عرض مشاركة واحدة
قديم 31-01-2010, 11:40 AM   #7
انور محمود
عضـو مُـبـدع


الصورة الرمزية انور محمود
انور محمود غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 19539
 تاريخ التسجيل :  03 2007
 أخر زيارة : 12-05-2014 (09:59 AM)
 المشاركات : 421 [ + ]
 التقييم :  21
لوني المفضل : Cadetblue


الحرية..
إذاً، يمكننا الحديث عن الأسباب والجذور، من جوانبها المتعددة، متجاوزين النظريات ذات الاتجاه الواحد، مع مراعاتنا لخصوصياتنا الاجتماعية والنفسية والتاريخية.
لذلك يمكننا الحديث عن الأسباب والجذور التالية:
الوراثة
موضوع الوراثة، وانتقال الصفات والخصائص الجسمية والنفسية، من الآباء والأمهات إلى الأولاد، واضح بالمشاهدة، وثابت بالبحوث العلمية، ومشار إليه في كثير من النصوص الدينية..
فتارة ما نلاحظ التشابه واضحاً بين شكل الولد وبين شكل أحد والديه.. كما نلاحظ احتفاظهم ببعض صفاتهما الأخلاقية والسلوكية..
وعلمياً توصل العلماء بعد جهود عظيمة ودقيقة، إلى أن في الخلية التي يبدأ منها تكوّن الإنسان توجد نواة بيضية الشكل ذات جدار مرن، توجد في داخلها أجسام صغيرة، تظهر عند انقسام الخلية، أسموها (الكروموسومات)، وتحوي كل خلية لدى الإنسان على (48 كروموسوماً)، ولهذه الكروموسومات أجزاء صغيرة جداً، يبلغ عددها العشرات والمئات تسمى (الجينات) وهذه هي التي تؤثر في نقل الصفات الوراثية..
أما دينياً فهناك نصوص كثيرة تشير إلى هذه الحقيقة، فعن رسول الله  انه قال: (( انظر في أي نصاب تضع ولدك، فإن العرق دساس )) ( ). وعن أمير المؤمنين : (( حسن الأخلاق برهان كرم الأعراق )) ( ).
والخوف المفرط صفة نفسية قابلة للانتقال والتوارث..
وينقل لنا التاريخ رواية جميلة عن الإمام علي ، يؤكد فيها على تأثير العامل الوراثي في نقل وتركيز صفة الخوف بالذات، في نفس الولد، ففي واقعة الجمل كان (( محمد بن الحنفية )) ابن الإمام علي، حامل لواء الجيش فأمره الإمام بالهجوم، فأجهز على العدو ولكن ضربات الأسنة ورشقات السهام منعته من التقدم فتوقف قليلاً.. وسرعان ما وصل إليه الإمام وقال له: (( إحمل بين الأسنة )) فتقدم قليلاً ثم توقف ثانية فتأثر الإمام من ضعف ابنه بشدة واقترب منه وضربه بقائم سيفه وقال له: (( أدركك عرق من أمك ))؟نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة )
فهنا يثبت الإمام أن الجبن والخوف الذي ظهر واضحاً في ابنه محمد ليس موروثاً منه لأنه لا يعرف للجبن معنى قط فلابد وأن يكون من أمه( ).
مصاعب الحمل والولادة
لمدة تسعة أشهر تقريباً يلبث الجنين في بطن الأم، ريثما تتكامل خلقته وبناؤه، ويأذن الله تعالى له بالولادة والخروج. وخلال هذه الأشهر التسعة، يكون الجنين جزءاً من أمه، ينفعل ويتأثر بأوضاعها وحالاتها الجسمية والروحية..
