عرض مشاركة واحدة
قديم 04-01-2010, 10:20 AM   #10
أبو الفداء
عضـو مُـبـدع


الصورة الرمزية أبو الفداء
أبو الفداء غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29256
 تاريخ التسجيل :  12 2009
 أخر زيارة : 15-02-2010 (11:47 AM)
 المشاركات : 457 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


ويقول الدكتور اليحيى ولا أظن - والله - هذا المسمى استعانة بالجن المسلمين إلا ضرباً من ضروب الاستدراج ، فهم أنواع من الشياطين يستدرجون أولئك بزعمهم أنهم مسلمون ، وأنهم لا يريدون سوى إعانة هذا (الذي نذر نفسه لعلاج الناس !نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة ، فيطلعونه على ما يعلمون ويخفى على صاحبهم ، حتى إذا استحلى هذا النوع من المعرفة ، وذاق هذا الطعم من الخصوصية ، وعسر عليه أن ينفك مما عرف به بين الناس ، حين ذلك تستولي عليه الشياطين حقاً ، لتملي عليه ما تقصده في الأصل من الاستمتاع الذي هو من صور الشرك كالسجود أو الذبح أو غير ذلك.
أن الله عز وجل قال : { وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ } (60) سورة الأنفال ، فهذا أمر بالإعداد للجهاد ، فكل ما يمكن الإعداد به فهو مما تشمله الآية بالأمر ، ومعلوم أن الاستعانة بالجن في مثل معارك المسلمين من أعظم الإعداد ، فلو لم يكن منهم إلا نقل المعلومات عن العدو لكان ذلك من أعظم أسباب القوة, ومع هذا كله فلم يُنقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزوة واحدة ، ولا في بعثٍ أو سرية أنه استعان بالجن المسلمين.
بل إنه في غزوة الخندق في ليلة باردة رغب عليه الصلاة والسلام في التعرف على أحوال الكفار ، فلم يجد إلا أن ينتدب من أصحابه من يأتيه بخبرهم ، وقد كرر عليهم الطلب فلم يقم أحد ، حتى أمر حذيفة - رضي الله عنه - بأن يأتيه بالخبر ، قال حذيفة : فلم أجد بدا إذ دعاني باسمي أن أقوم ، وذلك لشدة الأمر في تلك الليلة بين الخوف والبرد.
فلو كانت الاستعانة بالجن المسلمين جائزة لكانت تلك الليلة من أعظم أوقات الحاجة ، إن لم تكن ضرورة ، فما كان على النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا أن يدعو جنياً ممن أسلم على يديه ليأتيه بالخبر في لحظة ، دون أن يشق على أصحابه ، فدل على أن الاستعانة بهم أصلاً غير واردة بل هي ممنوعة.
ان قرين النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أسلم كما ثبت في صحيح مسلم ، ومع ذلك لم يُنقل عنه أبدا أنه استعان في شيء.
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد سُحر كما ثبت في الصحيحين ، ولم يستعن بالجن المسلمين في معرفة السحر ، بل إنه لم يعرف أنه في بئر ذي أروان حتى أخبره جبريل وميكائيل عليهما السلام.
ولا يقال : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - ترك الاستعانة بالجن المسلمين مع جواز ذلك ، لكونه منافياً ، لكمال التوكل كما في حديث السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب ، لأن الاستعانة بهم لو كانت جائزة لكانت من قبيل أمره عليه الصلاة والسلام لبعض أصحابه لقضاء بعض حاجته ، أو كأمره حذيفة - صلى الله عليه وسلم - بأن يأتيه بخبر المشركين كما تقدم في الحديث السابق ، مما لا يعتبر منافياً لكمال التوكل ، فلما لم يحدث ذلك دل على أن الاستعانة بهم هي من قبيل الممنوع ، وليست من قبيل المأذون فيه.
ويضيف د. اليحيى في أوجه منع الاستعانة بالجن كما لم ينقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيء من ذلك ، فكذلك لم ينقل عن أحد من أصحابه - رضي الله عنهم - من هذه الاستعانة شيء فيما أعلمه والله أعلم.
