31-01-2010, 11:33 AM
|
#2
|
عضـو مُـبـدع
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 19539
|
تاريخ التسجيل : 03 2007
|
أخر زيارة : 12-05-2014 (09:59 AM)
|
المشاركات :
421 [
+
] |
التقييم : 21
|
|
لوني المفضل : Cadetblue
|
|
مقدمة الطبعة الأولى
الحمد الله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله الطاهرين وصحبه المنتجبين.
يقبل كثير من الناس على اقتناء وقراءة كتب علم النفس.. تلك الكتب التي تكشف للإنسان نفسه وتسلط الضوء على خبايا ذاته وتعالج مشاكله النفسية والوجدانية...
واستجابة لهذا الإقبال صدرت الكثير من الموسوعات والدراسات في مختلف مجالات علم النفس.. وكثير من تلك الكتابات تجارية ـ مع الأسف ـ ينقصها العمق والدقة..
ومادام أن علم النفس قد تأسس واكتمل بنيانه في أوروبا، فإن جل الكتابات حول هذا الموضوع لا تعدو أن تكون ترجمة حرفية أو مفهومية للإنتاج الغربي، في هذا المضمار. ويما أن هذا الإنتاج غريب عن اجتماعنا، وبالتالي، فاستقراءاته ومناهجه كلها استمدت مقوماتها من البنية الاجتماعية والنفسية، لمجتمعات تخالفنا أو تناقضنا في نمط الحياة، وطريقة التفاعل النفسي والاجتماعي للمجتمع، وإسقاط هكذا مناهج وإنتاجات على بنية اجتماعية أخرى، يعتبر نوعاً من التعسف المنهجي والعلمي الذي يؤدي حتماً إلى نتائج مغلوطة.
وفي التراث الإسلامي، تجارب ناجحة تاريخية حافلة، وفيه توجيهات إلهية ثمينة أيضاً... لكن هناك ملاحظة، فالتجارب التاريخية (النفسية) التي حفظها التراث الإسلامي، كانت محدودة، وهذا مدعاة لمزيد من الانفتاح على كثير من التجارب النفسية، وكذلك فهذه تجارب ينقصها المنهج والطريقة العلمية، وهي بالتالي في حاجة لمن يبلورها، ويودعها في نسق علمي يمكن الاعتماد عليه في المقاربات العلمية لعلم النفس الإسلامي.. أما التوجيهات الإلهية، فقد جاءت كاستجابة لمشكلات من هذا النوع. وكانت الطريقة هي وضع حل لكل معضلة نفسية... لكن وفي غياب الوحي المباشر، يحتاج الإنسان إلى اجتهاد معمق ومتواصل لاستقراء منهج علمي، تكون التجارب الإسلامية أساساً له.
وهذه الصفحات التي بين يديك ـ أيها القارئ الكريم ـ هي دراسة مبسطة لإحدى المشاكل النفسية وهي (مشكلة الخوف) وقد استفدت في معالجة هذه المشكلة من بعض (الكتابات العلمية) إلا أنني استهديت كثيراً بالنصوص الدينية، من آيات القرآن وأحاديث الرسول الأعظم وكلمات الأئمة الطاهرين كما انطلقت في هذه المعالجة من ملاحظاتي لمظاهر هذه المشكلة في المجتمع...
وها هي بين أيدي القراء، عسى أن تكون مفيدة نافعة وأن يتقبلها الله بأحسن القبول إنه ولي التوفيق.
المؤلف
تمهيد
يعتبر المجال الموضوعي، إحدى أهم خصائص العلوم، ومنذ انفصال العلوم، عن الفلسفة، أصبح للعلم مجالاته الخاصة، وبالتالي: افتقدت (الفلسفة) أبناءها الشرعيين، لتتحول فيما بعد، من (أم العلوم) إلى مجال، يختص بالمجردات، والمطلقات و... و...
