29-11-2002, 01:45 PM
|
#1
|
عضو نشط
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 938
|
تاريخ التسجيل : 11 2001
|
أخر زيارة : 19-08-2008 (09:04 PM)
|
المشاركات :
59 [
+
] |
التقييم : 10
|
|
لوني المفضل : Cadetblue
|
|
دلع الاكتئاب
يروي لي أحد الزملاء الأطباء (ليس طبيباً نفسياً) من أحد الدول العربية الشقيقة، بأن والده كان يعاني من مرض الاكتئاب، وكان يتعالج عن هذا المرض بدواء اسمه التربتزول، وهو دواء مضاد للاكتئاب منذ الستينيات من القرن الماضي، وكان يتناول جرعة بسيطة، 25ملجم في المساء. وكان والد هذا الزميل شيخاً وإماماً لمسجد. بالاضافة إلى الاكتئاب - الذي كان تحت السيطرة - كان هذا الشيخ يُعاني من مرض السكر، وكان يُراجع طبيباً متخصصاً في الغدد الصماء للعلاج من مرض السكر. في أحد مراجعاته لطبيب الغدد الصماء، شاهد هذا الطبيب الدواء الخاص بعلاج مرض الاكتئاب فسأل مريضه (الشيخ وإمام المسجد)، ما العلاج الذي معه؟ فأخبره المريض بأنه يُعاني من مرض الاكتئاب الذي كدر حياته قبل أن يستخدم هذا العلاج. ما أن سمع طبيب الغدد الصماء هذه الاجابة، حتى قال لمريضه: يا رجل انت إنسان مؤمن، كيف تقول هذا الكلام.. مثلك لا يتناول مثل هذه الأدوية.. اتركها وتوكل على الله.
يقول هذا الزميل الطبيب، بأن والده تأثر لنصيحة هذا الطبيب، وترك العلاج. وحاول هو وبقية أفراد العائلة اقناعه بأخذ علاج الاكتئاب مرة أخرى لكن الوالد رفض.
وعاودته أعراض الاكتئاب بشدة، وحاولوا مرات كثيرة اقناعه بأخذ علاج الاكتئاب مرة أخرى، لكن جميع المحاولات كانت هباءً منثوراً. اشتد عليه الاكتئاب، وفي يوم ما، تمكن من تنفيذ ما كان الجميع يخشاه.. فقد انتحر هذا الأب الفاضل.. الشيخ الجليل، الذي ذهب ضحية لنصيحة في غير مكانها..
سيدة أخرى كانت تعاني من صداع مزمن، ترددت على جميع العيادات، في مختلف التخصصات تقريباً: الأعصاب، الباطنة، الجراحة، الأنف والأذن والحنجرة، العيون، الأسنان، وأجرت فحوصات لا حصر لها. في نهاية المطاف نصحها طبيب أسنان بمراجعة طبيب نفسي، فربما استفادت منه. وفعلاً ذهبت إلى طبيب نفسي، ووصف لها دواء مضاد الاكتئاب وبجرعة بسيطة، وكما وصفت المريضة نفسها "بأنها لأول مرة، منذ أكثر من عشرين عاماً لا تشعربالصداع.." فرحت بذلك كثيراً. في أحد مراجعاتها لطبيب عيون، سألها عن الصداع الذي تعاني منه، فأجابته بأنها تتناول علاجا مضادا للاكتئاب وصفه لها طبيب نفسي، فما كان منه إلا أن نصحها بترك الدواء المضاد للاكتئاب، فربما أدمنت عليه، ما كان منها إلا أن أصغت لنصيحة طبيبها، وتوقفت عن العلاج الذي خفف صداعها الذي كانت تُعاني منه لأكثر من عشرين عاماً. بعد إيقاف العلاج، عاودها الصداع مرة أخرى، وعادت لطبيبها النفسي، وأخذت نفس الجرعة، لكن صداعها لم يذهب أو يخف.. واضطر الطبيب النفسي المعالج إلى رفع الجرعة إلى أربعة أضعاف الجرعة السابقة حتى استجابت وتمت السيطرة على الصداع.
أدوية الاكتئاب لا تسبب ادماناً، وهي أدوية عادية، ولها مفعول جيد إذا أخذت بطريقة صحيحة وتحت اشراف طبي. ان الاكتئاب واحد من أكثر الأمراض النفسية شراسة، ويجعل حياة الإنسان لا تطاق، وللأسف هناك من يصف الاكتئاب بالدلع وأن مريض الاكتئاب ليس مريضاً ولكنه يتدلع.. إن كثيرا من النساء يعانين من الاكتئاب، وهذه حقيقة لا نستطيع تجاهلها، لكن هذا لا يعني أن نصف الاكتئاب بالدلع. إن هذا ليس عدلاً فالمرأة حين تكتئب ليس ذلك بيدها، فالاكتئاب مرض مثل أي مرض آخر، وفي رحلة هذا المرض المزعج، تحتاج المرأة إلى دعم أقرب الناس لها، أما أن توصم مريضة الاكتئاب بأنها تتدلع.. فهذا القول يدل على أن من يتفوه به لا يعرف معنى هذا المرض، وأرجو من الله أن لا يري أحداً مثل هذا المرض حتى لا يعرف ماذا يعنى الاكتئاب، فكما يقولون "النار ما تحرق إلا رجل واطيها..".
--------------------------
المصدر:
جريدة الرياض
الجمعة 24/9/1423
بقلم: د. ابراهيم الخضير
استشاري الطب النفسي
|
|
|