عرض مشاركة واحدة
قديم 25-11-2002, 12:46 AM   #7
هدهد سليمان
( عضو دائم ولديه حصانه )


الصورة الرمزية هدهد سليمان
هدهد سليمان غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1651
 تاريخ التسجيل :  05 2002
 أخر زيارة : 24-10-2012 (12:54 AM)
 المشاركات : 1,920 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
لعل هذا المنقول يفيد0000



والغرور كما عرّفه أهل اللغة:

(يقال غررت فلاناً: أصبت غرّته؛ ونلت منه ما أريده، والغرّة غفلة في اليقظة، والغرارغفلة مع غفوة، وأصل ذلك من الغرّ، وهو الأثر الظاهر من الشيء.

فالغرور: كل ما يغرّ الإنسان من مال وجاه وشهوة وشيطان، وقد فسّر بالشيطان، إذ هو اخبث الغارّين، وبالدنيا لما قيل.

الدنيا: تغرّ وتضرّ وتمرّ)(2).

وإذن فلنقرأ الحالة النفسية التي يصاب بها الإنسان المخدوع، الذي يعيش حالة الغفلة رغم يقظته.

الغرور الذي قاد ضحاياه إلى الاستهانة بالحقّ والتجاوز على قيم الحياة، والاستخفاف بالآخرين فيخاطبه القرآن:

{يا أيها الإنسانُ ما غرّك بربك الكريم}.

والقرآن يطلق هذا الوصف على أولئك الغافلين، رغم يقظتهم بعد أن غرّهم المال والجاه والسلطان، وظنوا انهم ملكوا الدنيا، وانّ ما ملكوا لا يزول ولا يفنى، وليس بوسع غيرهم أن يحتل الموقع الذي وصلوه.

وتتوالى صيحات القرآن لتنبيه أولئك الغافلين وتحذيرهم من الغفلة والغفوة، ويستحضر أمامهم صورة من صور العذاب التي يُساقون إليها، وحالة الندم التي تعبّر عن عودة الوعي ومعرفة الحقيقة، ولات ساعة مندم.

القرآن يستدعي من عالم الجزاء ذلك الموقف والحوار، بين فريق المنافقين المغرورين الذين وقفوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم موقف العداوة والعصيان، وفريق المؤمنين الذين عرفوا قيمة الحياة، وتعاملوا مع المال والقوة والسلطان ومغريات الحياة بواقعية ووعي.

يستدعي تلك المواقف ليعيد للإنسان وعيه، ويرفع عن عينيه غشاوة الغرور والأماني الخادعة، انه يصوغ وقائع الحوار بنصه القائل:

{يُنادونهم ألم نكُن معكُم قالوا بلى ولكنكُم فتنتم أنفسكم وتربّصتم وارتبتم وغرّتكم الأمانيُّ حتى جاءَ أمرُ اللهِ وغرّكم بالله الغرور}. (الحديد/14)

وفي موقف آخر يرسم القرآن لوحة الحياة بمشاهدها الزاهرة المغرية، ترفل بالجمال والمال والحيوية والعطاء فيقود ذلك المغرور إلى مزرعة تتناغم فيها الأزهار وتتعانق في ربوعها السنابل والأكمام، جذلى تسبح في وابل الغيث وبسمات الندى، وهي تتراقص أمام عيني الإنسان الكافر المغرور الذي لا يعي غير تلك المشاهد، ولا يريد أن يصدّق زوالها، ثم يصور له خاتمة المسير، وتحوّل تلك النضارة إلى ذبول وحطام، والجمال والمال إلى أثر وذكريات تروي قصته في زمن مرّ، واحترقت صفحاته، لقد خانه الوعي، وقصر عن تصور تلك المشاهد التي تحوّل فيها الأمل إلى ندامة، والسرور إلى أحزان، واللذة إلى ألم ومرارة.

إذن ليقرأ الإنسان ما صوّر الوحي، وخطّه قلم التنزيل:

{إعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث اعجب الكفّار نباتُه ثم يهيج فتراه مصفراً ثم يكون حطاماً وفي الآخرة عذابٌ شديدٌ ومغفرة من الله وضوانٌ وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور}. (الحديد/20)

في هذا التصور القرآني توضع الحياة الغَرور أمام الإنسان بحقيقتها، فتشخص له محصورة في مفرداتها، فهي في بيان القرآن: لعب، ولهو، وزينة، وتفاخر بين الناس، وجمع للأموال، وإكثار من الأولاد، ومتاع وغرور… الخ.

والقرآن عندما يصور الحياة بهذه الصورة، إنما يدعو الإنسان لاعادة فهمه وتعامله مع مفردات الحياة، ليكوّن فهماً سليماً ووعياً عميقاً، لئلا يصرف همه وتفكيره وجده وجهده وحياته في اللعب واللهو، ولئلا يُعجب ويُغر بما حوت هذه المغريات.

ولكي تتجسد صورة الحياة بهيأتها المادية في ذهن المغرور، ضرب القرآن للإنسان مثلاً للايضاح، واستخدم الاستحضار الحسّي، فشبّهها بمزرعة يصيبها الغيث فتنمو وتزدهر وتمتلئ نضارة وجمالاً، ثم تصفر وتذبل وتتحوّل حطاماً، يتلوها الحساب والعقاب والعذاب، فهو ليس مغروراً بما يتحوّل حطاماً وتراباً وحسب، بل ويتحمل مسؤولية ذلك الحطام ويطوّق به.

ولكي يفهم الإنسان معنى الحياة فلا يغتر بها سمّى القرآن مغريات الحياة وما فيها من زينة ومال وبنين وجمال ولهو ولعب وتفاخر، سمّاه متاعاً، والمتاع في لسان العرب: (هو انتفاع ممتد الوقت)(3).

وفي خطاب يمزج بين العتاب والاهانة، ويقارن بين ما يحمل موقف الإنسان المغرور من لؤم وغفلة، وبين ما اتصف الرحمن به من كرم وفضل، يكشف القرآن صورة الموقف المهين للإنسان المغرور يوم الحساب:

{يا أيها الإنسان ما غرّك بربك الكريم}.

والمغرور لا يقوده الغرور إلى العصيان والعدوان وحسب، بل ويتجاوز حد العصيان ويتمادى في الظلم والعدوان، فيطغى ويتحول إلى طاغية يعبث بالحياة، فالمال والجاه والقوة والسلطان أدوات غرور تقود المغرور إلى الطغيان والعدوان.

والقرآن يشخص تلك الظاهرة المرضيّة، ويحاول أن يلفت نظر الإنسان المغرور بقوله:

{كلا إن الإنسان ليطغى*أن رآه استغنى}.
المصدر
http://www.alhadi.de/arabisch/44/44/44.htm


 

رد مع اقتباس