وإذا كان موضوع علم الاجتماع هو الظاهرة الاجتماعية، ومجال الاقتصاد هو الثروة وعلاقات الإنتاج و... فإن لعلم النفس، مجالاً موضوعياً، هو (الظاهرة النفسية)، وقد كان في البداية موضوع النفس الإنسانية، موضوعاً غامضاً لكن ذلك لا يعني أن (النفس الإنسانية) كانت مجهولة لدى الناس، فالديانات كانت دائماً، مصدراً أساسياً لتقييم وتقويم نفوس البشر. وكان الأغلبية يعتمدون في معرفة نفسية الآخرين عن طريق (الاستبطان)، وهو نوع من المراقبة، يمارسها الإنسان على نفسه ويستخلص من ثم حقائق حول نفسه، ثم إسقاطها، بالتالي وتعميمها على الناس. كل هذا يعني، أن النفس الإنسانية، لم تكن مجهولة تماماً فيما مضى. ولكن، تبلور هذه المعرفة على شكل تكوين معرفي، ومدرسة متكاملة الأبعاد، هذا لم يحدث إلا في القرن 19.
وتعتبر الظاهرة النفسية من أعقد الظواهر التي اهتمت بها العلوم الإنسانية، ذلك لأن مجالها يتميز بالعمق والتجدد، والعلاقة التي تربطه بعلوم أخرى، كعلم الاجتماع. لا بل الإنتروبولوجيا والاقتصاد والقانون أيضاً. والعلوم كلها، تعاني من مشكلة التجدد الذي يطرأ على الظواهر مما يفتح آفاقاً أوسع أمام مسيرة العلوم، وكلما تقدمت العلوم خطوة، كلما واجهتها عواصف من الإشكاليات، وظهور (علم النفس) كنسق معرفي، يتبنى الإجابة على كل المشاكل التي تتعلق بالنفس الإنسانية، أدخله في مشكلات من نوع آخر: هي مشكلة الاختلاف ـ والتناقض أحياناً ـ في وجهات النظر بين المفكرين. وبالتالي بعض المدارس والاتجاهات.
و (التحليل النفسي) يعتبر أهم تلك الاتجاهات حيث كان أول من أتى بنظرية (اللاشعور)، المنطقة الأساسية والجوهرية في الإنسان، ويعتمد أسلوب التحليل ـ في شكله الذري ـ للنفس الإنسانية، ويراقب المظاهر السطحية والرمزية (فلتان لسان، أحلام... الخ) ـ ليمسك من خلالها، بحقيقة النفس، التي ليست سوى ما يروج داخل منطقة (الهوى النفسية)، حسب هذه المدرسة.
جون واطسون (1913)، يؤسس علماً جديداً في حقل الدراسات النفسية، هو (علم السلوك)، الذي كان بديلاً عن (علم الشعور)، وكانت كلمته التي ألقاها بمناسبة افتتاحية الجمعية الأمريكية للدراسات النفسية، هي المنطلق الأول لهذا الاتجاه.
هذا الاتجاه، يعتبر السلوك، هو المجال الأفضل، والحقيقي للدراسة النفسية، فهي تنطلق من الخارج، لتصل إلى الداخــل. وقد ارتكزت نظريتـه كثيراً على نظرية العالم الروسي (بافلوف) ـ رد الفعل الشرطي ـ.
ماكدوجل (1905) كان ملهماً سابقاً لهذا الاتجاه، قال في كتاب (علم النفس الفيزيولوجي): (( إن أفضل وأشمل تعريف لعلم النفس، هو علم تصرفات الكائنات الحية ))...
كان هناك اتجاه آخر، بدأ يتكون في (ألمانيا) بزعامة (فريتهير)، (كوفكا)، (كهلر)، ذلك هو الاتجاه الجشطالتي. (جشطال) Gestalt، بالألمانية يعني (الشكل)، (البنية)... وهي كلمة استخدمها في بداية الأمر (اهرنغلز) (1859 ـ 1932)، بخصوص البنية (الموسيقية)، ومفاد هذه النظرية، أن (النغمة الموسيقية) تتكون من أجزاء، ولكنها ليست مجموع الأجزاء. وفي حقل الدراسة النفسية، تكون المدرسة (جشطالتية)، نقيضاً للاتجاه الذري، الذي يحلل الشخصية إلى جزئيات فهو يتناول النفس الإنسانية ككل لا يتجزأ.
