عرض مشاركة واحدة
قديم 31-01-2010, 11:51 AM   #15
انور محمود
عضـو مُـبـدع


الصورة الرمزية انور محمود
انور محمود غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 19539
 تاريخ التسجيل :  03 2007
 أخر زيارة : 12-05-2014 (09:59 AM)
 المشاركات : 421 [ + ]
 التقييم :  21
لوني المفضل : Cadetblue


توثيق الصلة بالله
إذا دخلت بلداً تطاردك سلطاته، فإنك ستعيش في ذلك البلد بحذر شديد، وتحفظ كبير.. ستشك في كل حركة غريبة، وترتاب في أي شخص مجهول يتحدث معك، وتتوقع الخطر في أي لحظة من اللحظات.. أليس كذلك؟
أما إذا زرت بلداً لك علاقة وصلة بشخص الرئيس الحاكم، أو أحد مراكز القوة في تلك البلاد.. فستشعر بالاطمئنان الكامل، ولن تتهيب من أي أحد أو تخاف.. لماذا؟ لأن لك حماية وعلاقة تقيك الأخطار وتدفع عنك المخاوف..
وعلى نفس المعدل: إنك تعيش في هذا الكون، فمن هي السلطة الحاكمة والمسيطرة عليه؟ أليس هي سلطة الخالق جلَّ وعلا.. سلطة الله؟
فعلى مدى علاقتك وصلتك بالله سبحانه وتعالى، سيتوقف اطمئنانك واستقرارك النفسي.. فإذا ما كانت علاقتك بالله سيئة أو ضعيفة لا سمح الله، فلن تنعم بالاستقرار والأمن، بل يكون حالك كما يعبر الله تعالى عن المنافقين {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ}( ). أما إذا كانت علاقتك بالله جيدة ووثيقة، فسيغمر الاطمئنان قلبك، لأن الله هو السلطة المهيمنة، والمشيئة النافذة في هذا الكون معك.. ومن كان مع الله، كان الله معه... {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ}( )، {أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}( )، {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}( ).
وهذا هو معنى الحديث الشريف: (( من خاف الله أخافه الله منه كل شيء ومن لم يخف الله أخافه الله من كل شيء )).( ) ولدينا أفضل مثال على ذلك ثورة الإمام الحسين  ومواقفه فيها، ففي صبيحة يوم عاشوراء، كان الإمام الحسين  يعيش وضعاً حرجاً، مع عدد قليل من أهل بيته وأصحابه، يحاصرهم جيش كبير، مدجج بالسلاح.. فأمام الحسين سيوف مشهورة، ورماح مشرعة، تتحفز لتمزيق جسمه، وسفك دمه مع أهل بيته.. وحوله خيار أصحابه وأهل بيته، الذين لن يلبثوا معه أكثر من ساعات قليلة، ثم يتساقطون صرعى على أرض الشهادة.. وخلفه عياله ونساؤه، وأطفاله يتضورون من العطش، وتنتظرهم حياة الذل والأسر..
ومع كل هذه الظروف والأوضاع، التي يبعث أدناها في نفس الإنسان الجزع، ويفقده الثبات والاطمئنان.. إلا أن الإمام الحسين  كان في ذروة الصمود والثبات، حتى قال عنه حميد بن مسلم أحد المشاهدين لأحداث عاشوراء: (( والله ما رأيت مكثوراً قط، قتل أصحابه وأهل بيته، أربط جأشاً، ولا أقوى جناناً، من الحسين بن علي ، وإن كانت الجيوش لتحمل عليه، فيشد فيهم، فيفرون من بين يديه فرار المعزى إذا حمل عليها الذئب )).( )
لماذا ومن أين هذا الصمود والثبات؟
لكي نعرف الجواب، لنقرأ مناجاة الإمام الحسين  لربه سبحانه صبيحة عاشوراء، والتي تعبر عن عميق صلته ووثيق ارتباطه بالله سبحانه..
دعا الإمام الحسين بمصحف فنشره على رأسه، وأقبل على الله يتضرع، مستهيناً بما حوله من المصائب والأخطار قائلاً:
(( اللهم أنت ثقتي في كل كرب، ورجائي في كل شدة، وأنت لي في كل أمر نزل بي ثقة وعدة، كم من هم يضعف فيه الفؤاد، وتقل فيه الحيلة، ويخذل فيه الصديق، ويشمت فيه العدو، أنزلته بك وشكوته إليك، رغبة إليك عمن سواك، ففرجته وكشفته وكفيته، فأنت ولي كل نعمة، وصاحب كل حسنة، ومنتهى كل رغبة )).( )
ومن كانت علاقته بالله على هذا المستوى، فهل يستغرب منه ذلك الاطمئنان والصمود..
فلنوثق علاقتنا مع الله، ولنقو ارتباطنا معه، فلا شيء يضر مع الله، ولا شيء ينفع من دون الله.. أو كما يقول الدعاء: (( ماذا فقد من وجدك وماذا وجد من فقدك )).( )
وسنرى كيف يغمرنا الاطمئنان، وتحتضننا الشجاعة والبطولة، وينهزم الخوف من أنفسنا حينما نملؤها بذكر الله سبحانه وتعالى.

