25-01-2010, 11:35 PM
|
#5
|
V I P
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 5696
|
تاريخ التسجيل : 02 2004
|
أخر زيارة : 15-11-2010 (09:06 PM)
|
المشاركات :
8,386 [
+
] |
التقييم : 87
|
|
لوني المفضل : Cadetblue
|
|
.
فلهذا نقول: الراجح من التفسيرين أن قوله -عليه الصلاة والسلام- إنما الأعمال بالنيات يعني: إنما الأعمال صحة وقبولًا أو فسادًا بسبب النيات، وإنما لامرئ من عمله ثوابًا وأجرًا ما نواه.
إذا تقرر هذا فالأعمال ما هي؟
الأعمال جمع عمل، والمقصود به هنا ما يصدر عن المكلف، ويدخل فيه الأقوال فليس المقصود بالعمل قسيم القول، القول والعمل والاعتقاد قسيم القول والاعتقاد، وإنما الأعمال هنا كل ما يصدر عن المكلف من أقوال وأعمال، قول القلب، وعمل القلب، وقول اللسان، وعمل الجوارح.
فيدخل في قوله: إنما الأعمال بالنيات كل ما يتعلق بالإيمان؛ لأن الإيمان قول وعمل، قول اللسان، وقول القلب وعمل القلب وعمل الجوارح، فقوله: إنما الأعمال بالنيات يدخل فيها جميع أنواع ما يصدر من المكلف.
طبعًا هذا العموم عموم مراد به إلى الخصوص؛ لأن العموم عند الأصوليين على ثلاثة أقسام: عام باق على عمومه، وعام دخله التخصيص، وعام مراد به إلى الخصوص، يعني: أن يكون اللفظ عامًا، ويراد به بعض الأفراد.
وهنا لا يدخل في الأعمال في قوله: إنما الأعمال بالنيات لا يدخل فيها الأعمال التي لا تشترط لها النية مثل أنواع التروك، وإرجاع المظالم، وأشباه ذلك، تطهير النجاسة، وأمثال ذلك، يعني: مما لا يشترط له النية؛ لأنه ترك ونحوه، والنية التي عليها مدار هذا الحديث، النية: قصد القلب وإرادته.
وإذا قلنا: النية قصد القلب وإرادته علقناها بالقلب، فالنية إذًا ليس محلها اللسان ولا الجوارح، وإنما محلها القلب نوى يعني: قصد بقلبه وأراد بقلبه هذا الشيء.
فالأعمال مشروطة بإرادة القلب وقصده، فأي إرادة وقصد هذه المقصود بها إرادة وجه الله -جل وعلا- بذلك؛ ولهذا في القرآن يأتي معنى النية بلفظ الإرادة والابتغاء وأشباه ذلك، كما في قوله: { يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ } وكما في قوله: { يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ } ونحو ذلك { مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ } يريد يعني: ينوي يطلب ويقصد، هذه هي النية { وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا } هذه النية.
أو لفظ الابتغاء كقوله -جل وعلا-: { إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى وكما في قوله -جل وعلا-: لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا } .
فإذًا في النصوص يكثر ورود النية بلفظ أولًا: الإرادة إرادة القلب، ثانيًا: بلفظ الابتغاء، أو بلفظ الإسلام؛ إسلام القلب والوجه لله -جل وعلا- والنية في كلام الله -جل وعلا- أو في الشريعة بعامة يراد بها أحد معنيين: المعنى الأول: نية متجهة للعبادة، والمعنى الثانى: نية متجهة للمعبود.
فالنية قسمان:
نية متعلقة بالعبادة، ونية متعلقة بالمعبود، فأما المتعلقة بالعبادة فهي التي يستعملها الفقهاء في الأحكام حين يأتون إلى الشروط، الشرط الأول: النية، يقصدون بذلك النية المتوجهة للعبادة، وهي تمييز العبادات بعضها عن بعض.
