عرض مشاركة واحدة
قديم 06-02-2010, 07:35 AM   #22
noooor
V I P


الصورة الرمزية noooor
noooor غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 5696
 تاريخ التسجيل :  02 2004
 أخر زيارة : 15-11-2010 (09:06 PM)
 المشاركات : 8,386 [ + ]
 التقييم :  87
لوني المفضل : Cadetblue


.



وإيتاء الزكاة أيضاً لفظ الإيتاء المقصود به … أو قيل فيه: إيتاء؛ لأجل مجيئه في القرآن.

وحج البيت كذلك "وصوم رمضان" كذلك، يعني: اختيرت هذه الألفاظ بلَّغها النبي -صلى الله عليه وسلم- هكذا لموافقتها لما جاء في القرآن فيها، فلو قيل في الزكاة: إعطاء الزكاة لجاز، ولو قيل في الصلاة: تأْدِيَة الصلاة لجاز ذلك ولكن إتباع ما جاء في القرآن أولى في هذا الأمر. هذا من جهة ألفاظ الحديث.

هذا الحديث دل على أن هذه الخمسَ أركانٌ، وقد ذكرت لك البارحة أن التعبير عن هذه الخمس بالأركان إنما هو مصطلح حادث عند الفقهاء؛ لأنهم عرَّفوا الركن بأنه: ما تقوم عليه ماهية الشيء، وأن الشيء لا يُتصور أن يقوم بلا ركنه.

فمثلاً يقولون: البيع أركانه … ما تقوم عليه ماهية البيع … لا يمكن أن تتصور بيعاً موجوداً إلا أن يكون هناك: بائع، ومشتري، وهناك سلعة تُباع وتُشترى، يعني: سلعة يقوم عليها ذلك، وهناك صيغة … يعني: واحد يقول: خذ وهات، أو بِعْتُ، والثاني يقول: اشتريتُ، أو ما أشبه ذلك.

فإذًا الأركان كيف نستنتجها؟ ما تقوم عليها حقيقة الشيء … تتصور شيئا … كيف يوجد؟ دعائمُ وجوده هي الأركان.

النكاح -مثلاً- أركان النكاح ما هي؟ ما يقوم عليها النكاح، ما يُتصور أن يوجد نكاح إلا بزوجين، أليس كذلك؟ وبصيغة. زوج يعني: رجل وامرأة، وصيغة. هذا حقيقته -يعني من حيث هو.

يأتي هناك أشياء شرعية لتصحيح هذه الأركان، يقال: يشترط في الزوج المواصفات كذا وكذا، يشترط في المرأة أن يعقد لها وليها، يشترط في الصيغة أن تكون كذا وكذا … إلى آخره، فغيرُها تكون شروطاً.

فإذًا الركن عندهم: ما تقوم عليه ماهية الشيء أو حقيقة الشيء، فهذه الخمس سميت أركانا، أو قيل عنها: أركان الإسلام.

وهذه التسمية يشكل عليها … أو هذا الإطلاق أنها أركان الإسلام يشكل عليها أن أهل السُّنة قالوا: إن من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وأدى الصلاة المفروضة وترك بقية الأركان تهاوناً وكسلاً فإنه يطلق عليه لفظ المسلم، ولا يسلب عنه اسم الإسلام بتركه ثلاثة أركان تهاوناً وكسلاً.

وهذا متّفق مع قولهم في الإيمان : الإيمان قول وعمل واعتقاد، ويعنون بالعمل جنس العمل، ويمثله في أركان الإسلام الصلاة.

