الهدي النبوي في صيانة الثابت ، ما ورد في السيرة عندما حاول المشركون أن يبرموا صفقة مع النبي صلى الله عليه وسلم فيقبل شيئاً من عبادتهم ويقبلوا شيئاً من عبادته ، فيعبد آلهتهم مدة ، و يعبدوا الله مدة ، فجاء الجواب القاطع منه صلى الله عليه وسلم تالياً قوله تعالى{ قُلْ يَأَيّهَا الْكَافِرُونَ * لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ* وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مّا عَبَدتّمْ * وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ* لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} .
أما المرونة فمنها ما جرى في معركة الأحزاب عندما أخذ النبي صلى الله عليه وسلم برأي "سلمان الفارسي " رضي الله عنه في حفر الخندق حول المدينة ، وعندما شاور بعض رؤساء الأنصار في إمكان إعطاء غطفان جزءاً من ثمار المدينة ، ليردهم و يفرقهم عن حلفائهم ، كسباً للوقت إلى أن يتغير الموقف. وفي يوم الحديبية تتجلى المرونة النبوية بأروع صورها عندما قال صلى الله عليه وسلم : " و الله لا تدعوني قريش اليوم إلى خطة يسألوني فيها صلة الرحم إلا أعطيتهم إياها" رواه البخاري وأبو داوود . وفي قبوله صلى الله عليه وسلم أن يكتب في عقد صلح الحديبية : " باسمك اللهم " بدل : " بسم الله الرحمن الرحيم "، بعد أن رفضت قريش التسمية ، وفي قبوله من الشروط ما كان في ظاهره إجحاف بالمسلمين لكن كان في عاقبته خيراً كثيراً.
وفي مجال التعبد يتجلى الثبات النبوي على الأصول ، بعدم الإذن بإحداث عبادة لم يشرعها الله ، فالأصل في العبادات التوقيف ، ولا عبادة إلا بنص ، لا بما تستحسنه العقول، وتستسيغه الأهواء ، فهذا باب من أبواب الغلو . قال صلى الله عليه وسلم :" من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد ". رواه البخاري . وقال : " وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ". رواه أبو داوود والترمذي .
بينما تتجلى المرونة في العبادة فتح باب الاجتهاد في العبادة من صلاة وصيام وتلاوة قرآن وذكر ونوافل وإنفاق وحج وغير ذلك .
يتبعـ,,
|
|
|