عرض مشاركة واحدة
قديم 21-02-2010, 02:21 AM   #21
أم عبدالله
عضومجلس إدارة في نفساني


الصورة الرمزية أم عبدالله
أم عبدالله غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 20381
 تاريخ التسجيل :  06 2007
 أخر زيارة : 30-10-2014 (10:48 PM)
 المشاركات : 9,725 [ + ]
 التقييم :  167
لوني المفضل : Cadetblue


لن أعلق انما انقل كامل الكلام كما ذكره فضيلة الشيخ صالح بن عواد المغامسي في سلسلة تأملات قرانيه

تفسير قوله تعالى: (واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان ...)



لما ذكر الله جل وعلا نبذهم للكتاب ذكر ما الذي تحلوا به، وبالعقل والنقل أن الإنسان حين يترك شيئاً لابد أن يملء يده بشيء آخر، فمن ترك السنة سيمتلئ بالبدعة، ومن ترك التوحيد سيمتلئ بالشرك، فلما ترك هؤلاء الهديين هدي التوراة من قبل وهدي القرآن في العصر الذي هم فيه ذكر الله جل وعلا عنهم أنهم اتبعوا الباطل على حال هم فيها تاركين الحق، تاركين التوراة، قال الله: وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ [البقرة:102] (تتلوا) هنا بمعنى تقرأ وتملي، لكنها تعدت بحرف الجر (على) والعرب إذا عدت القول بحرف الجر (على) يغلب على سنن كلامها أنها تقصد به التكذيب، تقول: تقول علي فلان ما لم أقله، تقصد التكذيب، فعديته بحرف الجر على. قال الله: وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا [البقرة:102] سليمان بن داود عليه الصلاة والسلام أحد أعظم أنبياء بني إسرائيل، وبنو إسرائيل بعث فيهم يوسف عليه السلام ثم بعث فيهم موسى عليه السلام، وهو الذي خرج بهم من أرض مصر، ثم مكثوا أربعين سنة في التيه، وخلال الأربعين سنة التي قضوها في التيه مات هارون ثم مات موسى، ثم دخل بهم يوشع بن نون عليه السلام الأرض المقدسة، ثم وجد فيهم أنبياء لم يصرح الله بأسمائهم، لكنه ذكر أحدهم دون اسمه رفيقاً لـطالوت ، قال الله جل وعلا: وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ [البقرة:248] أي: ملك طالوت وهذا النبي في عهده، وعهد الملك طالوت ظهر داود عليه السلام، قال الله: وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ [البقرة:251] فآل الأمر إلى داود عليه الصلاة والسلام ثم آل الأمر بعد داود إلى سليمان. والله جل وعلا يمايز بين عباده ويجعلهم مختلفين ولا نقول: متفاوتين؛ لأن الله يقول: مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ [الملك:3] لكن الله نسب الاختلاف لنفسه، فقال: وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ [المؤمنون:80] فالاختلاف لا يعني بالضرورة الذم، ويعطي الله كل أحد بعضاً من المناقب والصفات والخصائص، فأعطى داود حظاً كبيراً من العبادة، أحب الصلاة إلى الله، وأحب الصوم إلى الله، وأعطى سليمان حظاً كبيراً من الملك، وفي كل خير، ولكل أحد منهما مصلحة في زمانه، فربما كان الناس في زمن داود أحوج لملك عابد ونبي عابد يتأسون به، وفي زمن سليمان فتحت الممالك فكانوا أحوج إلى نبي قوي مسخر له وملك حازم فكان سليمان عليه الصلاة والسلام. ومما أعطيه سليمان أن الله سخر له الجن، يقول الله: يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ [سبأ:13] وقطعاً حملت الجن وشياطينهم الكفرة في قلوبهم ما حملوا على سليمان، فلما مات سليمان قامت الشياطين وأخرجت طلاسم كانت قد أخفتها، وزعمت بعد موت سليمان أن سليمان كان يحكمهم بهذه الطلاسم، فأخذوا يقرءون على الناس تلك الطلاسم مؤملين لهم أن يسودوا كما ساد سليمان، والترغيب في أن يسود الناس كما ساد سليمان هو المعبر والممر الذي من أجله قال الشياطين على سليمان ما قالوه، فطمع الإنسان في السيادة ثغرة جعلوها معبراً للقدح في سليمان عليه الصلاة والسلام، والشياطين لم يصرحوا بأن سليمان كان كافراً، وإنما صرحوا بأن سليمان كان ساحراً، والسحر قرين الكفر، ولهذا قال الله: وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا [البقرة:102]، فـ(ما) في قوله جل وعلا: وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ [البقرة:102] نافية، يريد الله بها تنزيه نبيه سليمان أن يكون قد تلبس بحال أهل السحر أو حال أهل الكفر. وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ [البقرة:102] كفروا باتباعهم السحر، يعلمون الناس السحر (وما أنزل) وهذه (ما) موصولة، ولا يصح أن يبدأ بها، وقد حررنا هذا من قبل في دروس قد خلت ومضت، وذكرنا أن ما الموصولة لا يبتدأ بها، إذا ابتدئ بها لا يفهم منها إلا النفي؛ لأن الرسم الإملائي واللفظي واحد، فنقول عندما نقرأ: يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ [البقرة:102] يصبح المعنى: يعلمون الناس السحر والذي أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت، والذي أنزل سحر لكنه سحر معني فقط على ظاهر القرآن، ولا أجزم به سحر تفريق، أما السحر الأول فهو سحر موروث من قديم؛ لأن السحر كان منذ زمن موسى، والسحر المذكور في زمن موسى لم يذكر الله أنه سحر تفريق وإنما سحر استرهاب وتخييل. فهؤلاء الشياطين يعلمون الناس السحر الموروث القديم والسحر الذي جاء به هاروت وماروت، قال الله: يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ [البقرة:102] أي أن هذين الملكين لا يعلمان أحداً طرائق السحر حتى يبينا له جادة الصواب، وأنهما بعثا فتنة للناس، والله جل وعلا مليك مقتدر، والخلق خلقه، والأمر أمره، والعباد عبيده، ومن حقه جل وعلا -ولا ملزم له- أن يبتلي عباده، وهو أعلم بمنافعهم ومصالحهم. وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ [البقرة:102] وهذا دليل ظاهر على أن السحر كفر. ......



