( عضو دائم ولديه حصانه )
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 727
|
تاريخ التسجيل : 09 2001
|
أخر زيارة : 22-06-2014 (09:55 AM)
|
المشاركات :
3,190 [
+
] |
التقييم : 10
|
|
لوني المفضل : Cadetblue
|
|
تواطؤ الحضارات.. نظام عالمي مؤقت*
29/12/2002
أنور الهواري **
من الحضارة القطبية إلى الحضارات المتواطئة
لقد تحول النظام الدولي من نظام القطب الواحد إلى نظام الحضارات المتواطئة, ولقد حدث التحول في فترة تاريخية وجيزة لا تتعدى حدود الشهور الخمسة عشر الأخيرة, التي أعقبت غزوة الحادي عشر من سبتمبر, وما تلاها من فصول الحرب الأمريكية على أفغانستان, ثم على ما تظنه جذورًا للإرهاب في العالم الإسلامي.
كان نظام القطب الواحد (1991-2001) يميل إلى تأكيد هيمنة قوة عظمى وحيدة هي الولايات المتحدة الأمريكية, وكان لهذا النظام معارضوه من كل الأطراف الأخرى.
أما نظام الحضارات المتواطئة (2001) فهو يميل إلى ترويض وتهميش وإقصاء وقصقصة ريش حضارة وحيدة، هي الحضارة الإسلامية. وقد وقع اتفاق في المصالح المؤقتة بين ممثلي الحضارات الأخرى, دفعهم إلي مزيد من التقارب, وأنساهم المعارك التي اعتادوها فيما بينهم طوال عقد من الزمن، هو عمر نظام القطب الواحد.
وباختصار شديد فإن النظام الدولي السابق كان تأكيدا للحضور الأمريكي المنفرد, بينما يمثل النظام الحالي تهميشًا وإقصاء للعالم الإسلامي وحضارته.
لقد تأسس نظام الحضارات المتواطئة في ميدان المعركة وعلى جبهات القتال؛, أي في أتون الحرب الكوكبية ضد ما يسمونه الإرهاب الإسلامي, وهي حرب تُستخدم فيها كل أدوات القوة من عسكرية ودبلوماسية وفكرية واقتصادية وإعلامية.
لقد فوجئ العالم الإسلامي، وبوغت بضغط دولي شامل يحمل اسم الحرب الصريحة التي لم يشأ أصحابها أن يتستروا تحت أي مصطلح يكون أقل عدوانية. ولقد تنوعت عناصر الاتهام: فهناك من يستحق إعلان الحرب عليه لأنه يمارس الإرهاب, ثم هناك من وجبت ضده الحرب لأنه يؤوي الإرهاب. ثم هناك آخرون يمولون الإرهاب, وفريق رابع ثقافته تفرز الإرهاب, وفريق خامس نظامه السياسي يصدر الإرهابيين, وفريق سادس مجتمعه يولد التطرف, وفريق أخير ربما تكون جريمته أنهم لم يعثروا له على جريمة, وربما يكون مصدر إدانته أنهم لم يجدوا له ما يدينونه به!.
وربما -لأول مرة- منذ سقوط الخلافة العثمانية في الربع الأول من القرن العشرين, تضطر الذاكرة التاريخية لدار الإسلام أن تتذكر وحدة الكيان الإسلامي, ليس فقط بالمعنى الروحي والثقافي للوحدة, وإنما بمعناها السياسي والحضاري الشامل الذي يؤكد وحدة الوجود ووحدة المصير.
والحقيقة أن نـظام الحضارات المتواطئة هو –بطبيعته- نظام حربي, يتأسس على الاختصام المسبق, ويضمر اعتقادًا مشتركا بين جميع الأطراف المتحالفة فيه: أن إخلاء الكوكب الأرضي من الحضارة الإسلامية هو عمل جوهري لازم ومطلوب لحفظ السلام والاستقرار والأمن في كوكب الأرض، وربما في باقي الكواكب, وإخلاء الكوكب الأرضي من الحضارة الإسلامية لا يعني الإخلاء المادي؛ أي لا يعني استئصال الوجود المادي لهذه الحضارة؛ فهذا عمل مستحيل, ولكن المقصود به إخلاء هذه الحضارة من مقوماتها الروحية التي تجعلها تواقة لتحرير إنسانها من التبعية للمركزية الحضارية الغربية التي نجحت في بسط سلطانها على باقي الحضارات المتواطئة, هو أداة كوكبية كبرى, تقودها الولايات المتحدة بإكراه وقسر وإجبار الحضارة الإسلامية على أن تتخلى عن شروطها الذاتية في الحياة, وأن تقبل أن تعيش وفق شروط حضارة أخرى.
