عرض مشاركة واحدة
قديم 19-07-2010, 09:53 AM   #2
noooor
V I P


الصورة الرمزية noooor
noooor غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 5696
 تاريخ التسجيل :  02 2004
 أخر زيارة : 15-11-2010 (09:06 PM)
 المشاركات : 8,386 [ + ]
 التقييم :  87
لوني المفضل : Cadetblue


.

وكذلك أمر سبحانه نبيه وأشرف خلقه وأعلمهم بربه محمداً صلى الله عليه وسلم أن يحكم بين الناس بما أنزل الله، وحذره من اتباع الأهواء فقال تبارك وتعالى: { وَأَنِ ٱحْكُم بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَٱحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَٱعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مّنَ ٱلنَّاسِ لَفَـٰسِقُونَ }[المائدة:49].


وبين له أن مآل اتباع أهواء الضالين مفضٍ به وهو رسول رب العالمين إلى الضلال والخيبة والخسران, فقال سبحانه: { قُلْ إِنّى نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ قُلْ لاَّ أَتَّبِعُ أَهْوَاءكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَمَا أَنَاْ مِنَ ٱلْمُهْتَدِينَ }[الأنعام:56].


ولا ريب -يا عباد الله- أن هذا كله توجيه للأمة من بعده, وتحذير لها, وهدى وذكرى لأولي الألباب.
ومن صور اتباع الهوى أيضاً اعتداء المرء بنفسه وذهابه بها مذاهب العجب والغرور حتى يشمخ بأنفه, ويستعلي على غيره, ويأنف من قبول الحق ومن الإذعان للنصح متبعاً هواه، مضرباً عن كل ما سواه من البينات والهدى.


ومنه الحكم على الآخر وفقاً لما يمليه عليه هواه ولما يستقر في نفسه من آراء، فإذا بذلك يحمله على ترك العدل، والمسلم مأمور بالعدل مطلقاً، حيث قال سبحانه: { يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِٱلْقِسْطِ شُهَدَاء للَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ ٱلْوٰلِدَيْنِ وَٱلاْقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَٱللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً }[النساء:135].


ومن صور ذلك أيضاً أن تكون للرجل زوجات فلا يقم بمقتضى العدل بينهن, بل يتبع هواه فيحمله ذلك على الميل إلى إحداهن كل الميل، ويذر ما سواها كالمعلقة، بل إن الأمر ليتمادى به إلى تعامله مع أبنائه أيضاً, فإذا هو ميّال إلى بعضهم دون بعض، يرفعه ويهب له ويجعله محضياً بكل ألوان الرعاية والعناية، ويدع غيره من أبنائه مبعداً محروماً منسياً.


ومن صور ذلك أيضاً أن يتبع المعلم هواه فلا يقوم بما يجب عليه من العدل بين طلابه بجعل المفاضلة بينهم قائمة على أسس من الجد والاجتهاد ورعاية حق العلم, بل يميل إلى طائفة أو فرد منهم مقدماً من حقه التأخير, أو مؤخراً من حقه التقديم، اتباعاً للهوى وإعراضاً عن الحق.


وكم لاتباع الهوى في دنيا الواقع من صور, وكم لها من أضرار وآثار لا تقع تحت العد, ولا يستوعبها المجال، وحاصل ذلك أن اتباع الهوى والانقياد له مفض إلى الانحراف عن الصراط المستقيم, والحيدة عن طريق الله القويم, وإلى خسران الدنيا والآخرة، وذلك هو الخسران المبين.


وعلاج ذلك -يا عباد الله- أن يجعل المرء هواه تبعاً لما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأن لا يقدم على أمر الله ورسوله شيئاً مهما عظم شأنه وعلا قدره, وأن يحتكم في كل دقيق وجليل من أمور حياته إلى حكم الله, ويرضى به ويسلم, فتكون عاقبة ذلك أن يرضى ويغضب لله, وأن يحب ويبغض في الله، وأن يعطي ويمنع لله.


فاعملوا -رحمكم الله- على مجانبة اتباع الهوى, وانأوا بأنفسكم عن سلوك كل سبيل يفضي إليه تكونوا من المفلحين, وصدق الله إذ يقول: { أَفَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ ٱللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَـٰوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ ٱللَّهِ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ }[الجاثية:23].


نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وبسنة نبيه نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.



الخطبة الثانية:


الحمد لله ولي المتقين, أحمده سبحانه يعز الطائعين ويذل العاصين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله, شفيع المؤمنين وقائد الغر المحجلين، اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.


أما بعد: فيا عباد الله، إن اتباع ما أنزل الله من البينات والهدى والعمل به والتسليم له عاصم للمرء من اتباع الأهواء وحافظ له من التردي في وهدتها, مورثه إياه سعادة جعلها الله خالصة لمن اتبع شريعته واهتدى بهديه, وأعرض عن كل ما سوى ذلك، كما قال سبحانه مخاطباً عبده ونبيه محمداً نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة آمراً إياه باتباع شريعته، محذراً له من اتباع الأهواء قال سبحانه: { ثُمَّ جَعَلْنَـٰكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مّنَ ٱلأَمْرِ فَٱتَّبِعْهَا وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاء ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة إِنَّهُمْ لَن يُغْنُواْ عَنكَ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً وَإِنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَٱللَّهُ وَلِىُّ ٱلْمُتَّقِينَ }[الجاثية:18، 19].
فهذا -يا عباد الله- هو الطريق المستقيم الموصل إلى رضوان الله والظفر بجناته، فالزموه واستمسكوا به -رحمكم الله- وحذار من اتباع الهوى فإنه الداء كل الداء.


الشيخ : أسامة خياط
إمام وخطيب المسجد الحرام


 

رد مع اقتباس