معنى قوله تعالى (فيتعلمون منهما ما يفرقون بيه بين المرء وزوجه ...)



قوله: فَيَتَعَلَّمُونَ [البقرة:102] يعني من يرغب منهم. مِنْهُمَا [البقرة:102] أي من الملكين. مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ [البقرة:102] أي الذي يفرقون به بين المرء وزوجه، وهذا نص ظاهر بأن السحر الذي جاء به هاروت وماروت سحر التفريق. وقول الله جل وعلا: مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ [البقرة:102] (ما) موصولة، وسمعت من بعض أهل التجربة القائمين على فك السحر من الناس من إخواننا القراء المتقنين، وهذا الباب قد فتح فتحاً واسعاً عياذاً بالله، أن (ما) تحتمل أربعة أشياء: تحتمل في سحر التفريق بغض الرجل لامرأته، وبغض المرأة لزوجها، والثالث عدم القدرة على الجماع، والرابع -وهذا الرابع في النفس من إثباته شيء- عجز المرأة عن الحمل، لكنني أقول إن ( ما ) في اللغة تحتمل هذا وأكثر، فلو ثبت شيء آخر غير الذي حررناه يدخل؛ لأن (ما) في اللغة تفيد العموم. فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ [البقرة:102] ولما كان الرب جل وعلا خالق الأسباب والمسببات فما كان لها أن تمضي إلا بإذنه. قال الله: وَمَا هُمْ [البقرة:102] أي هؤلاء السحرة. بِضَارِّينَ بِهِ [البقرة:102] أي بالسحر. مِنْ أَحَدٍ [البقرة:102] أي من الناس، و (من) إذا جاءت بعدها نكرة والجملة مسبوقة فهذا من أعظم صيغ العموم. وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ [البقرة:102] أي: أي أحد. إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ [البقرة:102] ولا يمكن أن يقع شيء قدراً إلا بإذن الله. وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنفَعُهُمْ [البقرة:102] فهم منها أكثر العلماء على أن السحر ضرر محض لا نفع فيه، والقرينة ظاهرة، فإن الله قال: وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ [البقرة:102] فلو سكت جل وعلا لفهم أنه قد يكون في السحر بعض المنفعة، لكن قول الله: وَلا يَنفَعُهُمْ [البقرة:102] هذا نفي للمنفعة، فدلت على أن السحر شر وضرر محض خالص، وممن صرح بهذا العلامة ابن سعدي رحمة الله تعالى عليه في تفسيره. ثم قال الله: وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ [البقرة:102] أي: لا حظ له ولا نصيب، والاسم النكرة إذا جاء مسبوقاً بحرف الجر من والجملة منفية تعني النفي المطلق، وهذا من أعظم صيغ العموم في النفي، وهنا قال الله: وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا [البقرة:102] هذا نفي. مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ [البقرة:102] هذا حرف الجر، و خَلاقٍ [البقرة:102] اسم نكرة، فلما قال الله: مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ [البقرة:102] هذا نفي لأي حظ أو نصيب في الآخرة، ولا يقع النفي المطلق للحظ والنصيب في الآخرة إلا للكافر، وعلى هذا لا يتردد في كفر الساحر. ثم قال الله: وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [البقرة:102] هذا سياق ذم؛ لأن بئس من أفعال الذم، وهنا نفى الله العلم قال: لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [البقرة:102]، وقبل قليل قال: وَيَتَعَلَّمُونَ [البقرة:102]، لكن لما كان هذا العلم لا ينفع جعله الله جل وعلا بمنزلة لا شيء من العلوم. ثم قال الله: وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ [البقرة:103] مثوبة هذه أو خير تحتمل معنيين إما مثوبة بمعنى الجزاء فيصبح المعنى: ولو أنهم آمنوا واتقوا كان جزاء الله لهم خير. وتحتمل معنى العودة والأوبة والرجعة إلى الله، أي أنهم لو آمنوا واتقوا ورجعوا إلى ربهم لكان خيراً لهم. لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [البقرة:102].



 

رد مع اقتباس