عرض مشاركة واحدة
قديم 03-02-2010, 06:59 AM   #1
أمورة نفساني
عضومجلس إدارة في نفساني


الصورة الرمزية أمورة نفساني
أمورة نفساني غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 18029
 تاريخ التسجيل :  08 2006
 أخر زيارة : 14-01-2019 (04:21 PM)
 المشاركات : 15,872 [ + ]
 التقييم :  69
لوني المفضل : Cadetblue
عبيد كيـس القمامة....



أضواء تربوية
كانت تجلس بحلتها الأنيقة على أجمل كرسي في الإستقبال، وتحرك بأصابعها خصلات شعرها المتناثرة قرب عينيها، ثم رمقتني من بعيد بنظرة اهتمام، معتقدة أني مدرسة ابنها، ....... عندما اقتربت منها وجلست قربها، فهمت أني لست سوى أم لطالب كما هي بالضبط، فتجاهلتني، ثم رفعت إحدى ساقيها فوق الأخرى، وعادت بظهرها إلى الوراء، ... بدت حقيبتها في غاية الأناقة، من ماركة معروفة، ومفتاح سيارتها الفخمة كان أمامها على طاولة الشاي، سألتها العاملة كما سألتني: ماذا تشربون.....؟؟ قالت بتكبر: لا شيء... فقلت بدوري: ماء لو سمحتي... مياه معدنية إن أمكن....
غادرت العاملة، بينما دخلت الأخصائية المتواضعة، تحمل في يدها ورقة، و يسير خلفها طفل نحيل، بوجه مكتئب، ... حيت الأخصائية المرأة الأنيقة أم عبيد، ذلك الطفل الخجول، وقدمت لها الورقة التي تصف مستوى ابنها الدراسي حتى ذلك الحين، ثم جلست على مقربة، بينما بقي عبيد واقفا، ..
نظرت الأم إلى عبيد بنظرة استحقار، ثم التفتت نحو الأخصائية وقالت: لا أصدق أن ابني متأخر إلى هذه الدرجة، ... أنا خصصت مدرسة لتساعده على استذكار دروسه، كيف له أن يرسب في كل المواد، ...
ثم نظرت نحو عبيد باحتقار شديد وقالت: كنت دائما غبي كأبيك، وستبقى كذلك، مثلك لا يثمر، أنت غبي، .......!!!!!
ثم قامت من مكانها، متخلية عن كل صنوف الأناقة واللباقة، واتجهت صوب عبيد الصغير، لتضربه بكفها الكبيرة على وجهه، وعلى رأسه وقفاه، فقمت من مكاني كما قامت الأخصائية التي سحبته من أمامها، فيما طلبت منها أن تهدأ، ... نظرت لي باشمئزاز وقالت: لا دخل لأحد، دعوني أأدب ابني، دعوني .. لا شأن لكم بنا....!!!
سحبت الأخصائية الطفل بعيدا، وطالبتها بالهدوء، ثم هددتها بالإبلاغ عن قسوتها إن لم تتوقف فورا عن ضربه، ....... بدت الأم مضغوطة، كانت راغبة في الإنتقام منه عاجلا أم آجلا، فقالت: لا بأس يا عبود حسابك في البيت، سترى ما سأفعل بك......!!!!
قلت لها بهدوء: ماذا ستفعلين، هل ستضربينه ككل مرة، لن يتغير...!!! إن إحباطك وفشلك سيبقى ماثلا أمامك فيه، .....
نظرت لي بغضب، لكني ابتسمت بطيبة خاطر، وقلت لها: إني أخت لك، ..... فهلا هدأت، ..... غاليتي، أنت على حق، الأمر مزعج، مزعج أن نكون ناجحين، فيما يذكرنا أبناؤنا بفشل لا نحبه...... عادي هذا يحدث دائما، .. وأنا شخصيا يمكنني أن أعطيك وصفة رائعة تجعل عبيد الفاشل، ناجح، ومتفوق...!!!!
عادت إلى مكانها، وجلست متنرفزة، ثم بدأت تقول: يا أختي تعبت معه، فعلت كل ما يمكنني فعله، لم أقصر معه بشيء، إني غالبا أهتم به أكثر من اهتمامي بأخوته، أستذكر له أكثر، وخصصت له أيضا مدرسة، ومع هذا لا أمل فيه، كل أخوته ناجحين، كلهم إلا هو، غبي لا يفهم، أنا أيضا مشغولة لا وقت لدي لأتابع مشاكله الدراسية، أرهقني فشله، ماديا ونفسيا....
استمعت لها، وهي تسرد سيرة بطولاتها في النهوض بمستوى عبيد الدراسي، وكيف أن كل محاولاتها لم تفلح....!!!
حتى وجدت الفرصة لكي أقول لها: ربما هو فاشل كما وصفته، ... إنه فاشل وسيبقى كذلك دائما، ... لأنك أردت أن تجعلي منه قمامة الفشل...
نظرت با ستغراب، ...
أكملت كلامي: عندما دخل عبيد إلى الإستقبال، كان مكتئبا، كان على علم بكل ما سيحدث، هو أيضا يعرف أنه فاشل، ....... وأنت كما يبدو سيدة ناجحة، فشله يسبب لك القرف، أنت لا تحبين الفاشلين، ... وعبيد يذكرك بفشلك، ولأنك لا تحبين من يذكرك بفشلك، تكيلين العقاب له، وتريدينه ناجحا بالقوة، ليس لأجله بل لأجلك وعبيد بطريقة ما يعرف ذلك....
