31-01-2010, 11:44 AM
|
#10
|
عضـو مُـبـدع
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 19539
|
تاريخ التسجيل : 03 2007
|
أخر زيارة : 12-05-2014 (09:59 AM)
|
المشاركات :
421 [
+
] |
التقييم : 21
|
|
لوني المفضل : Cadetblue
|
|
الخوف من المشاكل
كثير من الناس يتمنون أن يعيشوا حياة مريحة، يريدون أن تكون الورود تفرش طريقهم دائماً، وأن تكون حياتهم حياة رخاء وهدوء وسلام، ولذلك يتهيبون تصور لحظات المشكلة، ولحظات الصعوبة، لا يريدون مواجهة صعوبة في حياتهم.
هناك عادة لطيفة كانت تمارسها القبائل العربية في الماضي، حيث نجد كثيراً منهم كانوا يبعثون أولادهم ليتربوا في الصحراء، يدفعون الولد إلى أحدى القبائل البدوية ليتربى عندهم، وفلسفة ذلك أن يعيش حياة الخشونة، ويعاني المصاعب، لتكون نفسيته قادرة على المواجهة والمعاناة.
الإنسان يجب أن يعرف أن المشاكل والمصاعب شيء طبيعي في الحياة، كما يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاَقِيهِ}( ). ويقول أيضاً: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ}( ) أي في معاناة، والحياة التي ليس فيها صعوبات، وليس فيها مشاكل، ليست هنا في الدنيا، إنها هناك في الدار الآخرة، إن الصعوبات والمشاكل والآلام هي طريق المجد والتقدم.
يقول الشاعر:
ومن لم يحاول صعود الجبال
يعش أبد الدهر بين الحفر
والآلام والمشاكل ضريبة طبيعية يدفعها الإنسان الذي يريد التقدم، وكما قيل:
ومن طلب العلا، سهر الليالي.
الخوف من الموت
هذا هو أكبر المخاوف في حياة الإنسان، بل قد يقال إنه سبب جميع التخوفات، ولكن لماذا يخاف الإنسان من الموت مادام الموت مصيراً طبيعياً لجميع المخلوقات؟
يخاف الإنسان من الموت للأسباب التالية:
أولاً: إنهاء وجود الإنسان في هذه الحياة..
فللحياة جاذبيتها القوية، التي تشد الإنسان إليها شداً وثيقاً.. وله فيها ارتباطات عديدة، تجعل تشبثه بها متيناً ثابتاً.. وفي الحياة لذات وشهوات، ومصالح تفرض نفوذها وسيطرتها على نفس الإنسان..
والملاحظ أن عجز الإنسان أو ابتعاده ولو كان مؤقتاً عن شيء من لذات الحياة ومصالحها، يؤلم الإنسان ويقلقه ويؤذيه.. ففراق الأهل والأصدقاء، وقلة توفر الطعام والشراب، وفقدان المال والمكاسب أو الامتيازات، أشياء مزعجة ومؤذية للإنسان، ولو كانت لفترة محدودة... فكيف والموت ينسف كل هذه الأمور؟ ويلغي إرتباط الإنسان بها بشكل كامل ونهائي؟!
يقول الإمام علي : (( واعلموا أنه ليس من شيء إلاّ ويكاد صاحبه يشبع منه ويمله إلا الحياة فإنه لا يجد في الموت راحة )).( )
ثانياً: العجز عن المواجهة..
قد يستطيع الإنسان مقاومة سائر المخاوف، والإفلات والهرب من كثير من الأخطار، ولكنه لا يمتلك ذرة من القدرة على مواجهة الموت، أو الفرار منه، إنه عدو قاهر، لابد أن يرفع الإنسان أمامه راية الاستسلام والهزيمة..
إن الله تعالى يتحدى عباده بالموت، ليذكرهم بحجمهم الحقيقي الضعيف المتلاشي، تجاه الهيمنة والقدرة الإلهية يقول تعالى:
{قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمْ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}( ).
{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}( ).
{أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمْ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ}( ).
{قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاَقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}( ).
{كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ}( ).