تمييز الصلاة عن الصيام، تمييز الصلاة المفروضة عن النفل، يعني: أن يميز القلب فيما يأتي ما بين عبادة وعبادة، أتى المسجد وأراد أن يركع ركعتين، ميز قلبه هاتين الركعتين هل هي ركعتا تحية المسجد، أو هي ركعتا راتبة؟ أو هل هي ركعتا استخارة؟ إلى آخره... فتمييز القلب ما بين عبادة وعبادة هذه هي النية التي يتكلم عنها الفقهاء في الكتب الفقهية وهي النية المتوجهة للعبادة.
القسم الثانى: النية المتوجهة للمعبود، وهذه هي التي يتحدث عنها باسم الإخلاص: إخلاص القلب، إخلاص النية، إخلاص العمل لله -جل وعلا- وهي التي تستعمل كثيرًا بلفظ النية والإخلاص والقصد.
فإذًا هذا الحديث شمل نوعي النية: النية التي توجهت للمعبود، والنية التي توجهت للعبادة، فـ إنما الأعمال بالنيات يعني: إنما العبادات تقع صحيحة، أو مقبولة بسبب النية، يعني: النية التي تميز العبادة بعضها عن بعض أولا.
والنية التي هي إخلاص العبادة للمعبود، وهو الله -جل جلاله- فلهذا لا يصلح أن نقول: النية هنا هي النية التي بمعنى الإخلاص، ونقول: إن كلام الفقهاء في النيات لم يدخل فيه الإخلاص، ولا القسم الثاني، فإن تحقيق المقام انقسام النية إلى هذين النوعين -كما أوضحت لكم-.
قال -عليه الصلاة والسلام-: وإنما لكل امرئ ما نوى يعني: هذا حصر أيضًا، وإنما لكل امرئ من عمله ثوابًا وأجرًا لما نواه بعمله، فإن كان نوى بعمله الله والدار الآخرة، يعني: أخلص لله -جل وعلا- مريدا وجه الله -جل وعلا- فعمله صالح، وإن كان عمله للدنيا فعمله فاسد؛ لأنه للدنيا.
وهذا كما جاء في آيات كثيرة إخلاص الدين لله -جل علا-: { وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } يعني: الدين يقع على نية الإخلاص، كما في قوله -جل وعلا-: { أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ } .
وقد جاء في أحاديث كثيرة بيان إخلاص العمل لله -جل وعلا- كقوله -عليه الصلاة والسلام- في الحديث الذي رواه مسلم في الصحيح: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملًا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه وفي لفظ آخر قال -عليه الصلاة والسلام- في هذا الحديث القدسي: فهو للذي أشرك، وأنا منه بريء .
وهذا يدل على أن العمل لا بد أن يكون خالصًا لله -جل وعلا- حتى يكون مقبولًا، ويؤجر عليه العبد، إذا وصلنا إلى هذا فمعناه أن من عمل عملًا، ودخل في ذلك العمل نية غير الله -جل وعلا- بذلك العمل، فإن العمل باطل لقوله: "من عمل عملًا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه" .. "فهو للذي أشرك" " .. إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى " .
وهذه يحتمل أن يكون المراد بذلك العملِ العملَ الذي يكون في أصل العبادة، أو في أثناء العبادة، أو غيَّر نيته بعد العبادة، يحتمل هذا، أو تكون العبادة أيضا في بعضها لله، وفي بعضها لغير الله، فما المراد؟
قال العلماء: تحقيق هذا المقام أن العمل إذا خالتطه نية فاسدة، يعني: رياء نوى للخلق، أو سمعة، فإنه إن أنشأ العبادة للخلق فهي باطلة، يعني: صلى دخل في الصلاة، لا لإرادة الصلاة؛ ولكن يريد أن يراه فلان، فهذه الصلاة باطلة.
