عرض مشاركة واحدة
قديم 13-06-2010, 05:31 PM   #1
noooor
V I P


الصورة الرمزية noooor
noooor غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 5696
 تاريخ التسجيل :  02 2004
 أخر زيارة : 15-11-2010 (09:06 PM)
 المشاركات : 8,386 [ + ]
 التقييم :  87
لوني المفضل : Cadetblue
الكلمـة ,, خطورتها وأثرها ,,



بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته








الكلمة خطورتها وأثرها




الحمد لله الحمد لله المتفرد بالثناء إجلالاً وإعظاماً، سبحانه وبحمده خص عباده بغامر الآلاء تفضلاً وإكراما، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً تحيل الونى اعتزاما.

وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبد الله ورسوله قدوة العالمين سمتاً وصمتاً وكلاماً، صلى الله وبارك عليه وعلى آله الألى بهم المجد تسامى، وصحابته الغر الذين كانوا لسفاسف القول لجاماً، وفي تألق الكلم بدورًا وأعلاماً، والتابعين ومن تبعهم بإحسان يرجو من الفوز مراماً، وسلم اللهم تسليمًا كثيراً ما تعاقب الثقلان وداما.

أما بعد: فيا عباد الله خير ما يوصى به دوامًا لمن ابتغى عزًّا ترامى: تقوى الله -عز وجل- فتقواه تشفي من الصلاح أواما وتحقق -وايم الحق- ما عز مراماً: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) [الأحزاب:70-71]
فَلازِمْ تُقَى الرَّحمنِ واسْألهُ نصْرَه *** يُمِدُّك مِنْ إسْعَافِه بالعجَائِبِ
فَإِنَّ التُّقى حصنٌ حصِينٌ لأهْلِه *** وَدِرْعٌ يقِي حَادِثاتِ النَّوَائِبِ

أيها المسلمون: قضيةٌ حضارية، وقيمة عالمية تبارت الأمم في ميدانها الفسيح تنشد الغلب والاستباق، ولأجلها جادت بنفيس الأعلاق، وأغدقت عليها؛ لنفاذها في الآفاق، قضيةٌ هي ترجمان الحضارة وانبثاقاتها، وصوت القوة وانعكاساتها، تحذو الأمم إلى المعالي وربوعها ومنازل العزة وينبوعها، قضية تنطوي النور والحكمة، والحياة والرحمة، والهداية والنجاة بله الباقيات الصالحات؛ تلكم هي -يا رعاكم الله- مسئولية الكلمة في أجلى حقائقها، وأميز دقائقها، وشتى طرائقها سمعاً وكتابةً، نطقاً وإجابةً، إخفاقاً وإصابة.

الكلمة ما الكلمة؟ لفظة ذات حدين ورسالة ذات ضدين؛ فهي -إن شئتم- شمس مشرقة، أو نار محرقة. هي دليل فاصل، أو سيف قاصل. هي صيب الغيث، أو سيء العيث.

الكلمة -إن شئتم- نُبل واحترام، أو نَبل ذو اجترام. هي باعث السرور، أو نذير الثبور.

الكلمة أحلى من الرضاب، أو أنكى من العضاب، ورب قول أنفذ من صول، وكم من كلمة قالت لصاحبها: دعني.

إخوة الإيمان: الكلمة الطيبة مطية الهداية والدعوة والإصلاح، وزناد الفكر والفلاح، بها الإسلام عم وساد ودعا الشعوب وقاد، إنها منارة توجيه وإرشاد، ورافد تعليم وبناء وإعداد.

الكلمة تتناول أدق القضايا وأعضلها؛ فتجليها وتنسرب في النفوس؛ فترقيها أو تشقيها؛ لذلك حذر الشرع الحنيف من سقطات الألسن وحصائدها ولغوها: "وهل يكبُّ الناسُ في النارِ على وجوهِهِم إلا حصائِدُ ألسِنَتِهِم؟".

يقول -صلى الله عليه وسلم-: "إنّ العبدَ لَيَتَكلَّمُ بالكلمةِ من رضوانِ اللهِ لا يُلقِي لها بالا يرْفعه الله بها درجات، وإن العبدَ ليتكلَّمُ بالكلمةِ منْ سَخَطِ اللهِ لا يُلْقي لها بَالا يهْوِي بها في جَهَنَّم" أخرجه البخاري.

ولخطورتها وأهميتها؛ ترتبت عليها العقوبات والحدود في الإسلام، والتعازير والآثام على مجرد الكلام، من ذلكم كلمة التوحيد، وإبطال الكفر والتنديد، ولفظة النكاح أو الطلاق أو العتاق، وغيرها:

احْذَرْ لِسانَكَ أنْ تقُولَ فتُبْتلَى *** إنَّ البلاءَ مُوَكَّلٌ بالمنطِقِ

لذلك ورد منهجنا القرآني الفريد؛ بحفظ الكلمة عن مسلك النبو والتجريح، واقتعد بها ميدان السمو والصدق الفسيح يقول -سبحانه-: (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق:18]

ولجلال الكلمة ومسئوليتها؛ لم يكن مزاحه -عليه الصلاة والسلام- إلا حقاً وصدقاً:

القولُ لا تَمْلِكهُ إذَا نَمَا *** كالسَّهْمِ لا يُرْجِعْهُ رامٍ رَمَى

يقول الإمام الغزالي -رحمه الله-: "فمن أطلق عذبة اللسان، وأهمله مرخي العنان؛ سلك به الشيطان في كل ميدان، وساقه إلى جرفٍ هار إلا من قيده بلجام الشرع، وكفه عن كل ما يخشى غائلته في عاجله وآجله".