(( إن جميع الحالات الجسدية والنفسية للأم تؤثر على الطفل، لأن الطفل في رحم الأم يعتبر عضواً منها. فكما إن الحالات الجسمانية للأم، والمواد التي تتغذى فيها، تؤثر على الطفل، كذلك أخلاق الأم فإنها تؤثر في روح الطفل وجسده كليهما، وقد يتأثر الطفل أكثر من أمه بتلك الأخلاق، إذا أصيبت الأم في أيام الحمل بخوف شديد، فالأثر الذي تتركه تلك الحالة النفسية على بدن الأم، لا يزيد على اصفرار الوجه، أما بالنسبة إلى الجنين فإنه يتعدى ذلك إلى صدمات عنيفة.. ويقول العلم الحديث: إن الاضطرابات العصبية للأم، توجه ضربات قاسية إلى مواهب الجنين قبل تولده، إلى درجة أنها تحوله إلى موجود عصبي لا أكثر. ومن هنا يجب أن نتوصل إلى مدى أهمية التفات الأم في دور الحمل إلى الابتعاد عن الأفكار المقلقة، والهم والغم، والاحتفاظ بجو الهدوء والاستقرار )) ( ).
ولعل الحديث النبوي المشهور: (( الشقي من شقي في بطن أمه والسعيد من سعد في بطن أمه )) ( ) يشير إلى خطورة مرحلة الحمل في تقرير مستقبل نفسية الإنسان.
وأيضاً فإن العنف أثناء الولادة ينتج مزاجاً كثير الميل لنمو الخوف، والأطفال الذين يولدون بعد مخاض عسير، نفوسهم مهيأة أكثر لنمو هاجس الخوف المفرط.
التربية السيئة
المسألة الرئيسية التي تغيب عن وعي الكثير من الناس، هو رؤيتهم للشخصية الإنسانية، فالكثير من هؤلاء، يظن أن الشخصية، تأتي دفعة واحدة، أو أنها تتكون خارج محيط التأثير الاجتماعي والتربوي.
وعلم النفس الحديث، يعتبر الشخصية، الانعكاس الطبيعي للتربية. وإن هذه الأخيرة هي المحدد لمصير الشخصية الإنسانية.. وكثيرة هي العقد والنواقص التي يكسبها الإنسان في صباه وطفولته.. في لحظة قصيرة من عمره، لكنها تبقى راسخة في نفسه إلى أن يصير (شيخاً) هرماً. ولذلك اعتبر (علم النفس) التربية مسألة استراتيجية، في تكوين شخصية الإنسان.
والدراسات النفسية، كلها أو أغلبها، تتفق على أن الإنسان في بدايته لا يعدو أن يكون (ذاتاً) لا شعورية، تتصرف بدون وعي، وأن الوعي يحصل بعد مرور الزمان، وان مجموع التوجيهات والتحذيرات التي تصدر عن الآباء أو المجتمع أو الدين أو السلطة أو...، هي التي تحدد سلوكه الشخصي، بعد أن تتحول هذه (المنظومة) من الأوامر والنواهي، إلى جهاز لا شعوري، يوجه الإنسان.. والطفل في البداية، يكون مستعداً لتلقي كل شيء سلباً أو إيجاباً.. ولذلك يجب الحذر في التعامل مع الأطفال وتحصينهم من أن تتسرب العوامل السلبية إلى نفوسهم.
لكن من المؤسف جداً أن الآباء والأمهات في مجتمعاتنا، لا يهتمون بقراءة تعاليم الإسلام حول تربية الأولاد، ولا يقرؤون مناهج التربية العلمية.. بل يربون أولادهم بطرق ارتجالية تقليدية، تخضع للمزاج والتقلبات..
وكثير من الناس يستشير جدته أو أباه في طريقة تربية طفله!! ومع عدم استهانتنا بتجارب الآباء والأجداد في شؤون الحياة والتربية.. إلا أنه لا يصح لنا أن نعتمد عليها اعتماداً كاملاً، ونتغافل عن توجيهات الإسلام، وتجارب العلم في هذا المجال..
إن للإسلام توجيهات وتعاليم تفصيلية كثيرة، حول أساليب تربية الطفل، والعناية به نفسياً وجسمياً..
لكن تلك التوجيهات غير معروفة لجماهير المسلمين، بسبب تقصير أجهزة ومؤسسات التبليغ الديني، وعدم التفات كثير من العلماء والخطباء إلى ضرورة تذكير الناس بتعاليم الإسلام في هذا المجال، إلى جانب تذكير الناس بمسائل الطهارة والصلاة.. وأيضاً بسبب عدم توجه الناس أنفسهم واهتمامهم بالرجوع إلى دينهم في هذه القضايا.
