الشيخ عايش
مأزقُ الاجتهادِ الاختلافُ بالرأي
إنَّ موقف الراقي المجتهد يتوقف على عوامل ستة، وهذه العوامل تعدُّ أصولاً لا محيد عنها، وثوابت يجبُ الإلمام بها، واتخاذها طريقاً له لا محيد عنه. وهي:
أولا: علم الرقية: فإذا اختلفت أصول العلم اختلف الرأي.
ثانيا: طريقة الرقيه: فاذا اختلفت طريقة الرقيه اختلفت الانعكاسات.
ثالثا: فهم أبعاد الرقية: فمن الناس من يفهم أنَّ الرقية على أيدي الأبرار فيها استجابة من المليك الجبار.
رابعا: إلهام الطريق: فمن المجتهدين من يريد الوصول إلى الحقِّ، فيبصِّره الله به، ويأخذ بيده حتى يكون مجاب الدعوة مطاعاً بإذن الله تعالى، ومن المجتهدين من يكون اجتهاده لأمور دنيوية، فيتركه الله ويوكله إلى نفسه، فيَضلّ ويُضلّ غيره.
خامسا: تجارب الراقي: فكلما زادت التجارب غيّرت في الرأي.
سادسا: آفة الطريق (مصلحة المعالج): إنَّ مصلحة الإنسان تؤثر تأثيرا كبيراً، وغالباً ما يكون سلبياً في الرأي، فإذا كانت وجهة المجتهد دنيوية أعاقته عن الوصول إلى الطريق، وإذا كانت غايته الله تعالى، فإنَّ الطريق ستكون واضحة لا لَبسَ فيها ولا اعوجاج، وإذا كان الراقي ذا باطل، فإنه سيحاول أنْ يبطل ما دونه من الطرق بكلِّ ما أوتي من قوة، وينتقد من أجل الانتقاد لا من أجل الوصول إلى السداد.
اتصال الإنس بالجن واستخدامهم مضرٌّ بالعقيدة، ومدعاة إلى الفساد لأسباب عدة:
أولاً: أنَّ مصاحبة ما ليس يشبهك، وما هو من غير جنسك لن يأتي بخير، إلا مصاحبة الملائكة التي يكرمك الله بها لتسجيل عملك الصالح، وحفظك من كل مكروه يريد الله تعالى أنْ يردَّه عنك.
ثانياً: لن يستطيع الإنسان الجاهل بدقائق حِيَلِ الشيطان، وكثرةِ مداخله ومكائده التي يحبكها بشكلٍ متقن للإنسان، وقد تناولها بعض العلماء بالبحث والتمحيص؛ مثل كتاب تلبيس إبليس لابن الجوزي، لأنَّ التمييز بين طوائف الجنِّ مستحيلة لسببٍ واضح؛ وهو أننا لا نراهم لنكشف عمَّا بداخلهم، حيث يستطيعُ مَنْ أوتيَ الحكمةَ، وأعطيَ الفراسة أنْ يميِّز بين الإنسان التقي من غيره من خلال طوايا وجهه، وفلتات لسانه، وزفراتِ حقده، أما التمييز بين الكافر والمؤمن في عالم الجن والشياطين فهو إلى المستحيل أقرب منه إلى الممكنات.
ثالثاً: إنْ لم يكن الشيخ مُلهماً من الله ، مدركاً لكلِّ حركة تتأتى من قبل الجن فسيهلك في النهاية، ولكم في قصص السحرة عبرة أيما عبرة.
رابعاً: لم يثبت أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم استخدم الجن في تسيير أمور الحياة، أو أمور الناس، ولم يثبت عن صحابته مثلُ ذلك.
خامساً: الجن خلقٌ مثلنا يأخذون عنا العلم النافع، ومن الممكن أنْ نأخذ عنهم العلم، ولكنْ أيَّ علمٍ نأخذ عنهم ؟ إنْ حصل ذلك فسيأخذ الإنسيُّ من الجني ما لا ينفع من العلوم، التي لا تزيده إلا رهقاً، وقد أثبت القرآن الكريم تعليمهم السحر للناس، وقد خلق الله الناس على فطرة التوحيد، ولكنهم اتبعوا ضلالة من سبقهم من الضالين المضلين، وأحدثوا ما لم يصدر عن نبي ولا وليٍّ، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث وصف أناساً في آخر الزمان فيما رواه عنه أبو هريرة قال: (سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ سَنَوَاتٌ خَدَّاعَاتُ، يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ، وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ. قِيلَ: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟ قَالَ: الرَّجُلُ التَّافِهُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ)( ).
وقد ذكر مصطفى بن عبدالله القسطنطيني صاحب "كشف الظنون" تفصيلاً جميلاً لبعض فئات ناس هذا الزمان بقوله: "اعلم: أنَّ التقسيم الضابط أنْ يُقال: من الناس من لا يقول بمحسوس ولا معقول وهم السوفسطائية؛ فإنهم أنكروا حقائق الأشياء، ومنهم: من يقول بالمحسوس ولا يقول بالمعقول وهم الطبيعية، وكلٌّ منهم معطِّل لا يردُّ عليه فكرُه برادّ، ولا يهديه عقله ونظره إلى اعتقاد، ولا يرشده ذهنه إلى معاد، قد ألِف المحسوس وركن إليه، وظنَّ أنه لا عالم وراء العلم المحسوس، ويقال لهم الدهريون أيضاً لأنهم لا يثبتون معقولاً، ومنهم من يقول بالمحسوس والمعقول ولا يقول بحدود والأحكام؛ وهم الفلاسفة؛ فكلٌّ منهم قد ترقَّى عن المحسوس، وأثبت المعقول، ولكنه لا يقول بحدود وأحكام وشريعة وإسلام، ويظنُّ أنه إذا حصل له المعقول، وأثبت العالم مبدأ ومعاداً وصل إلى الكمال المطلوب من جنسه، فيكون سعادته على قدر إحاطته وعلمه، وشقاوته بقدر جهله وسفاهته وعقله هو المستبد بتحصيل هذه السعادة "( ).
ومن الأهمية بمكان أنْ أنوِّه إلى أنه خلال السنوات الطويلة من ممارستي لطريقة إثبات البيِّنة في العلاج بالرقية الشرعية النبوية لم ينكر شرعيتها أحدٌ من العلماء الكثر ، ممن تابع هذه الطريقة بعلم وأمانة.
وفي نهاية مقدَّمتي أسأل الله العظيم أنْ يكتب لي القبول في السماء والأرض، فما في كتابي هذا من علمٍ وفائدة، فمن فضل الله وكرمه ومنِّه، وما فيه من السهو والخطأ فمن نفسي والشيطان. أسأله تعالى أنْ يكتب كلَّ كلمةٍ فيه وكلَّ حرفٍ أجراً وعافيةً ودفعَ بلاءٍ عني وعن أهلي وتلاميذي وأهلهم، وجميع المسلمين إنه تعالى أكرم مسؤول وخير مأمول، وآخر دعوانا أنْ الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الشيخ عايش خليل عايش القرعان
شيخ عشيرة القرعان في لواء الطيبة