فإذًا نقول: مرادهم بهذا ما دلت عليه الأدلة الشرعية، ودلت عليه قواعد أهل السنة من أن هذه الأركان ليس معنى كونها أركاناً أنه إن فقد منها ركن لم تقم حقيقة الإسلام، كما أنه إذا فقد من البيع ركن لم تقم حقيقة البيع، لا يتصور أن هناك بيع بلا بائع، أليس كذلك؟ ولا نكاح بلا زوج؟

أما الإسلام فيتصور أن يوجد الإسلام شرعاً بلا أداء للحج، يعني: لو تُرك الحج تهاوناً؛ فإنه يقال عنه: مسلم، أو ترك تأدية الزكاة تهاوناً لا جحدًا؛ فإنه يقال عنه: مسلم، وهكذا في صيام رمضان.

الصلاة اختلفوا فيها. اختلف فيها أهل السنة: هل ترْكُ الصلاة تهاوناً وكسلاً يسلب عنه اسم الإسلام أو لا؟ فقالت طائفة من أهل السنة: إنَّ تَرْكَ الصلاة تهاوناً وكسلاً لا يسلب عن المسلم الذي شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله … لا يسلب عنه اسم الإسلام، وإنما يكون على كبيرة، وهو في كفر أصغر، وهذا قول طائفة قليلة من علماء أهل السنة.

وقال جمهور أهل السنة: إنَّ تَرْكَ الصلاة تهاوناً وكسلاً كُفْرٌ، وأنه مَن ترَكَ الصلاة فليس له إسلام، يعني: ولو أتى بتأدية الزكاة وصيام رمضان والحج، وهذا هو الصحيح لدلالة الكتاب والسنة والإجماع على ذلك.

والصحابة أجمعوا على أن الأعمال جميعاً المأمور بها تركُها ليس بكفر إلا الصلاة، كما قال شقيق بن عبد الله فيما رواه الترمذي وغيره: كانوا -أي الصحابة- لا يرون من الأعمال شيئا تركُه كُفر .

والصلاة يُجمع على أن تركَها كفر، وهو الذي دل عليه قول الله -جل وعلا-: { مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ } إلخ الآيات وكذلك قول النبي -صلى الله عليه وسلم- في صحيح مسلم: بين الرجل وبين الشرك -أو قال: الكفر- ترك الصلاة وفى السنن الأربعة وفى المُسنَد وفي غيرها بإسناد صحيح من حديث بريده -رضي الله عنه- مرفوعا: العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر وقوله -عليه الصلاة والسلام-: بين الرجل وبين الشرك -أو قال: الكفر- ترك الصلاة دلنا على أن ترك الصلاة كفرٌ أكبر.

وذلك أن القاعدة أن لفظ الكفر إذا جاء في النصوص فإنه يأتي على وجهين:

الوجه الأول: يأتي مُعرَّفًا، والوجه الثاني يأتي منكراً بلا تعريف، فإذا أتى منكراً فإنه يكون معناه الكفر الأصغر، وإذا أتى معرفا فتكون (ال) فيه إما للعهد: عهد الكفر الأكبر … العهد الشرعي في ذلك، وإما أن تكون للاستغراق، يعني: استغراق أنواع الكفر.

مثلاً- في الكفر المنكَّر قال -عليه الصلاة والسلام-: ثنتان في الناس هما بهم كُفْرٌ: الطعن في الأنساب، والنياحة على الميت ثنتان في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن هذا حديث آخر.

قال أيضاً -عليه الصلاة والسلام-: لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم أعناق بعض وأشباه ذلك مِن ذكر كلمة الكفر مُنَكَّرَة (كفر).

فإذا قيل في الكفر: كفر، فهذا الأصل فيه أنه كفر أصغر؛ لأن الشارع جعله منكراً في الإثبات، وإذا كان منكرا في الإثبات فإنه لا يعم، كما هو معلوم في قواعد الأصول، أما إذا أتى معرَّفاً فإن المقصود به الكفر الأكبر.

فإذًا نقول: الصحيح أن ترك الصلاة تهاوناً وكسلاً كفر أكبر، لكن كفره باطن وليس كفره ظاهرا، وليس بباطن وظاهر جميعاً حتى يثبت عند القاضي؛ لأنه قد يكون له شبهة من خلاف أو فهم أو نحو ذلك.