التسلح بالفكر الرسالي
مع تخلف الأمة الإسلامية، وتخليها عن تحمل مسؤوليات الرسالة في العالم.. وحينما انكفأت الأمة على ذاتها، وتمحور أبناؤها حول مصالحهم وشهواتهم.. بدأ خط فكري ومسار ثقافي منحرف، يسود أجواء الأمة وينتشر في صفوفها..
ذلك الخط الفكري والثقافي المنحرف، كان يركز على مظاهر الدين وشكلياته، ويولي اهتمامه لبعض الجوانب من الإسلام، متغافلاً عن سائر أبعاده. ويستهدف هذا الخط الانحرافي تبرير واقع التخلف في الأمة، وتكريس الذاتية والروح المصلحية، وبالتالي نسف جوهر الإسلام ومضمونه، ومحتواه الرسالي، والإبقاء على مظاهره وشكلياته فقط..
وطبيعة هذا الفكر السلبي التبريري، تخلق من الإنسان المؤمن شخصاً انعزالياً خانعاً، لا دور له ولا طموح.. ويعني ذلك أن تنمو لديه مشاعر الأنانية والمصلحية والخوف.. بينما تخبو في نفسه روح التقدم والبطولة والطموح..
وتلوث عقل الإنسان بالثقافة المتخلفة، يعزز الحالات السلبية في نفسه كالخوف ويكرسها.. باسم التقية والزهد والصبر، وانتظار الفرج، وعدم إلقاء النفس إلى التهلكة، وتقديس السلف الصالح، وعدم التدخل في السياسة، وحرمة التدبر في القرآن.. وبمختلف العناوين التي تعرضت مضامينها ومعانيها للتحريف والتشويه..
بينما الفكر الرسالي، والثقافة الإسلامية الأصيلة، تدفع الإنسان المسلم نحو التغيير والثورة على سلبيات نفسه، وتجاوز الثغرات في ذاته، ثم تحمله مسؤولية التغيير في الواقع الاجتماعي المحيط به، بل ولا تقف طموحات الثقافة الرسالية عند هذا الحد، بل تدفع الإنسان الرسالي، والأمة المؤمنة، نحو القيام بدور قيادي رائد، على صعيد العالم كله، تحقيقاً لقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}( ).
وواجب الإنسان المسلم، أن يبحث عن ثقافة الإسلام الأصيلة، ليضمن لنفسه السير على طريق الله المستقيم، وليخلص من كل الرواسب والسلبيات والأمراض النفسية..
صحيح أن الثقافة المتخلفة السلبية هي المسيطرة على الأجواء، وهي المتوفرة.. أما الثقافة الرسالية فإنها مطاردة ممنوعة من التداول، في ظل واقع التخلف والانحطاط..
لكن وظيفة الإنسان المؤمن هي البحث عن الحق، وتجاوز سحب الباطل، وحواجز الضلال..
إن الثقافة الرسالية هي سلاح الإنسان في مقابل التخلف والانحراف، وهي التي تساعده على تجاوز حواجز الخوف، وسلبيات النفس، وتدفعه لتحمل مسؤولياته، والقيام بدوره الريادي في الحياة.