فليس هناك في الدنيا منطقة لا يصل إليها الموت، وإلاّ لسافر إليها وقطنها كل البشر ولا يفيد أي طبيب أو علاج أو دواء عند نزول الموت. كما لا تستطيع أي قوة أن تواجه الموت.. وإلا لخلد الأباطرة والأكاسرة والفراعنة والرؤساء.
وصحيح ما قاله الشاعر:
سهم المنون عليك غالب
غالبته أو لم تغالب
لا شك أن سهامه
في كل ناحية صوائب
فليطرقنك هاجما
لو كان دونك ألف حاجب
لا تدفع الموت الجنود قرينه
ولا الأسنة والقواضب
أين الملوك الطالعون
على المشارق والمغارب
ذهبوا كأن لم يخلقوا
والكل في الآثار ذاهب
فاعتد بالتقوى له
فالحزم في نظر العواقب
قد فاز من لاقى المنية
وهو محمود العواقب
وقد حاول الإنسان أن يوظف تقدمه العلمي والتكنولوجي، في العمل على مواجهة أهم خطر يستقبله، وهو خطر الموت، الذي يلغي وجوده، وينهي حياته، ولكن باءت كل تلك المحاولات والجهود بالفشل من بداية الطريق، وأخفقت حتى في الإجابة على أول سؤال في الموضوع وهو: ما هو سبب الموت؟
يقول الأستاذ وحيد الدين خان في كتابه القيم (الإسلام يتحدى):
إن الذين لا يؤمنون بالعالم الثاني ـ الآخرة ـ يحاولون بدافع الغريزة أن يجعلوا من هذا الكون عالماً أبدياً لأفراحهم، ولذلك بحثوا كثيراً عن أسباب (الموت) حتى يتمكنوا من الحيلولة دون وقوع هذه الأسباب، من أجل تخليد الحياة، ولكنهم أخفقوا إخفاقاً ذريعاً، وكلما بحثوا في هذا الموضوع رجع إليهم بحثهم برسالة جديدة عن حتمية الموت وأنه لا مناص منه.
(( لماذا الموت؟ )) هناك ما يقرب من مائتي إجابة على هذا السؤال الخطير، الذي كثيراً ما يطرح في المجالس العلمية منها:
(فقدان الجسم لفاعليته)، (انتهاء عملية الأجزاء التركيبية)، (تجمد الأنسجة العصبية)، (حلول المواد الزلالية القليلة الحركة محل الكثيرة الحركة منها)، (ضعف الأنسجة الرابطة)، (انتشار سموم (بيكتيريا) الأمعاء في الجسم)... وما إلى ذلك من الإجابات التي ترد كثيراً حول ظاهرة الموت.
إن القول بفقدان الجسم لفاعليته جذاب للعقل.. فإن الآلات الحديدية والأحذية والأقمشة كلها تفقد فاعليتها، بعد أجل محدود، فأجسامنا أيضاً تبلى وتفقد فاعليتها كالجلود التي نلبسها في موسم الشتاء، ولكن العلم الحديث لا يؤيد ذلك، لأن المشاهدة العلمية للجسم الإنساني تؤكد: انه ليس كالجلود الحيوانية، والآلات الحديدية، وليس كالجبال.. وان أقرب شيء يمكن تشبيهه به هو ذلك (النهر) الذي لا يزال يجري منذ آلاف السنين على ظهر الأرض فمن ذا الذي يستطيع القول: بأن النهر الجاري يبلي ويهن ويعجز؟! بناء على هذا الأساس يعتقد الدكتور (درلنس بالنج ـ وهو حائز على جائزة نوبل للعلوم): (( إن الإنسان أبدي إلى حد كبير نظرياً، فإن خلايا جسمه تقوم بإصلاح ما فيه من الأمراض ومعالجتها تلقائياً! وبرغم ذلك فإن الإنسان يعجز ويموت، ولا تزال علل هذه الظاهرة أسراراً تحير العلماء.
إن جسمنا هذا في تجدد دائم، وإن المواد الزلالية، التي توجد في خلايا دمائنا تتلف كذلك ثم تتجدد، ومثلها جميع خلايا الجسم، وتحل مكانها خلايا جديدة، اللهم إلا الخلايا العصبية وتفيد البحوث العلمية أن دم الإنسان يتجدد تجدداً كلياً خلال ما يقرب من أربع سنين، كما تتغير جميع ذرات الجسم الإنساني.
