عرض مشاركة واحدة
قديم 16-02-2010, 10:24 PM   #27
noooor
V I P


الصورة الرمزية noooor
noooor غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 5696
 تاريخ التسجيل :  02 2004
 أخر زيارة : 15-11-2010 (09:06 PM)
 المشاركات : 8,386 [ + ]
 التقييم :  87
لوني المفضل : Cadetblue


.

فتحصل لنا أن خلاصة ما يتصل بتعريف الشاطبي للبدعة يتعلق بثلاثة أشياء:

أن البدعة يُلْتَزَم بها، الثاني: أنها مخترعة، لم يكن عليها عمل سابق، وهذه توافق الرواية الثانية: من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد والثالث: أنه تُضَاهَى بها الطريقة الشرعية، من حيث الزمان والمكان والوصف والأثر، يعني: العدد الذي هو الوصف مع الزمان والمكان، والأثر وهو طلب الأجر من الله -جل وعلا- بذلك العمل.

وعرَّفَه غيره بتعريف أوضح، وهو تعريف السمني، حيث قال: إن البدعة ما أُحْدِثَ على خلاف الحق المُتَلَقَّى عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من قول أو عمل أو اعتقاد، وجُعِلَ ذلك دينا قويما وصراطا مستقيما.

وهذا التعريف -أيضا- صحيح، ويتضح لنا منه أن البدعة أحدثت على خلاف الحق، فهي باطل، وأنها تكون في الأقوال، وفي الأعمال، وفي الاعتقادات، وأنها مُلْتَزَمٌ بها؛ لأنه قال في آخره: جعل ذلك دينا قويما وصراطا مستقيما.

إذا تقرر ذلك فمن المهمات في معرفة البدعة أن البدعة تكون في الأقول والأعمال والاعتقادات، إذا كان القول على غير وصف الشريعة، يعني: جُعِلَ للقول طريقة من حيث الزمان والمكان، أو من حيث العدد، تُعُبِّدَ بقول ليس وصف الشريعة، وجُعِلَ له وصف من حيث الزمان أو المكان أو العدد، وطُلِبَ به الأجر من الله -جل وعلا.

أو الأعمال، يُحْدِثُ أعمالا يتقرب بها إلى الله -جل وعلا- ويجعل لها صفة تُضَاهَى بها الصفة الشرعية على نحو ما ذكرنا، أو يعتقد اعتقادات على خلاف الحق المُتَلَقَّى عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم.

فهذه كلها من أحدثها -بمعنى: من أنشأها- فهي مردودة عليه، ومن تبعه على ذلك فهو -أيضا- عمله مردود عليه، ولو كان تابعا؛ لأن التابع -أيضا- محدث بالنسبة لأهل زمانه، وذاك محدث بالنسبة لأهل زمانه، فكل من عمل ببدعة فهو محدث لها.

لهذا يتقرر من هذا التأصيل أن البدعة مُلْتَزَمٌ بها، في الأقوال أو الأعمال أو الاعتقادات، فلا يقال إنه من أخطأ مرة في اعتقاد ولم يلتزم به أنه مبتدع، ولا يدخل فيمن فعل فعلا على خلاف السنة إنه مبتدع، إذا فعله مرة، أو مرتين أو نحو ذلك، ولم يلتزمه.

فوصف الالتزام ضابط مهم كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في بعض كلامه أن ضابط الالتزام مهم في الفرق بين البدعة ومخالفة السنة، فنقول: خالف السنة في عمله، ولا نقول إنه مبتدع، إلا إذا إلتزم مخالفة السنة، وجعل ذلك دينا يلتزمه.

فإذن من أخطأ في عمل من الأعمال في العبادات، وخالف السنة فيه، فإنه -إن كان يتقرب به إلى الله- فنقول له: هذا الفعل منك مخالف للسنة.

فإن التزمه بعد البيان، أو كان ملتزما له، دائما يفعل هذا الشيء، فهذا يدخل في حيز البدع، وهذا ضابط مهم في الفرق بين البدعة ومخالفة السنة.

مما يتصل -أيضا- بهذا الحديث، والكلام على البدع والمحدثات يطول، لكن ننبه على أصول فيها، مما يتصل به من الفرق بين مُحْدَث ومُحْدَث، أن هناك محدثات لم يجعلها الصحابة -رضوان الله عليهم- من البدع؛ بل أقروها، وجعلوها سائغة، وعُمِلَ بها، وهذه هي التي سماها العلماء -فيما بعد- المصالح المرسلة، والمصالح المرسلة للعلماء فيها وجهان من حيث التفسير، ومعنى المصالح المرسلة أن هذا العمل أرسل الشارع حكمه باعتبار المصلحة، فإذا رأى أهل العلم أن فيه مصلحة فإن لهم أن يأذنوا به لأجل أن الشارع ما عَلَّق به حكما، وهذا يأتي بيان صفاته.

قال العلماء: المصالح المرسلة تكون في أمور الدنيا، لا أمور العبادات، وفي أمور الدنيا، في الوسائل منها التي يُحَقَّقُ بها أحد الضروريات الخمس، يعني: أن الشريعة قامت على حفظ ضروريات خمس معلومة لديكم: الدين، والنفس، والمال، والنسل، والعقل.

هذه الخمس وسائل حفظها -هذه من المصالح المرسلة- وسائل حفظ الدين مصلحة مرسلة، لك أن تُحْدِثَ فيها ما يحفظ دين الناس، مثل تأليف الكتب، تأليف الكتب لم يكن على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، فأُحْدِثَ تأليف الكتب، تأليف الردود، جمع الحديث ما كان، نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يُكْتَب حديثه، ونهى عمر أن يُكْتَب حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم كُتِب.