وفي حين تزخر المكتبات بألوف الكتب التربوية لشتى الاتجاهات، تتضاءل الكتابات الإسلامية في حقل التربية وصناعة الأجيال البشرية..
إن الموجهين الدينيين علماء وخطباء وكتاباً، مطالبون بتوعية المجتمع بأساليب الإسلام التربوية.. كما إن المجتمع مسؤول بأن يبحث عن رأي الدين وتوجيهاته في طريقة التربية..
ومن الكتب الإسلامية الجيدة في مجال التربية مجموعة محاضرات الخطيب (الإيراني) الشهير الشيخ محمد تقي فلسفي، والتي طبعت في مجلدين تحت عنوان (الطفل بين الوراثة والتربية)..
إن للتربية السيئة دوراً خطيراً في زرع وتكريس السلبيات والصفات الذميمة في نفس الإنسان.. وكثير من الناس الذين يفترسهم شبح الخوف المفرط والمزعج، إنما ابتلوا بهذا المرض الخبيث بسبب سوء التربية..
وهناك ثلاثة أساليب منحرفة في مجال التربية تخلق من الإنسان شخصية خائفة جبانة مهزوزة..
أولاً: التعامل الإرهابي مع الطفل:
للطفل رغبات وممارسات تنبع من عدم بلوغه مستوى النضج والرشد، وإذا كان الوالدان مسؤولين عن توجيه رغباته، وتصحيح سلوكه، فعليهما أولاً: أن يأخذا بعين الاعتبار كونه طفلاً له حق اللعب واللهو والعناية وارتكاب الخطأ.. وثانياً: أن يسلكا معه الطريق والأساليب التربوية لتوجيهه وتأديبه..
وما يحدث عند كثير من العوائل هو على العكس من ذلك، حيث لا يراعون في الطفل مرحلة الطفولة، ويطلبون منه التزاماً وتأدباً وإدراكاً لا يحتملها سنه.. ومن ناحية أخرى تكون اللغة المستعملة مع الطفل غالباً هي لغة الزجر والعصا والإرهاب..
هذا الأسلوب يخالف بصراحة تعاليم الإسلام التربوية، والعائلة التي تمارس الإرهاب مع الطفل تكون عاصية ومخالفة لما شرعه الله..
قال رسول الله : (( رحم الله من أعان ولده على بره. فسئل: كيف يعينه على بره؟ فأجاب : يقبل ميسوره، ويتجاوز معسوره، ولا يرهقه، ولا يخرق به )) ( ).
وبقوله : (( أكرموا أولادكم وأحسنوا آدابكم )).( )
وكان : يؤتى بالصبي الصغير ليدعو له بالبركة أو ليسميه، فيأخذه ويضعه في حجره، فربما بال الصبي عليه فيصيح بعض من رآه حين بال.. فيقول : لا تزرموا بالصبي فيدعه حتى يفضي بوله، ثم يفرغ من دعائه أو تسميته( ).
ومرة قام الرسول  للصلاة وكان سبطه الحسن بن علي (وكان طفلاً آنذاك) متعلقاً به فوضعه النبي إلى جانبه وصلى، فلما سجد أطال السجود.. يقول أحد الصحابة: فرفعت رأسي من بين القوم فإذا الحسن على كتف رسول الله ، فلما سلم قال له القوم: يا رسول الله لقد سجدت في صلاتك هذه سجدة ما كنت تسجدها كأنما يوحى إليك، فقال: لم يوح إلي، ولكن ابني كان على كتفي، فكرهت أن أعجله حتى نزل..( )
هذا العمل من النبي  تجاه ولده الصغير أمام ملأ من الناس نموذج بارز من سلوكه في تكريم الطفل. إن الرسول عمل أقصى ما يمكن من احترام الطفل في إطالته سجدته، وأرشد الناس ضمناً إلى كيفية إحياء الشخصية والاستقلال عند الطفل.


 

رد مع اقتباس