ليس جسم الإنسان هيكلاً فقط، وإنما هو كالنهر الجاري، أي أنه (( عمل مستمر )). ومن ثم تبطل جميع النظريات القائلة بأن علة الموت هي وهن الجسم وفقده لقوته، فإن الأشياء التي فسدت أو تسممت من الجسم أيام الطفولة أو الشباب، قد خرجت من الجسم منذ زمن طويل، ولا معنى لأن نجعلها سبب الموت، فسبب الموت موجود في مكان آخر، وليس في الأمعاء والأنسجة البدنية والقلب.
ويدعي بعض العلماء أن الأنسجة العصبية هي سبب الموت، لأنها تبقى في الجسم إلى آخر الحياة ولا تتجدد، ولو صح هذا التفسير القائل بأن النظام العصبي هو نقطة الضعف في الجسم الإنساني، فمن الممكن أن نزعم أن أي جسم خال من (النظام العصبي) لابد أن يحيا عمراً أطول من الأجسام ذات النظام العصبي، ولكن المشاهدة العلمية لا تؤيدنا، فإن هذا النظام لا يوجد مثلاً في الأشجار، وبعضها يعيش لأطول مدة، ولكن شجرة القمح التي لا يوجد بها هذا النظام العصبي لا تعيش أكثر من سنة، وليس في كائن (الاميبا) جهازاً عصبياً، وهي مع ذلك لا تبقى على قيد الحياة أكثر من نصف ساعة، ومقتضى هذا التفسير أيضاً أن تلك الحيوانات التي تعد من (نسل أعلى) والتي تتمتع بنظام عصبي أكمل وأجود، لابد أن تعيش مدة أطول من تلك التي هي أقصر نسلاً وأضعف نظاماً. ولكن الحقائق لا تؤيدنا في هذا أيضاً، فإن السلحفاة والتمساح وسمكة (باتيك) أطول عمراً من أي حيوان آخر، وكلها من النوع الثاني ـ حقير النسل وضعيف النظام..
لقد أخفقت تماماً تلك البحوث التي استهدفت أن تجعل من الموت أمراً غير يقيني، يمكن أن لا يقع، فبقي الاحتمال الذي أكدته الأزمان، وهو أن يموت الإنسان في أي عمر وفي أي زمن، ولم نستطع العثور على أي مكان يمنع الموت رغم جميع الجهود( ).
ثالثاً: المفاجأة
ليس من عادة الموت أن يرسل إنذاراً أو إشعار عن قدومه، حتى ينهي الإنسان أعماله ويستكمل استعداداته.. بل يأتي فجأة ودون سابق إشعار، وفقاً للأجل الذي يعينه ويحدده الله سبحانه وتعالى لكل حي..
يقول تعالى: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ}( ).
{وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}( ).
فقد يأتي الموت للإنسان وهو في قمة اللذة والشهوة.. وقد يأتيه وهو يضع اللمسات الأخيرة على مشروع قد عمل له فترة طويلة.. وقد يأتي الموت والإنسان متورط في أوحال الجريمة أو المعصية.. وقد يأتيه وهو في أسعد لحظات حياته.. يقول أمير المؤمنين :
(( كم من غافل ينسج ثوباً ليلبسه وإنما هو كفنه، ويبني بيتاً ليسكنه وإنما هو موضع قبره )) ( ) وجميل ما قاله الشاعر:
إن الطبيب له طب ومعرفة
مادام في أجل الإنسان تأخير
حتى إذا ما انتهت أيام مدته
حار الطبيب وخانته العقاقير
رابعاً: المصير المجهول
ماذا بعد الموت؟ هذا هو أخطر سؤال يقلق الإنسان عند تفكيره في الموت، فالمشاهد التي يلاحظها الإنسان لأوضاع الموتى، جديرة بأن تثير قلق الإنسان وانزعاجه، فكيف بالجانب الآخر الغيبي الذي لا نراه لما يكون عليه الميت؟! إن كل ما نعرفه هو أن الإنسان بعد الموت يصبح جثة هامدة خامدة، قد غادرتها روح الحياة، وانعدمت فيها القدرة على التحرك والنشاط.
|
|
|