عرض مشاركة واحدة
قديم 27-01-2010, 01:16 PM   #1
أبو الفداء
عضـو مُـبـدع


الصورة الرمزية أبو الفداء
أبو الفداء غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29256
 تاريخ التسجيل :  12 2009
 أخر زيارة : 15-02-2010 (11:47 AM)
 المشاركات : 457 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
الى مَن يقول: منقول ! .... بقلم : سكينة الألباني



الى مَن يقول: منقول !
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على خاتم رسل الله
أما بعد
فقد ذكر الحافظ ابن عبد البر رحمه الله في كتابه "جامع بيان العلم وفضله" (2/ 89) قولاً للمزني ثم أردفه بقوله:
"ما ألزمه المزني عندي لازم ؛ فلذلك ذكرته وأضفته إلى قائله ؛ لأنه يقال :
إن مِن بركة العلم أن تضيف الشيء إلى قائله "
وقال الإمام النووي رحمه الله في شرحه لحديث (إنما الأعمال بالنيات) في كتابه "بستان العارفين" (3 و4 شاملة):
" ومما ينبغي الاعتناء به بيان الأحاديث التي قيل إنها أصول الإسلام وأصول الدين أو عليها مدار الإسلام أو مدار الفقه والعلم، فنذكرها في هذا الموضع؛ لأن أحدها حديث (الأعمال بالنيات)، ولأنها مهمة، فينبغي أن تقدّم، وقد اختلف العلماء في عددها اختلافًا كثيرًا، وقد اجتهد في جمعها وتبيينها الشيخ الإمام الحافظ أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن المعروف بابن الصلاح رحمه الله تعالى، ولا مزيد على تحقيقه وإتقانه، فأنا أنقل ما ذكره رحمه الله مختصرًا، وأضم إليه ما تيسر مما لم يذكره، فإنّ (الدِّينَ النصيحة)، ومِن النصيحة: أن تضاف الفائدةُ التي تُستغرَبُ إلى قائلها، فمَن فعل ذلك؛ بورك له في عِلْمِه وحالِه، ومَن أَوْهَم ذلك وأوهم فيما يأخذه مِن كلام غيره أنه له؛ فهو جديرٌ أن لا يُنتفَع بعِلمِه، ولا يُبارَك له في حال. ولم يَزل أهلُ العلم والفضل على إضافةِ الفوائد إلى قائلها، نسأل الله تعالى التوفيق لذلك دائمًا". ا.هـ
وفي "الآداب الشرعية": فَصْلٌ (فِي الْأَدَبِ مَعَ الْمُحَدِّثِ وَمِنْهُ التَّجَاهُلُ وَالْإِقْبَالُ وَالِاسْتِمَاعُ):
"قَالَ الْخَلَّالُ : أَخْبَرَنَا الدَّاوُدِيُّ سَمِعْت أَبَا عُبَيْدٍ الْقَاسِمَ بْنَ سَلَامٍ يَقُولُ :
إنَّ مِنْ شُكْرِ الْعِلْمَ أَنْ يَجْلِسَ مَعَ رَجُلٍ فَيُذَاكِرَهُ بِشَيْءٍ لَا يَعْرِفُهُ ، فَيَذْكُرَ لَهُ الْحَرْفَ عِنْدَ ذَلِكَ، فَيَذْكُرَ ذَلِكَ الْحَرْفَ الَّذِي سَمِع مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ ، فَيَقُولَ: مَا كَانَ عِنْدِي مِنْ هَذَا شَيْءٌ حَتَّى سَمِعْتُ فُلَانًا يَقُولُ فِيهِ كَذَا وَكَذَا .
فَإِذَا فَعَلْت ذَلِكَ فَقَدْ شَكَرْت الْعِلْمَ، وَلَا تُوهِمْهُمْ أَنَّك قُلْت هَذَا مِنْ نَفْسِك". ا.هـ
وقال الوزير المغربي في كتابه: "أدب الخواص" (ص11 شاملة):