وهو مشرك كما جاء في الحديث: من صلى يرائي فقد أشرك، ومن صام يرائي فقد أشرك، ومن تصدق يرائي فقد أشرك يعني: حين أنشأ الصلاة الواحدة أنشأها يرائي، وإلا فإن إنشاء المسلم عباداته جميعًا على الرياء هذا غير متصور، وإنما يقع الرياء ربما في بعض عبادات المسلم؛ إما في أولها، وإما في أثنائها.
وأما الرياء التام في جميع الأعمال فإن هذا لا يتصور من مسلم، وإنما يكون من الكفار والمنافقين، كما قال -جل وعلا- في وصفهم: { يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا } وقوله في وصف الكفار: { رِئَاءَ النَّاسِ } يعني: بهذا أن القسم الأول نية ابتدأ بها العبادة لغير الله، فهذه العبادة تكون باطلة: صلاته باطلة، صيامه باطل، وصدقته باطلة، نوى بالعمل غير وجه الله -جل وعلا-.
القسم الثاني: أن يحدث تغيير النية في أثناء العبادة، وهذا له حالان: الحال الأولى: أن يبطل نيته الأصلية، ويجعل العبادة لهذا المخلوق، فهذا حكمه كالأول من أن العبادة فسدت؛ لأنه أبطل نيتها، وجعلها للمخلوق، فنوى في أثناء الصلاة أن الصلاة هذه لفلان، فتبطل الصلاة.
الحال الثانية: من هذا القسم أن يزيد في الصلاة من لأجل رؤية أحد الناس، يعني: يراه أحد طلبة العلم، أو يراه والده، أو يراه كبير القوم، أو يراه إمام المسجد، فبدل أن يسبح ثلاث تسبيحات أطال في الركوع، والركوع عبادة لله -جل وعلا- فأطال على خلاف عادته لأجل رؤية هذا الرائي.
فهذا العمل الزائد الذي نوى به المخلوق يبطل؛ لأن نيته فيه لغير الله، و إنما الأعمال بالنيات لكن أصل العمل صالح؛ لأن هذه النية ما عرضت لأصل العمل، وإنما عرضت لزيادة في بعضه أطال الصلاة، أو إمام أطال القراءة؛ لأن حسن صوته لرؤية إلى الخلق، أو لأن وراءه فلان، أو نحو ذلك من الأعمال، فلا يبطل أصل العمل، وإنما ما زاد فيه لأجل الخلق يكون فيه مشركًا الشرك الأصغر، وهو الرياء -والعياذ بالله-، هذه الحالة الثانية من القسم الثاني.
والحالة الثالثة: أن يعرض له حب الثناء، وحب الذكر بعد تمام العبادة، عمل العبادة لله، صلى لله، حفظ القرآن لله، وصام لله، صام النوافل لله -جل وعلا- مخلصًا، وبعد ذلك رأى من يثني عليه، فسره ذلك، ورغب في المزيد في داخله، فهذا لا يخرم أصل العمل؛ لأنه نواه لله، ولم يكن في أثنائه فيكون شركا، إنما وقع بعد تمامه، فهذا كما جاء في الحديث تلك عاجل بشرى المؤمن أن يسمع ثناء الناس عليه لعبادته وهو لم يقصد في العمل الذي عمله أن يثني عليه الناس هذه ثلاثة أحوال.
وإذا تقرر هذا فالأعمال التي يتعلق بها نية مع نيتها لله -جل وعلا- على قسمين أيضا، الأول: أعمال يجب ألا يريد بها، وألا يعرض لقلبه فيها ثواب الدنيا أصلا، وهذه أكثر العبادات، وأكثر الأعمال الشرعية.
والقسم الثاني: عبادات حض عليها الشارع بذكر ثوابها في الدنيا، مثل صلة الرحم حض عليها الشارع بذكر ثواب الدنيا، فقال -عليه الصلاة والسلام-: من سره أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره، فليصل رحمه فحض على صلة الرحم بذكر ثواب الدنيا: النسأ في الأثر، والبسط في الرزق.
يتبعـ ,,
|
|
|