إن استخدام الجن خاص بسليمان - عليه السلام - كما في حديث أبي الدرداء رضي الله عنه قال : قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسمعناه يقول أعوذ بالله منك ، ثم قال ألعنك بلعنة الله ثلاثاً وبسط يده كأنه يتناول شيئاً ، فلما فرغ من الصلاة قلنا يا رسول الله قد سمعناك تقول في الصلاة شيئاً لم نسمعك تقوله قبل ذلك ، ورأيناك بسطت يدك قال : إن عدو الله إبليس جاء بشهاب من نار ليجعله في وجهي ، فقلت أعوذ بالله منك ثلاث مرات ، ثم قلت ألعنك بلعنة الله التامة فلم يستأخر ثلاث مرات ثم أردت آخذه ، والله لولا دعوة أخينا سليمان لأصبح موثقاً يلعب به ولدان أهل المدينة ، أخرجه مسلم.
وعن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إن عفريتاً من الجن تفلت البارحة ليقطع علي صلاتي ، فأمكنني الله منه فأخذته فأردت أن أربطه على سارية من سواري المسجد ، حتى تنظروا إليه كلكم فذكرت دعوة أخي سليمان { رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي } فرددته خاسئاً ، متفق عليه.
ويقول د. اليحيى فكأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يشأ أن يتعدى إلى ما كان من خصوصيات نبي الله سليمان - عليه السلام - فكيف يستجيز المسلم لنفسه أن يقتحم ما وقف عنه النبي - صلى الله عليه وسلم -!!
إن الأخبار بالمغيبات - ولو كان غيباً نسبياً وهو ما يخفى على أحد دون أحد - هو مجال للافتتان من قبل المتحدث بذلك ومن قبل المستمع ، وتهمة لمن تحدث بذلك أن يكون تلقاه بالسحر ، والمسلم مأمور بتجنب مواطن الفتن والشبه.
إن التعامل هنا إنما هو مع الجن ، وهو مجرد سماع كلام لا يمكن التأكد من خلاله من شخصية المتكلم ، ومن ثم اليقين بأنه مسلم حقاً ، أو هي مجرد دعوى ، وتلبيس وخداع .. إن فتح هذا الباب يورث التلبيس على الناس والتشويش عليهم من حيث اختلاط المستعين بالجن المسلمين بالآخر المستعين بغير المسلمين ، ثم لا يجد الناس فرقاً بينهم وبين السحرة والكهنة والمشعوذين.
أنه ما من أحد يخدم أحداً إلا ويأخذ مقابل ذلك منفعة أو يطمع في ذلك ، فَلِمَ يخدم الجن المسلمون هذا الشخص المستعين بهم ؟ ويتساءل د. اليحيى هل يعقل أنهم يفعلون ذلك احتساباً ، وهم يعلمون أن صاحبهم يتقاضى على ذلك أجراً وعمولة ؟! بل حتى لو لم يأخذ شيئاً فهم يعلمون أن فعله ذلك سيجعل له مكانة ، ويصبح ممن يقصده الناس ، فهم مع هذا لن يرضوا إلا بمصلحة يجدونها ، فما المصلحة التي يستفيدها الجني من الإنسي في هذه الحال ، وقد تقدم من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية ما يوضح أن الجني لا يخدم الإنسي إلا بما ينتفع به.
أن تحضير هؤلاء الجن من قبل المستعين بهم لا يتم إلا بنوع من التمتمات والغرف المظلمة وأشياء من هذا القبيل ، كما سمعنا ممن يدعي الاستعانة بالجن المسلمين ، وهذا الفعل المشبوه ما الدليل عليه ؟ وأي فرق بينه وبين صنيع السحرة والمشعوذين ؟
إن من جوز الاستعانة بالجن المسلمين قد يلزمه تجويز الاستعانة بالجن غير المسلمين ، فإذا كانت الاستعانة بالجن كالاستعانة بالإنس فلا فرق بين الكافر والمسلم ما دام أن الحاجة المقصودة مباحة ، كما يستعين المسلم بالكافر في المباحات ، وإذا جوز الأمران فعلى العقيدة السلام.