"وألغينا الأسانيد خيفة التطويل إلا في أحد ثلاثة مواضع: إما خلاف نورده، وغفل نحضره، فنحتاج إلى إسناد يعضده، وإما أثر شرف رواية في نفوسنا، وكان مِن أماثل مَن أدركناه في زماننا، فحسبنا أن التخفيف بحذفه لا يبلغ ثمن العطل مِن التحلي بذكره، وإما فائدة كان موقعها منَّا لطيفًا، و موردها عندنا غريبًا، فرأينا أنّ الإغماض عن ذِكرِ مَن استفدناها منه خللٌ في المروءة، وشعبةٌ مِن كُفرِ النعمة، وغمطٌ لإحسانٍ لسنا أغنياء عن أمثاله، ولا مكتفين دون ما نستأنف مِن أشكاله، فقد حدثني أبو محمد عبد الغني بن سعيد الحافظ أنه كتب إليه أبو عبد الله النيسابوري أنه سمع أبا العباس محمد بن يعقوب الأصم يحكي عن العباس بن محمد الدوري أنه سمع أبا عبيد القاسم بن سلام يقول:
مِن شُكرِ العلم ذِكرُك الفائدة منسوبةً إلى مَن أفادك إياها، أو كما قال". ا.هـ
لا تنسوا:
بركة العلم... شكر العلم
وأعظمُ مِن ذلك كـلِّه: قولُ نبينا عليه الصلاة والسلام:
(الْمُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُور)، متفق عليه.
وقوله
(وَمَنْ ادَّعَى دَعْوَى كَاذِبَةً لِيَتَكَثَّرَ بِهَا؛ لَمْ يَزِدْهُ اللَّهُ إِلَّا قِلَّةً) "صحيح مسلم" (110)
وأرهب من ذلك: قوله جل جلاله:
{لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (آل عمران: 188)
وقد جعل الحافظ ابن كثير رحمه الله الحديثَ كأنه تفسير للمعنِيِّين بالآية، فقال رحمه الله:
"وقوله تعالى: { لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ} الآية، يعني بذلك المرائين المتكثرين بما لم يُعْطَوا، كما جاء في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَن ادَّعَى دَعْوى كاذبة لِيتَكَثَّر بها؛ لم يَزِدْه اللهُ إلا قِلَّةً) . وفي الصحيح: (المتشبع بما لم يُعْطَ كلابس ثَوْبَي زُور)". ا.هـ (2/ 181)
وها هي مناسبة الحديث الأول؛ يا لها من موعظة تدلّ على شمول ديننا الكامل!
عَنْ أَسْمَاءَ رضي الله عنها أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ لِي ضَرَّةً؛ فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ إِنْ تَشَبَّعْتُ مِنْ زَوْجِي غَيْرَ الَّذِي يُعْطِينِي؟
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(الْمُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ)
متفق عليه.
قال الحافظ رحمه الله في "الفتح" (9/ 317 و318):
قَوْله " الْمُتَشَبِّع " أَيْ الْمُتَزَيِّن بِمَا لَيْسَ عِنْده يَتَكَثَّر بِذَلِكَ وَيَتَزَيَّن بِالْبَاطِلِ ؛ كَالْمَرْأَةِ تَكُون عِنْد الرَّجُل وَلَهَا ضَرَّة، فَتَدَّعِي مِنْ الْحَظْوَة عِنْد زَوْجهَا أَكْثَر مِمَّا عِنْده، تُرِيد بِذَلِكَ غَيْظ ضَرَّتهَا ، وَكَذَلِكَ هَذَا فِي الرِّجَال". ا.هـ
قال الإمام النووي رحمه الله:
