عرض مشاركة واحدة
قديم 01-08-2010, 05:46 AM   #3
noooor
V I P


الصورة الرمزية noooor
noooor غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 5696
 تاريخ التسجيل :  02 2004
 أخر زيارة : 15-11-2010 (09:06 PM)
 المشاركات : 8,386 [ + ]
 التقييم :  87
لوني المفضل : Cadetblue


تاسعًا: التأكُّد مِنْ نسْبة الأقوال لقائليها:
ينبغي أن يُتأَنَّى في نسبة الأقوال الشاذة لقائليها، خاصَّة إن كان منَ العلماء المعتبرين المعروفين بكثْرة الطلَبة أو المصنّفات والتآليف، فكثيرٌ منَ الأقوال المنسوبة هي مِن تخريجات الأتْباع على أقوال الأئمة، وليس كل ما قال به الحنابلة هو قولٌ لأحمد - رحمه الله - وكذلك الأئمة الثلاثة المتبوعون، ولئن كان التفرُّد في الحديث مظنَّة التوَقُّف حتى يتبيّن الأمر، فينبغي أن يُعمل بمنهج المحدثين - على تفصيلات عندهم - في بقية علوم الشريعة؛ فالباب واحد.

وقد يكون الخللُ مِنْ ناسخ الكتاب، وقد يكون مِن مختصر العبارة، وقد يأتي الخلَل في اجتزائها دون مراعاة لأول الكلام وآخره، وأحيانًا لا بُدَّ مِن معرفة السياق؛ فقد لا يكون السياقُ في تقرير حكم المسألة، وإنما من باب ضرب المثال الذهني.

عاشرًا: أكثر ما يشكل في الأقوال الشاذة:
أكثر ما يشكل في الأقوال الشاذة أسماء القائلين بها، فيتعاظَم الإنسان اسم العالم فلان وفلان ممن لهم قدَم صدْق، وشُهرة واسعة، والمؤمن لا يتعلق إلا بالدليل، وأما الأسماء فتبقى في باب الأمارات والعلامات، يستأنس بها طالبُ العلم، ولا يحتجُّ بها، وكان مِن القواعد الشرعية المقررة أن: "أقوال العلماء يُستدلُّ لها ولا يُستدلُّ بها".

وقال الإمام القرطبي - وقد ذَكَرَ الخلاف في حكم شرب النبيذ -: "فإن قيل: فقد أحل شُربه إبراهيم النخَعي، وأبو جعفر الطحاوي، وكان إمام أهل زمانه، وكان سفيان الثوري يشربه، قلْنا: ذكر النسائي في كتابه أن أول مَن أحَل المسكر من الأنبذة إبراهيم النخَعي، وهذه زلة من عالِم، وقد حُذِّرْنا مِن زلة العالِم، ولا حجَّة في قولِ أحَدٍ مع السُّنة"[19].

وقال رجل للإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله -: إن ابن المبارك قال كذا، فقال الإمام أحمد: إن ابن المبارك لَم ينزل من السماء[20].

الحادي عشر: الموقف تجاه أقوال العلماء:
الناس تجاه أقوال العلماء على حالين:
في حال إجماع العلماء على قول، يجب اتِّباع إجْماعهم.
• في حال اختلافهم، فالناس على صنفَيْن:
صنف له القدرة على معرفة الدليل: فيلزمه معرفة الدليل واتباعه والعمل به، فيختار من الأقوال أقربها موافقة للدليل الشرعي حسب استطاعته.
وصنف لا يستطيع ذلك: فيلزمه التقليد، وعليه في التقليد أن يقلد الأعلم والأتقى إن عرف ذلك، وإلا بقول أي عالم من علماء المسلمين تبرأ ذمته.

هذا كله في حال الأقوال الاجتهاديَّة سائغة الخِلاف، أما الشذوذات التي يُنكرها أهلُ العلم ويُحَذِّرون منها، فلا يجوز له التقليد - كما سبق - ولا تدخل في هذا الباب.

وبهذا أستطيع القول بأن كل ما اختلف فيه أهلُ العلم، فالواجب التأنِّي فيه، سواء على العلماء أو المقلِّدين.

أما العلماء: فيكون التأنِّي في اختيار الدليل ومراجعته والترجيح بين الأدلة.
وأما المقلد: فيكون التأنِّي في اختيار قول الأعلم والأتقى حسب استطاعته، وحسب ما يعرفه، وأما معرفة الأعلم والأتقى فالمرجع فيها حسب استطاعة الإنسان وتقواه.

الثاني عشر: هل يأثم صاحب القول الشاذ؟
العالِم ذو القول الشاذ له حالتان:
مأجورٌ على اجتهاده: حين يبذل وُسعه في طلَب الدليل، وتحرِّي القول الحق.
مأزورٌ: حين يُقَصِّر في طلب الدليل وتتبُّعِه، وبذْل الوُسْع في الوُصُول له، وحين يُبيَّن له الحق مع عدم الرجوع إليه، وقد يكون له من الحسنات ما يغفر ذلك - بفضْل الله سبحانه.

