31-01-2010, 06:34 AM
|
#11
|
V I P
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 5696
|
تاريخ التسجيل : 02 2004
|
أخر زيارة : 15-11-2010 (09:06 PM)
|
المشاركات :
8,386 [
+
] |
التقييم : 87
|
|
لوني المفضل : Cadetblue
|
|
.
إذا تقرر هذا فالإيمان الشرعي المراد به في هذا الموطن: الذي يكون قريناً للإسلام -كما فسرت لك-، يراد به: الاعتقاد الباطن.
فإذا قرن بين الإسلام والإيمان انصرف الإسلام إلى عمل اللسان وعمل الجوارح، والإيمان إلى الاعتقادات الباطنة؛ فلهذا نقول إذًا: لا يُتصور أن يوجد إسلام بلا إيمان، ولا أن يوجد إيمان بلا إسلام.
فكل مسلم لا بد أن يكون معه من الإيمان قدرٌ هو الذي ذكرنا صحَّح به إسلامه، ولو لم يكن عنده ذلك القدر ما سُمي مسلماً أصلاً، فلا يُتصور مسلم بلا إيمان، فكل مسلم عنده قدر من الإيمان، وهذا القدر هو القدر المجزئ الذي ذكرت لك.
وكل مؤمن عنده قدر من الإسلام مصحِّح لإيمانه، فإنه لا يُقبل من أحد إيمان بلا إسلام، كما أنه لا يقبل من أحد إسلام بلا إيمان.
فإذا قلنا: هذا مسلم، فمعناه: أنه وجد إسلامه الظاهر مع أصل الإيمان الباطن، وهو القدر المجزئ.
إذا تقرر هذا فنقول: الإيمان يتفاوت أهله فيه، ولتفاوت أهله فيه صار الإيمان أعلى مرتبة من الإسلام، وصار المؤمن أعلى مرتبة من المسلم؛ لأن الإيمان في المرتبة التي هي أعلى من مرتبة الإسلام قد حقق فيها الإسلام، وما معه من القدر المجزئ من الإيمان، وزاد على ذلك فيكون إذًا إيمانه أرفع رتبة من إسلامه؛ لأنه اشتمل على الإسلام وزيادة.
ولهذا قال العلماء: كل مؤمن مسلم، وليس كل مسلم مؤمنا؛ ولهذا جاء في الحديث الصحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له أحد الصحابة: أعطِ فلانا فإنه -يا رسول الله- مؤمن، فقال -عليه الصلاة والسلام-: أو مسلم، فأعادها عليه الصحابي، فقال -علية الصلاة والسلام-: أو مسلم .
فهذا قوله: "أو مسلم" فيها دليل على تفريق ما بين المسلم والمؤمن، فإن مرتبة المؤمن أعلى من مرتبة المسلم، كما دلت عليها آية الحجرات: { قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ } فدل على أنهم لم يبلغوا مرتبة الإيمان الذي هي أعلى من مرتبة الإسلام.
فإذًا نخلص من هذا إلى أن الإيمان الذي هو تحقيق هذه الأركان الستة بالقدر المجزئ منه، ليس هو المراد بذكر هذه المراتب؛ لأنه داخل في قوله: أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.
فتحقيق مرتبة الإيمان يكون بالقدر المجزئ، وما هو أعلى من ذلك؛ لأن الإيمان أعلى رتبة من الإسلام، والمؤمن أعلى رتبة من المسلم.
السَّلفُ تنوعت عباراتهم في الإيمان وأنواعه، فقالت طائفة منهم: الإيمان قول وعمل، وقالت طائفة: الإيمان قول وعمل واعتقاد، وقال آخرون: الإيمان قول وعمل ونِيّة.
وهذا مَصِير منهم إلى شيء واحد وهو أن الإيمان إذا أُطلق، أو جاء على صفة المدح لأهله في النصوص أو في الاستعمال فإنه يراد به الإيمان الذي يشمل الإسلام.
الْحَظْ هذا! إذا أُطلق … قلنا: الإيمان ولم نذكر الإسلام، أو جاء في مورد فيه المدح له، ولو كان مع الإسلام؛ فإنه يشمل الإسلام -أيضاً- لدخول العمل فيه، فنقول: هنا تنوعت عباراتهم، فقال بعضهم: الإيمان قول وعمل، من قال هذا فإنه يعني بالقول: قول القلب وقول اللسان، والعمل عمل القلب وعمل الجوارح.
وقول القلب: هو اعتقاده، وعمل القلب وعمل الجوارح: هذا هو العمل، وقول اللسان: هو القول رجع إلى أنه قول وعمل واعتقاد؛ لأن الاعتقاد داخل في قول من قال: قول وعمل، فالاعتقاد داخل في القول؛ لأن المراد به قول القلب، وقول اللسان، وقول القلب: هو اعتقاده.
من قال -وهم كثير- من السلف: قول وعمل ونية، يريد بالنية: ما يصح به الإيمان، فزاد هذا القيد تنبيها على أهميته، لقول الله -جل وعلا-: { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ } مَنْ عمِل وهو مؤمن صار القول والعمل مع النية، يعني: النية في القول والعمل، وهذا راجع أيضاً إلى الاعتقاد؛ لأن النية هي توجه القلب وإرادة القلب وقصد القلب.
فإذًا إذا اختلفت العبارات فالمعنى واحد، والإيمان عندهم -كما ذكرت لك- يزيد وينقص؛ يزيد بالطاعة وينقص بشيئين؛ بنقص الطاعات الواجبة أو ارتكاب المحرمات.
قوله هنا: "بالقدَرِ خيره وشرِّه" الشر هنا من باب إضافة القدر إلى العامل، أما فعل الله -جل وعلا- فليس فيه شر كما جاء في الحديث: والشر ليس إليك .