كل هذا ـ طبعاً ـ تبخر، مع ظهور الاتجاه الماركسي. ففي هذا الاتجاه، تكون (النفس) مضغوطة في علبة (الحتمية) التاريخية، تكون انعكاساً، لنمط الإنتاج، للصراع الطبقي، للشروط التاريخية لطبيعة المجتمع ـ التاريخي ـ وفي النهاية تكون دراسة المجتمع والتاريخ والاقتصاد و... ضرورة لمعرفة النفس، أو بتعبير آخر، تكون دراسة البنية التحتية للمجتمع، أفضل طريقة لمعرفة النفس الإنسانية.
في زحمة هذه التناقضات، وإلى جانب هذه السجالات... ينضاف مشكل (منهجي) هو عملية (الترحيل) الميكانيكي، لمعطيات الدراسات النفسية (الغربية)، إلى العوالم الأخرى، فالإنسان الغربي الذي عاصر (رحلة) التحولات والقفزات الكبرى في أوروبا إبان القرون: 15ـ 16ـ 17ـ 18ـ و19، كان هو (نموذج) ومحور الدراسات النفسية في الغرب، الإنسان الغربي، بما يتميز به من خصائص هو إنسان هارب من قبضة الإقطاع، قلق من الدين، يتملكه جشع إلى المادة، يستقطبه تطلع نحو الحرية أي حرية وكل حرية،... هذا الإنسان في هكذا أوضاع، هو القالب النموذجي، الذي يشكل الحقل الأساسي للدراسات النفسية في الغرب، وتلك المعطيات وتلك النتائج كانت هي النموذج الكوني، ـ الأساس ـ للطب والعلوم النفسية العالمية.
من هنا كانت الحاجة إلى بلورة جديدة، لعلم نفس جديد، لا يرفض ـ سيكولوجيا ـ الغرب، لأنها غربية، ولكن يرفض، إسقاط معطياتها بكل ـ حذافيرها ـ على الإنسان في بلادنا الإسلامية.
يجب البحث عن مكونات أخرى، للنفس الإنسانية في بلادنا، المجتمع، البيئة، التاريخ... المنطلق، الأهداف، التطلعات... الهموم، المؤثرات، المعاناة... كل هذا يختلف، ويميز الإنسان في بلادنا.
فالدين عامل رئيس ومحوري في بلادنا الإسلامية، لذلك يجب إذن أن يكون أرضية لهذا (الجهاد)، جهاد العلم والمعرفة... أرضية يقوم عليها إنتاج نسق معرفي متميز، حول النفس: والإسلام ـ كدين، كوحي ـ له نظرية حول النفس الإنسانية، كما له نظرية في باقي المجالات، وهنا تكمن الحاجة إلى بلورة (علم نفس إسلامي)، يتولى دراسة النفس الإنسانية عموماً، والنفس الإنسانية في أرض الإسلام ـ على وجه الخصوص ـ، ويتبنى أدوات العلم الموضوعية!
و(الخوف) كظاهرة نفسية، عانت منها البشرية ولا تزال... تعتبر من أهم (مواضيع) علم النفس، ذلك لأن أغلب الناس ـ إن لم نقل جميعهم ـ تعتريهم هذه الحالة أو يصيبهم شواظ منها، وقليلاً ما يتخلصون منها.
والخوف الذي نتعرض له بالدراسة، هو تلك الحالة النفسية، غير الطبيعية التي تؤدي بالإنسان إلى الخوف من أشياء غير واقعية. وهي حالة مرضية تقوم على أساس اختلال في التوازن النفسي سببه القلق، والشعور المفرط بالذنب... وغيرها من الأسباب النفسية، ولها في علم النفس تعبير آخر هو (الرهاب) أو (الخوف)، (الفوبيا) Phobi-.e.، وتصنف حسب علم النفس ضمن أمراض (العصاب) ومن ضمن (الرهاب) أو المخاوف المرضية التي اشتهرت في علم النفس:
ـ رهاب الخلاء أو (الآغورافوبيا) وهو خوف يعتري بعض المرضى النفسيين، أثناء وجودهم في الأماكن المفتوحة، كالشوارع، والساحات الواسعة...