ولهذا؛ فعلى أهل العلمِ التحرِّي في الأقوال قدْر الاستطاعة، وبذْل أقصى الجهْد في التحرير والتقَصِّي، خاصة فيما يعرفون أنهم خالفوا به جمهور المسلمين.

الثالث عشر: ازدياد القائلين بالقول الشاذ هل يجعله مقبولاً؟
قد يزداد القائلون بالقول الشاذ، خاصة مع ثقافة تسويغ الخلاف بمُجرد ثبوت القول عن عالم من العلماء، وعند ابتلاء الأمة بالتقليد المقيت، ولأجل ذلك حذَّر العلماءُ مِن زلات العلماء؛ لأنه ليس كل زلة يكتب لها الاندثار، فقد تتهَيَّأ لها من الأسباب ما يزيدها انتشارًا؛ حكمة من الله العليم الحكيم، ومن هنا وُجِدتْ بعض المسائل الفقهيَّة التي حدَث فيها الخلاف، مع أنها مسبوقة بإجماع الصحابة الذي هو أعلى درجات الإجماع؛ مثل: حكم ترْك الصلاة، فقد حدَث فيها خلافٌ بعد إجماع الصحابة على التكفير.

الرابع عشر: حالات الضرورة لا تجعل الحكم الشرعي مُختلَفًا فيه:
أباحت الشريعة بعض المحَرَّمات؛ مراعاة لظروف خاصة؛ كأكل الميتة، وحالات الإكراه، وغيرها، إلا أنَّ منهج أهل العلم لا يجعل من هذه الحالات الاستثنائية قولاً في أصْل حكم المسألة، وإنما تبقى المسألةُ على بابها وأصلها في التحريم، وتباح في حالة الضرورة فقط.

ولهذا كان مِنْ قواعد أهل العلم المقرَّرة في هذا الباب قولهم:
حالات الضرورة يفتى لها، ولا يُقَعَّدُ لها:
أي: لا ينبني عليها أحكام، بحيث تعود على أصلها بالبطلان، ومنهج أهل العلم في كل عصر ألا يُفتى بحالات الضرورة بفتوى عامة، وإنما تبقى خاصة لحالات معينة، ومن ذلك القول بجواز فك السحر بالسحر ضرورة.

الخامس عشر: أمثلة من شذوذات العلماء المعاصرين:
من شذوذات العلماء المعاصرين:
1- إباحة الاختلاط المحَرَّم: وهو مخالف للنصوص الشرعية وسنة المسلمين عبر الأزمان.
2- إباحة يسير الرِّبا: فقد حرَّم الله الرِّبا وتوَعَّده بالمَحْق؛ فقال ﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا ﴾ [البقرة: 276]، ولعن في السنة آكله وموكله، وكاتبه وشاهديه، وَلَمْ يَسْتَثْنِ منه شيئًا.
3 - إباحة الأغاني وآلات اللَّهْو: والتي كانتْ علامةً على الفِسْق والفُسَّاق، وقد كان الفاسق إذا تاب كسر طنبوره وآلاته، وأقبل على الله، وقد عُرف ابن حزم - رحمه الله - بإباحتها، فكانتْ تُذكَر في ترجمته على أنها مما شذَّ بها وأُنكرتْ عليه.
4 - إباحة حلْق اللحية: مع ثبوت الأمر بإعفائها وإكرامها، وأنها من سُنن المرسَلين.
5 - إباحة إقامة الأعياد بجميع أنواعها: وهي مِن خصائص أهل الكتاب التي تُميزهم عن الأمة المحمدية المتبعة سنن المرسلين، وقد تواترتِ الأحاديث في النهي عن التشبُّه بهم، ويشمل ذلك طريقتهم وهديهم وأعيادهم، وهي مِنْ أخَصِّ هدْيهم.

وأخيرًا:
آمل دراسة منْهج أهل السنة والجماعة عبر السنين الماضية؛ من حيث التعامُلُ مع الأقوال الفقهيَّة، فهو منهج ناضج متكامل، يحتاج إلى تأمُّل واتِّباع، ولا يحتاج إلى معارَضة ونزاع، فليس الشذوذ وليد عصْرنا، كما يتخيَّله البعضُ مع انتشار الإعلام، بل الاجتهاد البشري مظنة الخطأ، إلا أن الله حفظ دينه بمجموع أهل العلم في كل عصر وجيل، ولئن عاب بعض السلَف قديمًا تدوين الأقوال الشاذة خوْفًا من بقائها، فإننا نعيب في زماننا التفتيش عنها خوفًا من انتشارها واتِّباعها، ومع هذا يبقى المحكم كلَّما رُد إليه المتشابه بَانَ حكمُه، وزال غموضُه، نسأل الله أن يهديَنا لما اختلف فيه بإذنه، وأن يتقبَّلها منِّي، وأن يغفرَ لوالدينا أجمعين.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

http://www.sنقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةid.net/Doat/ageel/20.htm

الشيخ/عقيل بن سالم الشمري


 

رد مع اقتباس