الأخذ بالأسباب واجب وتركها مفسدة ومخالفة صريحة - الشيخ عايش القرعان
وفي كل الأحوال الشافي هو الله عز وجل وبإرادته وتقديره، وبسعي العبد الطلب من الله بالأخذ بالأسباب التي شرعها رب العزّة لعباده، لكنَّ الله تعالى سبحانه وتعالى جعل الإنسان سبب للإنسان، فنجد أنَّ فلاناً يكون سبب في رزق فلان ونحن نعلم أنَّ الله تكفل
بالرزق، وفلان سبب في موت فلان، ونسعى للثائر رغم أننا نعلم حق اليقين أنَّ الموت وقته محتوم، ويكون فلان سبب في شفاء فلان، ونحن نعلم يقيناً أنَّ الشافي هو الله عز وجل، وقد ثبت في الحديث الصحيح عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: (لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ، فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ بَرَأَ بِإِذْنِ اللَّهِ . وهذه قاعدة أساسية في العلاج لذلك لا بدَّ من تشخيص المرض بدقّة حتى تكون هناك نتيجة صحيحة.
فلم يقل الله تعالى إنَّ الطبيب أو الراقي هو الذي يشفي، ومع ذلك فالكل وسيله لاتضر ولا تنفع إلا بتقدير الله . فلا يجوز لنا ترك الأسباب ولا بدّ لنا أنْ لانهمل الأخذ بالأسباب والمسببات المادية، وكما لا بدَّ علينا من الأخذ بالدعاء والتوسّل إلى الله، وطلب الشفاء منه وحده، واعتبار ما دون ذلك وسيلة، ففي كتاب الله شفاء، ووسيلة للاستشفاء من الأمراض العضوية، ومن الأمراض النفسية، ومن الأمراض الروحية، والأمراض السلوكية، ومن كان عنده شكٌّ في ذلك فليس على الجادّة، وعليه مراجعة نفسه للوقوف على الحقيقة التي لا ينكرها إلا جاهلٌ جاحد.
وقد بالغ بعض الأخوان في المسألة فاساءوا بمفهومهم لكتاب الله وحمَّلوه ما ليس به فبصدق التوجّه الى الله بالدعاء وبتلاوة القرآن يحصل شفاء. فبالدعاء يصنع الإنسان المعجزات.
إنَّ الاستشفاء بالقرآن والدعاء لن ينتفع به إلا من أخلص لله قلبه ونيته وتدبَّر الكتاب فى عقله وسمعه، وعمَّر به قلبه، وأعمل به جوارحه، وجعله سميره فى ليله ونهاره، وتمسَّك به وتدبَّره، هنالك تأتيه الحقائق من كل جانب، وإنْ لم يكن بهذه الصفة كان فعله مكذباً لقوله كما رواه أنَّ عارفاً وقعت له واقعة فقال له صديق له: نستعين بفلان فقال: أخشى أنْ تبطل صلاتى التي تقدمت هذا الأمر وقد صليتها قال صديقه: وأين هذا من هذا؟ قال: لأني قلت فى الصلاة: إياك نعبد وإياك نستعين، فإنْ استعنت بغيره كذبت، والكذب فى الصلاة يبطلها، وكذلك الاستعاذة من الشيطان الرجيم لا تكون إلا مع تحقق العداوة، فإذا قبل إشارة الشيطان واستنصحه فقد كذب قوله فبطل ذكره[1])) البرهان في علوم القرآن 1/436-437.. وهنا لا بد من الأخذ بالاسباب بالذهاب الى الطبيب وتناول الدواء مع الاعتقاد ان الدواء والطبيب من الاسباب التي امر بها الشرع الاسلامي وان ترك الاخذ بالاسباب مفسدة.
أما أنْ يكون القرآن شفاء بمجرد التلاوة كما يفعل الجهال من لجؤهم الى تشغيل أشرطة القرآن بالشهور والسنين لطرد الإصابة الروحية فهذا تبلِّي على القرآن حيث أنَّ القاعدة واضحة ]قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء" "ويشف صدور قوم مؤمنين[ فالشفاء يكون بنية المعالجِ والمعالَج في الحالات العضوية، ويتم على نية المعالج دون المعالَج في الحالات الروحية؟
وقد ثبت في الصحيحين أنَّ القرآن رقية، والرقية تتوقف على حضور قلب الراقي في الشرع الإسلامي، بينما تتوقف على قوة العهود والنواميس الشيطانية في الحالات الثانية. فلا يجوز أنْ نجعل من الآيات القرآنية جزئيات كما يفعل بعض المنتسبين للإسلام.
|