ـ رهاب الاحتجاز، وهو عكس الأول، خوف شديد يتملك المريض أثناء تواجده في الأماكن المغلقة، كالمقاهي أو قاعات السينما أو البيوت...
ـ رهاب الاحمرار، وهو خوف الإنسان أن يحمرّ وجهه أثناء موقف ما، كما لو كان عازماً على إلقاء خطاب على الجمهور.
ـ رهاب المرض أو توهمه، وهو المراقبة الشديدة التي يمارسها المريض على أعضاء جسده أو بعضها، خوفاً من أن تصاب بالمرض، وهذا يُحدث له ألماً شديداً.
هذه النماذج من (الخواف) تعتبر، إحدى أهم الإشكالات النفسية التي يهتم بها العلماء والمحللون النفسانيون، لكن نحن نحاول هنا، تسليط الضوء على نماذج أخرى ترتبط بعلاقات الإنسان ووجوده الاجتماعيين، ومقاربتها من خلال الطرح الإسلامي، من أجل تكوين رؤية إسلامية عن هذا المرض، وتوفير العلاج الإسلامي له من خلال التوجيهات الدينية القويمة.
* * * *
القرآن الذي استهدف أولاً وأساساً تزكية النفوس وشفاء الصدور كما يقول تعالى {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ}( ). {قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ}( ).
والقرآن الذي جاء لبناء الشخصية الإنسانية المتكاملة القويمة على وجه الأرض، هل عالج مشكلة الخوف، وهي من التوجهات والميول الرئيسية في نفس الإنسان.. ومن العوامل القوية التأثير على شخصيته وسلوكه؟! أم تجاهلها وأعرض عنها؟!.
بالتأكيد ما كان يمكن للقرآن الحكيم أن يغفل عن هذه المشكلة ويتجاوزها، وهو يسعى لتزكية نفس الإنسان وتوجيه سلوكه..
إن أزمة العلوم الإنسانية على وجه العموم وعلم النفس على وجه الخصوص، هي أنه لا يزال بعيداً كل البعد عن جوهر الذات النفسية للإنسان، ومن ثم يأتي غالباً بأخطاء في التحليل النفسي، والغاية القصوى لعلم النفس، هو الوصول إلى مستوى يمكنه من الإحاطة بالنفس إحاطة متكاملة، لتوفير العلاج المناسب، وهذا ما لم يتحقق إلى الآن. بل ولازال علم النفس يعترف بقصوره عن الإحاطة بكل الحالات... والدليل على ذلك، فشله في توحيد النظرية حول المشكلة النفسية الواحدة...
ومادام من ضرورة اعتقادنا بالله، أنه خالق الإنسان، ومدرك لكل ما يعتريه من حالات.. فهو الوحيد القادر على الكشف عن حقيقة النفس الإنسانية، والقرآن هو كلام الله. وبيننا والكشف عن حقيقة النفس الإنسانية، اعتماد طريقة الاستقراء، فقد تمكننا من تشكيل منهج قرآني، يوفر كل القواعد والأسس لدراسة النفس الإنسانية، دراسة حقيقية توفر النتائج والعلاجات الحقيقية.
تحدث القرآن عن مشكلة الخوف في آيات ومجالات عديدة، لو تفرغ لها باحث علمي متخصص، لاستطاع أن يستنبط منها رؤية علمية سليمة.. ومنهجاً تربوياً متكاملاً..
وخلال جولة من التدبر في مجموعة من الآيات القرآنية، التي تتحدث عن الخوف، تبينت لي الملامح التالية، لنظرة القرآن الحكيم حول هذه المشكلة..
تبلغ الآيات التي تتحدث عن الخوف بلفظة الخوف ومشتقاتها (134) آية في مختلف الشؤون والمجالات... أما التي جاءت بلفظة (الخشية) فحوالي (48) آية..
|
|
|