إن أقل أحواله - تترلاً لا تسليماً - أن يكون من المشتبه المأمور باجتنابه في أكثر من حديث ، ولا سيما أنه يتعلق بجانب مهم شديد الحساسية جدير بالنأي عن كل ما يخدشه ، وهو جانب الاعتقاد ، والأحاديث التي قد توقي المتشابه كثيرة منها : حديث النعمان بن بشير - رضي الله عنهما - قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : إن الحلال بين وإن الحرام بين وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس ، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام ، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ألا وإن لكل ملك حمى ، ألا وإن حمى الله محارمه .. الحديث متفق عليه. وحديث الحسن بن علي - رضي الله عنهما - قال : حفظت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ، فإن الصدق طمأنينة وإن الكذب ريبة .. هذا وإن مما أورث شيئاً من الشبهة لدى بعض من تعاطى هذا النوع من الاستعانة ما نقل عن شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - مما صار مستمسكاً لبعضهم ، ويعرض د. اليحيى ما في مجموع الفتاوى لابن تيمية في هذا الموضوع : في أحد المواضع يقول ابن تيمية - رحمه الله - : ( والمقصود هنا أن الجن مع الإنس على أحوال : فمن كان من الإنس يأمر الجن بما أمر الله به ورسوله من عبادة الله وحده وطاعة نبيه ويأمر الإنس بذلك ، فهذا من أفضل أولياء الله تعالى وهو في ذلك من خلفاء الرسول ونوابه ، ومن كان يستعمل الجن في أمور مباحة له فهو كمن استعمل الإنس في أمور مباحة له ، وهذا كأن يأمرهم بما يجب عليهم وينهاهم عما حرم عليهم ويستعملهم في مباحات له ، فيكون بمنزلة الملوك الذين يفعلون مثل ذلك وهذا إذا قدر أنه من أولياء الله تعالى فغايته أن يكون في عموم أولياء الله مثل النبي الملك مع العبد الرسول : كسليمان ويوسف مع إبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
ومن كان يستعمل الجن فيما ينهى الله عنه ورسوله إما في الشرك وإما في قتل معصوم الدم ، أو في العدوان عليهم بغير القتل كتمريضه وإنسائه العلم وغير ذلك من الظلم ، وإما في فاحشة كجلب من يطلب من الفاحشة فهذا قد استعان بهم على الإثم والعدوان ، ثم إن استعان بهم على الفكر فهو كافر وإن استعان بهم على المعاصي فهو عاص : إما فاسق وإما مذنب غير فاسق.
وإن لم يكن تام العلم بالشريعة فاستعان بهم فيما يظن أنه من الكرامات : مثل أن يستعين بهم على الحج أو أن يطيروا به عند السماع البدعي ، أو أن يحملوه إلى عرفات ولا يحج الحج الشرعي الذي أمره الله به ورسوله ، وأن يحملوه من مدينة إلى مدينة ونحو ذلك فهذا مغرور قد مكروا به.
وكثير من هؤلاء قد لا يعرف أن ذلك من الجن ، بل قد سمع أن أولياء الله لهم كرامات وخوارق للعادات وليس عنده من حقائق الإيمان ومعرفة القرآن ما يفرق به بين الكرامات الرحمانية وبين التلبيسات الشيطانية ، فيمكرون به بحسب اعتقاده فإن كان مشركاً يعبد الكواكب والأوثان ، أوهموه أنه ينتفع بتلك العبادة ويكون قصده الاستشفاع والتوسل ممن صور ذلك الصنم على صورته من ملك أو نبي أو شيخ صالح ، فيظن أنه صالح وتكون عبادته في الحقيقة للشيطان قال الله تعالى : { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاء إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ {40} قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِم بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ }.
ولهذا كان الذين يسجدون للشمس والقمر والكواكب يقصدون السجود لها فيقارنها الشيطان عند سجودهم ليكون سجودهم له ، ولهذا يتمثل الشيطان بصورة من يستغيث به المشركون ، فإن كان نصرانياً واستغاث بجرجس أو غيره جاء الشيطان بصورة جرجس أو من يستغيث به ، وإن كان منتسباً إلى الإسلام واستغاث بشيخ يحسن الظن به من شيوخ المسلمين جاء في صورة ذلك الشيخ ، وإن كان من مشركي الهند جاء في صورة من يعظمه ذلك المشرك.


 

رد مع اقتباس