عرض مشاركة واحدة
قديم 18-06-2010, 12:30 PM   #15
واثقة بالله
عضومجلس إدارة في نفساني


الصورة الرمزية واثقة بالله
واثقة بالله غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 26107
 تاريخ التسجيل :  10 2008
 أخر زيارة : 18-06-2013 (07:29 PM)
 المشاركات : 9,896 [ + ]
 التقييم :  183
لوني المفضل : Cornflowerblue


اختي تمر حنه أنقل لك رد للدكتور محمد المهدي لمشكلة لقارئة عن تعلقها الشديد بصديقة لها التي تزوجت دون إعلامها فلم تغفر لها خطئها معها (عدم اعلامها وسفرها دون توديعها ) حتى الآن ووصل بها الحال إلى المرض. ان شاءالله يفيدك ..


الرد على الاستشارة كالتالي :


لقد خلق الله الإنسان كائنا اجتماعيا يبحث عن إنسان أو إنسانة ليستأنس به أو بها ، وهذا الدافع النفسي والاجتماعي كان له دور في بناء المجتمعات والحضارات الانسانيه . وان من يفتقد الرغبة في اقامة علاقة مع الناس نضعه في عداد المرضى النفسيين أو مضطربي الشخصية .


ولكن هناك فرق بين العلاقة والتعلق ، فالعلاقة تتم بين كيانين مستقلين ناضجين لتؤنس وتثري كل منهما بالآخر وهذا هو النموذج الناضج في العلاقات النفسية والاجتماعية وهو لا يعني الاعتماد على الآخر بل يعني التعاون معه ، ولا يعني الذوبان فيه بل يعني التواصل معه ، ولا يعني إلغاء ذات الحبيب لحساب ذات المحبوب بل يعني تأكيد ذوات الاثنين وتدعيمها من خلال هذه العلاقة الناضجة . وعلى الرغم من قوة العلاقة إلا أن طرفيها يظلان قادرين على الحياة الطبيعية إذا اضطرتهما الظروف للانفصال لأنهما من البداية كيانين قائمين بذاتهما ومستقلين وناضجين .


أما التعلق فلكي نفهمه نعود إلى صورة بعض النباتات المتسلقة وهي نباتات ضعيفة السيقان ولذلك تكون غير قادرة على النمو الرأسي بمفردها وإنما تحتاج لدعامة تتعلق بها وبدون هذه الدعامة تسقط فورا . وإذا نقلنا هذا النموذج النباتي إلى التعلقات الإنسانية نجد أنه قائم في كثير من الحالات حيث يتعلق بعض الناس بغيرهم بحثا عن الحب أو الجنس أو الصداقة أو الدعم أو المساندة ، والتعلق في هذه الحالة يكون مسألة وجود بحيث أن المتعلق ينهار إذا ابتعد عنه الطرف الآخر فهو لا يستطيع الحياة الطبيعية بدونه ، وهذا نوع غير ناضج من العلاقات سببه تأخر النضج النفسي أو وجود حرمان شديد من الحب أو وجود احتياجات نفسية غير مشبعة ( وأحيانا إشباع زائد عوده على النهم في الأخذ من الآخر ) أو عدم ثقة بالنفس ، ومن هنا يحتاج الطرف الضعيف أو المحروم أو المتخم المترهل أو الخائف أو فاقد الثقة إلى تأكيد وجوده من خلال كيان آخر يدعمه فيحدث ما نسميه بالتعلق ، وهو يأخذ عند الناس أسماء كثيرة براقة وخادعة مثل : الحب أو الصداقة أو الإخلاص أو العشق أو الهيام أو الوله .


ومن علامات هذا التعلق أن الطرف المتعلق يرغب في الاستئثار بحبيبه ولا يسمح بمشاركة أحد له في صداقته أو حبه ، ويشعر أن حبيبه في كفة والوجود كله في كفة بحيث إن غاب الحبيب فالوجود كله قد غاب وانتهى ، وبعضهم يصل في تعلقه بالآخر إلى ما يشبه الجنون (مثل مجنون ليلى وكثير عزة) فيهيم على وجهه بحثا عن الحبيب المفقود .

والتعلق هو نوع من الحب النرجسي حيث يحب الشخص شخصا آخر حبا تملكيا ويريد أن يستدمجه بداخله بحيث يصبح جزءا من تكوينه ومن هنا يصبح فقده مثل فقد جزء من كيان الإنسان النفسي أو الجسدي ، وهو أقرب إلى الحب الطفولي حيث يشعر الطفل أن أمه ملكا له وحده ولا يحتمل أن يأخذ منها أحد شيئا فيغار من إخوته ويغار من أبيه ، ويستدمج صورة الأم بداخله حتى لا تفارقه أبدا ، ولكنه مع النضج يتحول بمشاعره أو أجزاء منها إلى محبوبين آخرين مثل أصدقائه أو أبنائه أو زوجته وبذلك يحدث التوازن والنضج . وهذا النضج الطبيعي قد يتأخر عند بعض الناس نتيجة لحرمان زائد (وأحيانا إشباع زائد يتبعه تخمة ونهم وترهل نفسي ) فيحدث تثبيت عند مرحلة معينة من النمو النفسي تتميز بهذا التعلق . واضطرابات التعلق نواجهها في العيادات النفسية عند الأطفال والمراهقين حيث نرى طفلا لا يستطيع الابتعاد عن أمه لحظة واحدة أو مراهق لا يستطيع الحياة بدون صديقه أو صديقته دون الوضع في الاعتبار أي ضوابط اجتماعية أو خلقية أو دينية ، وتفشل كل المحاولات لإعادة هذه العلاقة إلى وضعها الطبيعي المقبول أو فصلهما عن بعضهما (وكأنهما توأم ملتصق) ، وكثيرا ما يحتاج الأمر لتدخلات علاجية نفسية متخصصة لعلاج ما نسميه قلق الانفصال وهو حالة شديدة من القلق قد تصل ( بل غالبا ما تصل ) إلى درجة الهلع عند فقد المحبوب أو حتى التهديد بفقده ، ويمكنك أن تقرئي عنه في الأطفال في رد سابق على صفحتنا استشارات .... تحت عنوان : قلق الانفصال في الطفولة وفي الثقافة الدينية الكثير من الكتابات والكتب عن التعلق ومشاكله ومساوئه لأن التعلق بالأغيار ( الأشياء أو الأشخاص ) تعلق بأشياء زائلة أو متقلبة بالضرورة ، وزوالها أو تقلبها يصيب نفس المتعلق بالضياع أو الانهيار أو الاكتئاب ، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث : "عش ما شئت فانك ميت ، وأحبب من شئت فانك مفارقه " صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكأنه عليه الصلاة والسلام يحذرنا من التعلق بالذات (لأن الذات سوف تموت حتما) ومن التعلق بالأغيار (لأنهم إن آجلا أو عاجلا سيفارقون أو يتغيرون) .


>>> يتبع ..


 

رد مع اقتباس