صحيح أن بنية الثقافة الإسلامية لا يشيع فيها كلمات غربية المنشأ مثل الديمقراطية والليبرالية, ولكن من الصحيح كذلك أن جوهر الثقافة الإسلامية يقوم على قاعدة الاختيار الذي يقتضي غياب الإكراه؛ فتحريم الإكراه جعل ثقافة الإسلام غير معنية بألفاظ من تلك التي شهدتها التجربة الغربية؛ لأن الحرية –عندنا- معطى أولي لم نضطر لمناقشته مثلما لا نضطر لاتخاذ قرار بالتنفس مثلا.
فالحرية والعقل وتحمُّل المسئولية هي أسس التكليف.
لقد رسم نظام الحضارات المتواطئة خريطة سياسية جديدة للعالم عموما، وحدد فيها موقع العالم الإسلامي خصوصا, ويمكنك أن تتخيل ملامح هذه الخريطة انطلاقا من عدستين مركزتين تلتقط كل منهما مشهدا يطلعك على ملامح هذه الخريطة.
ففي العدسة الأولى: ترى قلب العالم الإسلامي, وهو يضم الجغرافيا السياسية والثقافية والحضارية التي تنقلت في ربوعها العواصم والحواضر السياسية والفكرية لدار الإسلام، وهي تضم: جزيرة العرب, وإيران, والعراق, والشام, وتركيا, ومصر، ووادي النيل, وشمال أفريقيا. هذا القلب تتكفل به إسرائيل وأمريكا وبريطانيا, وتتنوع أدوات الإكراه والترويض من العسكرية والاقتصادية إلى الدبلوماسية والإعلامية وحتى الحرب النفسية, والهدف الأولي للحرب هنا هو إعادة هيكلة النخب والدول والثقافات والمجتمعات واللغة والعادات والتقاليد.
ومن خلال العدسة الأخرى ترى أطراف دار الإسلام وقد تواطأت عليها الحضارات المتواطئة، والمقصود بأطراف دار الإسلام حواف الجغرافيا السياسية والحضارية للعالم الإسلامي من نيجيريا إلى جنوب السودان, إلى القرن الأفريقي, إلى جنوب شرق آسيا، حيث إندونيسيا والفلبين, وشبه القارة الهندية، حيث كشمير إلى آسيا الوسطى والقوقاز, وعودًا إلى الصين.
والدور البارز في هذه الجبهة تتكفل به روسيا, والهند, والصين, والفلبين, وأستراليا, فضلا عن أمريكا وبريطانيا, ثم المراكز الاستعمارية السابقة من بلجيكا وهولندا إلى مؤسسات ومنظمات غير حكومية, والهدف الأولي لهذه الحرب هو قضم ومضغ وبلع وهضم هذه الأطراف كلما أمكن؛ وذلك بإعادة تدويرها وتذويبها في أنساق حضارية مغايرة.
إن الأساس الفلسفي الذي يركن إليه نظام الحضارات المتواطئة, هو الاتفاق على أن الإكراه المادي والأدبي، واستخدامه بصورة إجماعية كفيل بوضع العالم الإسلامي تحت السيطرة بصورة تضمن انصياعه والتزامه حدود الطاعة.
وما يلزم التحذير منه –هنا- أن هذه النزعات والخصائص الاحترابية والاختصامية التي تطبع وتوجه نظام الحضارات المتواطئة تجاه العالم الإسلامي من شأنها أن تقود إلى عدة نتائج وردود أفعال:
أولها: صرف انتباه المجتمعات الإسلامية عن عمليات البناء والتنمية والتحديث.
ثانيها: إذكاء روح المواجهة، واستنبات ظواهر قوة كرد فعل طبيعي وتلقائي.
ثالثها: ترجيح كفة الآراء والتوجهات المتشددة ضد الغرب وضد الحداثة على وجه العموم.
رابعها: إيجاد حالة من الاستقطاب الدولي الشامل تجعل من المسلمين -أينما وجدوا وكيفما كانوا- قطبا وحيدا ومنعزلا.
وخامسها وأخطرها: أن إحساس المسلمين بأنهم جميعا وبلا استثناء يقعون تحت حصار شامل وحرب شاملة يشارك فيها كل الآخرين دون استثناء، من شأنه أن يعيد تشغيل طاقات التذكر والتفكر في الوجدان والعقل الإسلامي بصورة تلبي له الرغبة في مواجهة مخاطر الحاضر, وترسم له كيفية بناء المستقبل؛ فالطريقة والكيفية والظروف التي تتذكر بها الشعوب ماضيها تحدد لها الطريقة والكيفية التي تبني بها مستقبلها, وغالب الظن أن عواقب هذا التذكر والتفكر لن تكون في مصلحة الحضارات المتواطئة, وإن كان من الممكن أن تكون في مصلحة الإنسانية.
وختاما: فإن إستراتيجية الحضارات المتواطئة تجاه دار الإسلام هي إسكات القلب, واستلاب الأطراف على أساس أن هذه هي الإستراتيجية الصائبة لحفظ السلام والأمن في العالم الحر..
فما هي إستراتيجية ديار الإسلام لمواجهة هذا التحدي؟
* نقلا عن جريدة الأهرام المصرية الصادرة بتاريخ 28/12/2202
**
|