ولهذا لا يحكم بردة من ترك الصلاة بمجرد تركه، وإنما يطلق على الجنس أن مَن ترك الصلاة فهو كافر الكفر الأكبر، وأما المعيَّن فإن الحكم عليه بالكفر وتنزيل أحكام الكفر كلها عليه هذا لا بد فيه من حكم قاضٍ يدرأ عنه الشبهة ويستتيبه حتى يؤدي ذلك.

وهذا هو المعتمد عند جمهور أهل السنة -كما ذكرت لك-، وغير الصلاة الأمر على عكس ما ذكرت.

جمهور أهل السنة على أن مَن ترك الزكاة تهاوناً وكسلاً أو من ترك الصيام أو من ترك الحج فإنه لا يكفر بتركها تهاوناً وكسلاً؛ لأنه ما دل الدليل على ذلك

وقالت طائفة من أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم: إن من ترك بعض هذه أنه كافر على خلاف بينهم في ذلك.

فعمر -رضي الله عنه- ظاهر قوله: أن ترك الحج مع القدرة عليه ووجود الاستطاعة المالية والبدنية أنه كفر، حيث قال لعماله في الأمصار: أن يكتبوا له مَن وجد سعة من المسلمين ثم لم يحجوا أن تضرب عليهم الجزية، قال: ما هم بمسلمين … ما هم بمسلمين.

وكَفَّر -أيضاً- بعض الصحابة كابن مسعود مَن ترك الزكاة تهاوناً وكسلاً، وهذا خلاف ما عليه الجمهور -جمهور الصحابة- ومن بعدهم في أن من تركها بلا امتناع وإنما ترك الزكاة أو ترك الصيام أو ترك الحج تهاوناً منه أنه لا يكفر، ومنهم من قال بكفره يعني: على عكس مسألة الصلاة.

فنقول: إذًا مسألة الصلاة الجمهور -جمهور أهل السنة- على تكفير من تركها تهاوناً وكسلاً.

وهناك من أهل السنة من لم يكفِّر من تركها تهاوناً وكسلاً، وبقية الثلاثة الأركان العملية جمهور أهل السنة على أنه لا يكفر وهناك من كفَّره.

هذه الأركان منقسمة إلى ثلاثة أقسام، وخصت بالذكر لعظم مقامها في هذه الشريعة وعظم أثرها على العبد.

فالشهادتان نصيب القلب والإيمان، فبهما يتحقق الإيمان الذي هو أصل الاعتقاد والعمل، والصلاة عبادة بدنية محضة، والزكاة عبادة مالية محضة، والحج مركب من العبادة المالية والعبادة البدنية، وصوم رمضان عبادة بدنية محضة.

لهذا قال طائفة من المحققين من أهل العلم: إنه جاء في هذه الرواية تقديم الحج على الصوم فقال: وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان وصوم رمضان في بقية الروايات قدم على الحج فقال: وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت من استطاع إليه سبيلاً .

وسبب تقديم الحج على الصيام: أن الأمر على ما ذكرت لك من أن الصوم من حيث جنس دلالته مُمَثَّلٌ في الصلاة، فالصلاة حق البدن المحض يعني: عبادة وجبت وتعلقت بالبدن محضة، والزكاة عبادة تعلقت بالمال محضة، والحج عبادة تركبت من المال والبدن فصارت قسماً ثالثاً مستقلاً، وأما الصوم فهو من حيث هذا الاعتبار مكرر للصلاة، وعلى هذا الفهم بنى البخاري -رحمه الله تعالى- صحيحه فجعل كتاب الحج مقدما على كتاب الصوم؛ لأجل أن الحج عبادة مركبة من المال والبدن؛ فهي جنس من حيث هذا الاعتبار جديد، والصيام جنس سبق مثله وهو إقام الصلاة.

إنتهى الحديث الثالث ,,


 

رد مع اقتباس