" ((المُتَشَبِّعُ )) : هُوَ الَّذِي يُظْهِرُ الشَّبَعَ وَلَيْسَ بِشَبْعَان . ومعناهُ هُنَا : أنْ يُظْهِرَ أنَّهُ حَصَلَ لَهُ فَضيلَةٌ، وَلَيْسَتْ حَاصِلَةً . (( وَلابِسُ ثَوْبَي زُورٍ )) أيْ : ذِي زُورٍ ، وَهُوَ الَّذِي يُزَوِّرُ عَلَى النَّاسِ، بِأنْ يَتَزَيَّى بِزِيِّ أهْلِ الزُّهْدِ أَو العِلْمِ أَو الثَّرْوَةِ ، لِيَغْتَرَّ بِهِ النَّاسُ، وَلَيْسَ هُوَ بِتِلْكَ الصِّفَةِ . وَقَيلَ غَيرُ ذَلِكَ واللهُ أعْلَمُ". ا.هـ من "رياض الصالحين" بتحقيق الوالد رحمه الله (ص 551 و552).
وقال القاضي عياض رحمه الله في شرح الحديث الثاني (مَنْ اِدَّعَى دَعْوَى كَاذِبَة لِيَتَكَثَّرَ بِهَا؛ لَمْ يَزِدْهُ اللَّه إِلَّا قِلَّةً) :
"هُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ دَعْوَى يَتَشَبَّع بِهَا الْمَرْءُ بِمَا لَمْ يُعْطَ:
مِنْ مَالٍ يَخْتَال فِي التَّجَمُّل بِهِ مِنْ غَيْره
أَوْ نَسَب يَنْتَمِي إِلَيْهِ ليس مِن جَذْمِه
أَوْ عِلْم يَتَحَلَّى بِهِ لَيْسَ مِنْ حَمَلَتِه
أَوْ دِينٌ يُرائي به لَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْله
فَقَدْ أَعْلَم صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ غَيْر مُبَارَك لَهُ فِي دَعْوَاهُ ، وَلَا زَاكٍ مَا اكْتَسَبَهُ بِهَا . وَمِثْله الْحَدِيث الآخَر (الْيَمِينُ الْفَاجِرَةُ مَنْفَقَة لِلسِّلْعَةِ مَمْحَقَةٌ لِلْكَسْبِ)". "إكمال المعلم" (1/ 391).
وقد استدل الوالد رحمه الله تعالى رحمة واسعة بهذا الحديث (حديث التشبع) على مسألة العزو هذه، فقال رحمه الله بعد أن ذكر "قول العلماء: "مِن بركةِ العلمِ عَزْوُ قولٍ إلى قائله" :
"لأن في ذلك ترفُّعًا عن التزوير الذي أشار إليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم في قوله: (الْمُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ)، متفق عليه". ا.هـ من مقدمة "الكلم الطيِّب" ص11 و12
ومع تطور العصر ظهر لهذا التشبُّع مجالاتٌ جديدة!
فنجد في المنتديات والبريد الإلكتروني تطبيقًا واضحًا للتشبُّع بغير المعطَى، فنجد مقالاً أو رسالةً، ونقرأ سطرًا بعد سطر ونحن شاكرون لصنيع الكاتب، مثنون على قلمه، مبجّلون لأصيل عِلمِه، متخيّلون لطويل بحثه وكثيرِ جهده في الجمع والتوليف بين المعاني، وربما توليدها مِن بنات أفكاره، وسعيه الحثيث، في تحرّي صحيح الحديث، وعنائه في توضيح العبارة، وانتقاء رصين الإشارة، حتى إذا انتهت السطور، وقارَبَ قارِبُ دعائنا العبور؛ فجعتْنا تلك الكلمة الكَلوم، تمحو مِن الذهن كلَّ تلك الرسوم، تقول أنّ ما فوقها إلى غيرِ هذا الكاتبِ يَؤُوْل، وهي على هذا تَعُول، مهما لَوَّنوها وزَرْكَشُوها وَوَاوَها أَشْـــبعوها، فبتكثير الواوات طَوّلوها – كأنهم بهذا يؤكّدون لأنفسهم الخروجَ مِن معرّةِ التشبُّع! – مهما كان ذا؛ هي لن تكون إلا كلمة:
(منقول)!



المصدر: نفساني



 

رد مع اقتباس