معظم الأمهات، اللاتي يصرون على نجاح أبناءهم لأجلهم، ولأجل مصالحهم الشخصية، يجرون أولادهم للفشل في الواقع، ... !!!!
أكاد أسمعك تصرخين: لا أريد ابنا فاشلا، لأني أم ناجحة، فشله يعرض نجاحي للنقص، ....... إذا فعبيد يعبر عن نقصك، ... عبيد هو عيبك الذي تحاولين مداراته عن العالم، ... إنك تحاولين القضاء على نقصك في عبيد بالقوة، والضرب والقسوة...!!!!
نحن من نؤهل الأبناء إلى النجاح الدراسي أو الفشل، عندما نهتم بهم منذ البداية، منذ أول يوم تطأ فيه إقدامه الصغيرة، أرض المدرسة، ... عندما نهتم بتلك الفترة، يصبح للأبناء بعد ذلك القدرة على مساعدة أنفسهم في الدراسة، ...
وأنت لسبب ما، قد تغيبت في تلك الفترة، لذلك فقد أهملت عبيد، أيضا عبيد يجعلك في كل مرة يرسب فيها يجعلك تتذكرين كيف كنت مهملة، وهذا في حد ذاته، يجرك من حيث لا تعلمين إلى عقابه، إنه الصورة المشوهة الوحيدة على جدران بيتك......!!!!
لكنه في النهاية، طفلك الصغير، ابنك الجميل، كان يقف أمامك، متحملا كيس القمامة الجديد الذي ستزجين به في جوفه، كيس الإنتقادات الإضافية التي ستنظم إلى غيرها، لترهق قلبه، وتثقل عقله، بالمزيد من التفاهات، ليغدو تافها أكثر من ذي قبل، ... كلما عاملته باحتقار، كلما غار إلى الداخل، كلما انسحق أكثر ...
أطفالنا ليسوا سوى وعاء بريء دافيء، نتحمل وحدنا في هذا العالم أمام الله كل ما سيلج إلى دواخلهم، ..... وكيفما امتلؤوا، سينضحون....!!!
الحل يا أختي، أن تبدئي في التصالح مع ذاتك، .... نعم بات عبيد فاشل، لأنك أهملته ذات يوم، لسبب ما، لكنك اليوم أم مختلفة، يمكنك علاج الخلل، إنه لا زال طفلا، الإنسان يتغير في الثلاثين في الأربعين، في الستين، ألن يتغير طفل في العاشرة، .......!!!!
خذيه إلى صدرك، واحتوي فشله وابدئي بتنظيف جوفه من الأوساخ، كفي عن انتقاده، وتحميله مسؤولية فشله، فهو غير مسؤول، وتحملي للمرة الأولى الإعتراف بأنك كنت أما فاشلة، لبعض الوقت، وما العيب في الأمر، كلنا يمر بلحظات لا يكاد فيها يمسك بكل الخيوط، ولا يستطيع أن يهتم بكل الجهات، ... لكنك حظيت بفرصة طيبة لإعادة العمل، وصياغة ذلك الطفل المتعلق بقلبك، والمسترشد بهديك، والمتوقف مصيره اليوم على ما سيتلقاه منك...
اعتاد عبيد كما يبدو على أن يكون الولد الغبي، المسخ الذي لا يثمر، اعتاد على أنه الناقص الميئوس منه، أردت بلا وعي منك، أن يبقى عبيد يذكرك بنقصك، ... لا يمكنك تخيل اكتمال كل جوانب نجاحك... عبيد الطفل القمامة... كان مستودع احباطاتك...
تسامحي مع ذاتك غاليتي، تصافي مع نفسك، الخلل والنقص موجود في كل إنسان، لا بأس إن مني أحد أبنائك بالفشل، أنت إنسانة ككل الناس، ... فلا بأس، ... هدي من روعك، عندما تتصالحين مع ذاتك تذكري أن عليك أن تقبلي أيضا باحباطاتها كلها، القديم منها والجديد،
عبيد ليس مسؤولا عنها، ولا يحق لك أن تضمنيه في نشرة غسيلك الماضية أو الحالية، إنه كيان مختلف تماما......!!!
إنه رحمة الله إليك...!!!
خذيه قربك، ضعيه على طاولة لاستذكار الدروس وابدئي في مساعدته بنفسك، فليست أية امرأة في هذه الدنيا قادرة على بث الثقة في نفسه، بعد أن زعزعتها أهم مخلوقة لديه، أمه، أنت فقط القادرة على إعادة الثقة إلى نفسه،
وبدلا من هذا الكم من المجهود الذي تسرفينه في ضربه وتحقيره، ابذلي مجهودا أقل في حبه، واحتوائه، ومدحه والإهتمام به، ...
وتذكري أن تعتذري منه أيضا، أخبريه، أنك آسفة لأنك لم تهتمي به كثيرا لانشغالك، أخبريه، أنك لم تكون تعرفين طريقة جيدة للتعامل مع الأطفال من سنه،

المصدر: نفساني



 

رد مع اقتباس