هذا وسيلة لم يكن المُقْتَضِي لها في هذا الوقت قائما، ثم قام المقتضي لها، فصارت وسيلة لحفظ الدين، صارت مصلحة مرسلة، وليست بدعة.

فإذن من المهمات في هذا الباب أن تُفَرِّق ما بين البدعة، وما بين المصلحة المرسلة؛ فالبدعة في الدين، متجهة إلى الغاية، وأما المصلحة المرسلة فهي متجهة إلى وسائل تحقيق الغايات، هذا واحد.

الثاني: أن البدعة قام المقتضي لفعلها في زمن المصطفى -صلى الله عليه وسلم- ولم تُفْعَل، والمصلحة المُرْسَلَة لم يقمْ المقتضي لفعلها في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم.

فإذن إذا نظرنا -مثلا- إلى جمع القرآن، جَمْعُ القرآن جُمِعَ بعد النبي -عليه الصلاة والسلام-، في عهده -عليه الصلاة والسلام- لم يُجْمَع، فهل نقول جمع القرآن بدعة؟

العلماء أجمعوا -من الصحابة ومن بعدهم- أن جمع القرآن من الواجبات العظيمة التي يجب أن تقوم بها الأمة، هنا في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- ما قام المقتضي للفعل؛ لأن الوحي يتنزل، فلو نُسِخَ القرآن كاملا لكان هناك إدخال للآيات في الهوامش أو بين السطور، وهذا عرضة لأشياء غير محمودة.

فكان من حكمة الله -جل وعلا- أنه ما أمر نبيه بجمع القرآن في كتاب واحد في حياته -عليه الصلاة والسلام-؛ وإنما لما انتهى الوحي بوفاة المصطفى -عليه الصلاة والسلام- جمعه أبو بكر، ثم جُمِعَ بعد ذلك.

وفي أشياء شتى من إنشاء دواوين الجند، ومن استخدام الآلات، ومن تحديث العلوم، ومن الاهتمام بعلوم مختلفة، وأشباه ذلك من فتح الطرقات، وتكوين البلديات والوزارات، وأشباه هذا في عهد عمر -رضي الله عنه-، وفي عهد أمراء المؤمنين فيما بعد ذلك.

إذن فالحاصل من هذا أن المصلحة المرسلة مُحْدَثَة، ولكن لا ينطبق عليها هذا الحديث: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد لأن هذه ليست في الأمر؛ وإنما هي في وسيلة تحديث الأمر، فخرجت عن شمول هذا الحديث من هذه الجهة.

ومن جهة ثانية أنها إحداث ليس في الدين؛ وإنما هو في الدنيا لمصلحة شرعية تعلقت بهذا العمل.

سمَّاها العلماء مصالح مرسلة، وجُعِلَتْ مطلوبة من باب تحقيق الوسائل؛ لأن الوسائل لها أحكام الغايات، فهي واجبة ولا بد من عملها؛ لأن لها حكم الغايات.

العبادات قسم من الشريعة، والمعاملات قسم من الشريعة، فالعبادات إحداث أمر في عبادة على خلاف سنة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- محدث وبدعة في الدين.

وكذلك في المعاملات، إحداث أوضاع في المعاملات على خلاف ما أمر به النبي -صلى الله عليه وسلم-، فهو أيضا مردود؛ لأنه مُحْدَثٌ في الدين.

مثاله: أن يُحَوِّلَ -مثلا- عقد الربا من كونه عقدا محرما إلى عقد جائز، فهذا تبديل للحكم، أو إحداث لتحليل عقد حَرَّمه الشارع، أو يبطل شرطا من الشروط الشرعية التي دَلَّ عليها الدليل، فإبطاله لهذا الشرط مُحْدَثٌ أيضا، فيعود عليه بالرد.

أو أن يُحَوِّلَ -مثلا- عقوبة الزنا من كونها رجما للمُحْصَن، أو الجلد والتغريب لغير المحصن، إلى عقوبة مالية، فهذا رد على صاحبه، ولو كانت في المعاملات؛ لأنها إحداث في الدين ما ليس منه، وهذا يختلف عن القاعدة المعروفة أن: الأصل في العبادات التوقيف، والأصل في المعاملات الإباحة وعدم التوقيف.

هذا -يعني- فيما يكون في معاملات الناس، أما إذا كان هناك شرط شرعي أو عقد، شرط شرعه الشارع، وأمر به واشترطه، أو عقد أبطله الشارع، فلا يدخل فيه جواز التغيير؛ وإنما جواز التغيير، أو التجديد في المعاملات، وأنها مبنية على الإباحة والسعة، هذا فيما لم يدل الدليل على شرطيته، أو على عقده، أو على إبطال ذلك العقد، وما شابه ذلك.

وعلى هذا قال -عليه الصلاة والسلام- في حديث بريرة المشهور: كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط .

فهذا الحديث يأتي في جميع أبواب الدين، يأتي في الطهارة، وفي الصلاة، وفي الزكاة، والصيام، والحج، وفي البيوع والشركات، والقرض، والصرف، والإجارة إلى آخره، النكاح والطلاق، وجميع أبواب الشريعة، كما هو معروف في مواضعه من تفصيل الكلام عليه.

إنتهى الحديث الخامس ,,


 

رد مع اقتباس