أمة الإسلام: الكلمة الربانية الغدقة، والمفردة المخلصة العبقة؛ تبعث النفوس من أوحال الخمول والجهالة، ومواقع الزيغ والضلالة، وتنجيها من سباع شهواتها المغتالة، وتعتقها من الأفكار والمفاهيم القتالة.

الكلمة المسئولة الندية، واللفظة الصادقة الوردية؛ تهفو بالأرواح إلى جلائل الأمور بهمةٍ وأمل لا يتخللهما إثقال ولا فتور، وتلك هي الدعوة النافعة والحكمة الماتعة التي تسيم الأمة الإسلامية في مرابع العمل الصالح المبرور، وتؤكد بين أبنائها آصرة التآخي والحبور.

ولغزير العبر المنيفة، واللطائف الشريفة في رسالة الكلمة يقول -عز من قائل-: (وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً) [ البقرة:83] (وقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [الإسراء:53] (فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُوراً) [الإسراء:28]
وفي ذلك أسوة -وأي أسوة- للعلماء والدعاة، والمفتين والكتاب، والمخاطبين والإعلاميين:

ويُبهِجُك الرَّهْطُ الأُلى رفدَتْهُمُ *** قَرائِحُ باللفظِ الرَّصِينِ تجُودُ
إذَا نثرُوا الألفاظَ فهِي أزَاهِرٌ *** وإنْ نظَمُوا الأمْثَالَ فهِي عُقُودُ


أمة الكلمة الطيبة أمة الكلمة الطيبة: الكلمة النورانية الأنوق التي تخطها اليراعة، أو يلفظها ذوو البراعة في الدعوة والإصلاح؛ فتنطلق مدبجة بمدى اللطف والجمال والرصانة والوسطية والاعتدال، في غير استهجان ولا ابتذال؛ لتحقق من الهدى والخير، وتدفع من السوء والضير كل أمل ورجاء؛ لأنها ما نبعت إلا من لوعة الفؤاد على هداية العباد، ونشر المرحمة بينهم، والتواد بأكرم عطاء وأزكى زاد: (أَلَمْ ترَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا) [ إبراهيم:24-25]

الله أكبر! يا لله! ما أروع الكلمة الهادفة البانية! وما أجمل الكلمة الهادية الحانية!

إخوة العقيدة: ومن مقتضيات القول الثمين؛ النقد الباني الأمين عبر وسائل الإعلام التي زاحمت الأقطار وغزت الأفكار؛ فالنقد المسطور أو المسموع لا بد أن يكون من ذي مُكنةٍ واقتدار.

فلا يطلق الكلام في الرموز والمجتمعات والمؤسسات والهيئات حمماً حارقة ونصالاً خارقةً، وقنابل مدمرة، ورصاصات مدوية، وخناجر مسمومة، وألغاماً محمومة، كيف؟ وما أفحش حكيم، ولا أوحش كريم.

والنقد المسف عن كمد؛ لا يخفى زيفه وإن طال الأمد ذلكم -يا رعاكم الله-، وأن لا يذاع في الأمة من الكلام إلا ما هذبته بصائر الأفكار، وألا ينشر إلا ما نقحته عقول النظار؛ ليكون مدرجةً للرقي والكمال، ومنةً لحفظ الهوية والخصوصية دون إمحال؛ لاسيما في النوازل والقضايا الكبرى الجلال.

تكلَّمْ وسدِّدْ ما اسْتطعتَ فإِنَّما *** كلامُكَ حيٌّ والسُّكُوتُ جَمَادُ
فإنْ لم تجدْ قَوْلا سديدًا تقُـوله *** فصمتُكَ عنْ غيرِ السَّدَادِ سَداَدُ


وأبلغ من ذلك قول المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ كَانَ يؤمِنُ باللهِ واليومِ الآخِرِ فلْيَقُلْ خيرًا أوْ لِيَصْمُتْ" أخرجه البخاري في صحيحه.

وإن أكيس الناس من تكلم بعلم، أو سكت بحلم، ورحم الله رجلاً قال خيراً فغنم، أو سكت فسلم، ولا غرو؛ فكم كانت الكلمة مجلبة للأحقاد، ومثاراً للتنافر والعناد.

فيا أحبتنا الكرام -فرسان الأقلام وصياقلة النثار والنظام، وصناع الكلمة ورجال الإعلام-: إن الكلمة المطبوعة والمسموعة؛ غدت في عصرنا الحاضر معترك النزال، ومتنها وسائل وأجهزة الاتصال؛ فاتقوا الله فيما تخطه اليمين لتوجيه الجيل من البنات والبنين.

واحذروا الشطط والجلب وتل الهوى للجبين، واقدروا للقول دلالاته واعتبروا للفظ مآلاته التي تزكي الأخلاق والأذواق، وتجمع العقول على التصافي والوفاق؛ فالكلام -سددكم الله- المشرق في معناه، الساطع في مبناه هو المرآة العاكسة لروح المتحدث، وجنانه ونقاء فكره ووجدانه، ورُبَّ حربٍ استعرت بألفاظ، ومودات غُرِست بألحاظ.


يتبع ,,

المصدر: نفساني



 

رد مع اقتباس