قال: صدقت. قال: فأخبرني عن الإحسان. قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك .
قال العلماء: الإحسان هنا ركن واحد، والإحسان جاء في القرآن مقرونًا بأشياء أيضًا، مقرونًا بالتقوى: { إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ } ومقرونا -أيضاً- بالعمل الصالح، ومقرونا بأشياء.
وأيضاً أتى الإحسان مستقلاً كقوله -جل وعلا-: { لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ } ويراد بالإحسان: إحسان العمل.
وقوله هنا في بيان ركنه: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك هذا ركن به يحصل الإحسان؛ لأن الإحسان مِن أحسن العمل إذا جعله حسنًا.
وإحسان العمل يتفاوت فيه الناس، ومنه قدر مجزئ يصح معه أن يكون العمل حسنًا، وأن يكون فاعله حسنًا، فكل مسلم عنده قدر -أيضاً- من الإحسان لا يصح عمله بدونه، ثم هناك القدر الواجب أو المستحب الآخر ليتفاوت الناس فيه بحسب الحال الذي يتحقق به هذه المرتبة.
فأما القدر المجزئ فأن يكون العمل حسنًا، بمعنى: أن يكون خالصاً ثوابه، يعني: أن تكون النية فيه صحيحة، وأن يكون على وفق السنة، وأما القدر المستحب فأن يكون قائماً في عمله على مقام المراقبة، أو مقام المشاهدة.
فمقام المراقبة هذا أقل، ومقام المشاهدة هذا أعظم المراتب التي يصير إليها العبد المؤمن، وهو أن يكون عنده الأشياء حق اليقين.
فأما المرتبة الأولى مرتبة المراقبة: فهي في قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ذكر مقام المراقبة في قوله: فإن لم تكن تراه فإنه يراك وهي مقام أكثر الناس، فإنهم إذا وصلوا لهذه المرتبة فإنهم يعبدونه -جل وعلا- على مقام المراقبة.
فإذا راقب الله دخل في الصلاة بمراقبته لله، يعلم أن الله -جل وعلا- مطَّلع عليه، وأنه بين يدي الله -جل وعلا- كما قال -سبحانه- في سورة يونس: { وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ } .
فهذا مقام الإحسان بمراقبة الله -جل وعلا- للعبد، صلِّ صلاة مُوَدِّع لتعلم أن الله -جل وعلا- مراقبك، وأنه -جل وعلا- مطلع عليك، وما تفيض في شيء إلا وهو يعلمه -سبحانه- يعلم ذلك ويراه ويبصره منك -سبحانه وتعالى-.
فهذا مقام المراقبة، وكلما عظمت هذه رجعت إلى إحسان العمل. فإذا -مثلاً- المرء تحرك في صلاته فاستحضر مقام مراقبة الله -جل وعلا- له واطلاعه عليه فإنه مباشرة سيخشع لاستحضاره هذا المقام.
مقام المراقبة أعلى منه لأهل العلم مقام المشاهدة، وهو الذي أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: أن تعبد الله كأنك تراه وهذه المشاهدة المقصود بها مشاهدة الصفات لا مشاهدة الذات؛ لأن الصوفية والضُّلال هم الذين جعلوا ذلك مدخلا لمشاهدة الذات كما يزعمون، وهذا من أعظم الباطل والبهتان، وإنما يمكن مشاهدة الصفات، ويُعْنَى بها مشاهدة آثار صفات الله -جل وعلا- في خلقه.
فإن العبد المؤمن كلما عظم عِلمه وعظم يقينه بصفات الله -جل وعلا- وبأسمائه أرجعَ كل شيء يحصل في ملكوت الله إلى اسم من أسماء الله -جل وعلا- أو إلى صفة من صفاته.
فإذا رأى حسنًا أمامه أرجعه إلى صفة من صفات الله وإلى أثر من آثار أسمائه الحسنى في ملكوته، وإذا رأى سيئًا أرجعه إلى صفة من صفات الله، وإذا رأى خلقا فيه كذا أرجعه إلى صفة من صفات الله، وإذا رأى طاعة أرجعها إلى صفة، وإذا رأى معصية، وإذا رأى مصيبة، وإذا رأى حربًا، وإذا رأى قتالا، وإذا رأى علمًا، أي حالة من الحالات يراها في السماء أو في الأرض فإن مقام مشاهدته لصفات الله تقتضي أنه يرجع كل شيء يراه إلى آثار أسماء الله -جل وعلا- وصفاته في خلقه.
وبهذا يحصل هذا المقام لمن عظم علمه بأسماء الله -عز وجل- وبصفاته وبأثرها في ملكوته، فيأتي لعظم علمه بذلك حتى يشهد صفة إحاطة الله -جل وعلا- بالعبد، وأن الله -جل وعلا- رقيب عليه وأنه محيط به، وأنه شاهد عليه فيعظم ذلك في نفسه حتى يستحيي أن يكشف عورته في خلوة لا يراه إلا هو كما جاء في الحديث، قال في كشف العورة: إن الله أحق أن يستحيى منه ؛ هذا لأجل مقام المشاهدة العظيم.
فإذًا أهل السنة الذين يتكلمون في الزهد وفى إصلاح أعمال القلوب على منهج أهل السنة يجعلون هذا على مقامين: مقام المشاهدة والمراقبة.
والمشاهدة -كما ذكرت لك- في وصفها، وكل هذا راجع إلى الإحسان، إحسان العمل: { لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا } وكلما عظم مقام المشاهدة أو المراقبة زاد إحسان العمل.
يتبعـ ,,
|
|
|