وكونوا مع الصادقين
الإنسان بطبيعته الاجتماعية، لابد له من وسط اجتماعي يعيش فيه، ويرتبط معه.. ذلك الوسط الاجتماعي هو شبكة العلاقات والصداقات التي ينشئها الواحد منا مع الآخرين.. وتلعب هذه العلاقات والصداقات دوراً مؤثراً في حياة الإنسان، وتوجيه نفسه وسلوكه.. فقد يكون صديق واحد سبباً في شقاء الإنسان وضلاله، كما ينقل القرآن الحكيم ندامة وأسف من أضله أصدقاؤه عن طريق الله، يقول تعالى:
{وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً  يَاوَيْلَتِي لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَنًا خَلِيلاً  لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنْ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولاً}( ).
ونظراً لتأثير العلاقات والأصدقاء في نفس الإنسان وسلوكه سلباً وإيجاباً وردت مجموعة كبيرة من النصوص والتعاليم الدينية، توجه الإنسان إلى ضرورة اختيار أصدقائه، وفق أسس صحيحة، وشروط معينة..
1ـ وعن رسول الله : (( فليكن جلساؤك الأبرار وإخوانك الأتقياء الزهاد لأن الله تعالى قال في كتابه {الأَخِلاَّء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ} )).( )
2ـ وعنه : (( المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل )).( )
3ـ وقال أمير المؤمنين علي :(( فساد الأخلاق معاشرة السفهاء وصلاح الأخلاق معاشرة العقلاء )).( )
4ـ وقال أيضاً : (( عاشر أهل الفضائل تسعد وتنبل ))( )
(( مجالسة الحكماء حياة العقول وشفاء النُّفوس )) ( )، (( معاشرة الأبرار توجب الشرف )) ( )، و (( مجالسة الأشرار توجب التلف )) ( )، (( إن قرين السوء يغير جليسه )).( )
5ـ يقول الإمام زين العابدين علي بن الحسين : (( مجالس الصالحين داعية إلى الصلاح )).( )
يقول الشاعر:
صاحب أخا ثقة تحظى بصحبته

فالطبع مكتسب من كل مصحوب

كالريح آخذة مما تمر به

نتناً من النتن أو طيباً من الطيب

وقال آخر:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه

فكل قرين بالمقارب يقتدي

إذا كنت من قوم فصاحب خيارهم

ولا تصحب الأردى فتردى مع الردى

هذه النصوص السابقة، والتجارب الإنسانية، تثبت مدى تأثير الأصدقاء في توجيه نفس الإنسان وسلوكه، سلباً و إيجاباً، فإذا ما انتمى الإنسان إلى تجمع يتصف أفراده بالسلبيات والانحرافات النفسية والسلوكية، فإنه معرض للانزلاق معهم، في مهاوي سلبياتهم وانحرافاتهم.. وعلى العكس من ذلك إذا توفق للانتماء لتجمع إيماني، تسوده الفضيلة والقيم، فإنه سيكسب منهم صفات الخير والاستقامة والصلاح.
وإذا كنت ترغب في تقمص صفة البطولة والإقدام، وتريد التخلص مما تعاني منه نفسك من تخوف وتهيب، فابحث عن التجمعات المؤمنة العاملة الشجاعة.. وابتعد عن أولئك الخائفين الجبناء، مهما تظاهروا بالتدين والصلاح، ذلك لأن الخائفين الجبناء ينمّون في نفسك جرثومة الخوف والجبن بالعدوى، ويتنازلون عنك عند أبسط خطر أو تهديد، بدلاً من أن يدافعوا عنك أو يحمونك.
لذا يعتبر الإمام الباقر  الخائف الجبان أحد الأصناف السيئة التي ينبغي الابتعاد عنها. يقول : (( لا تقارن ولا تؤاخ أربعة: الأحمق والبخيل والجبان والكذاب. أما الأحمق فإنه يريد أن ينفعك فيضرك، وأما البخيل فإنه يأخذ منك ولا يعطيك، وأما الجبان فإنه يهرب عنك وعن والديه، وأما الكذّاب فإنه يصدق ولا يصدَّق )).( )
وفي أوضاعنا الحاضرة حيث تعيش مجتمعاتنا مرحلة انتقال وتحول، من حالة الجمود والاستسلام، إلى مرحلة النهوض والتغيير، باتجاه الحرية والإسلام إنشاء الله.. فإن هناك تجمعات رسالية تتصف بالشجاعة، ضد الواقع الفاسد، والبطولة في مقابل نفسيات الذل والخنوع.. وكل مسلم واع مطالب بأن يقف إلى جانب هؤلاء المؤمنين الصادقين استجابة لأمر الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}( ). لنصرة هؤلاء المجاهدين في معركتهم ضد التخلف والفساد وأخيراً لكي يكتسب الإنسان منهم صفات البطولة والاستقامة والفداء..



 

رد مع اقتباس